لم تكن الثورات العلمية والتكنولوجية التي صنعت مجد الغرب، منذ ستة قرون، ولازالت، حدثا دون مقدمات ولا سياقات. فقد سبقتها ثورات ثقافية وفكرية وفلسفية مهدت لها وهيأت لها العقول وقطعت مع ضروب التفكير الخرافي والتمثلات الاجتماعية والسياسية البدائية.. كل قراءة عميقة وموضوعية للتاريخ تنبئ بأن لا حضارة ولا تقدم ولا رياضيات ولا فيزياء ولا طب ولا تكنولوجيا دون فلسفة وفنون وآداب..
ولنكون موضوعيين، يمكن أن نجزم بأن "المشروع الثقافي" لم يكن في حسابات النخب أصلا، خاصة مع تغيير بنية السلطة بعد 1969 إلى بنية عسكرية أمنية إيديولوجية خشنة.. وأن كل ما كان هو مجرد بروباغندا لخدمة الفرد والترويج لخياراته، وأن الثقافة؛ بكل وجوهها، كانت محامل وظيفية للتأليه والتجهيل وإنتاج التفاهة وغلق أي باب مفترض للتغيير..
يحبس سكان العاصمة طرابلس، وعموم الليبيين، أنفاسهم وهم يتابعون نذر التصعيد العسكري بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة وحكومة مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا..
لم يكن المتابعون المدركون لتفاصيل المشهد الليبي في حاجة لتصريحات أسامة الجويلي التي اعتبر فيها تسليم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة مهامه لفتحي باشاغا المدخل الوحيد لتحقيق الاستقرار في ليبيا، للاستنتاج بأن مسارات التفكيك في ليبيا تشعبت وتقاطعت وتداخلت إلى مستويات يصعب معها الحديث عن توافق جدي في المدى المنظور.
بعد يومين من المحادثات في جنيف، عاد كل من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري دون أي إنجاز يذكر في ما ذهبا من أجله.. لا اتفاق على قاعدة دستورية ولا على انتخابات ولا على رؤية للمرحلة السياسية القادمة ولا على آليات تضمن الحد الأدنى من التوافق على تجنيب البلاد مزيدا من الحروب وإراقة الدماء..
ليبيا المستقبل (خليفة علي حداد): لا يستقيم الحديث عن أي مشروع تحديثي في ليبيا أو في غيرها من الدول دون تقييم جاد وعلمي للمنظومة التعليمية من حيث مضامينها المعرفية وغائياتها وأهدافها وبناها التحتية ومواردها البشرية.. ورغم أن عملية التقييم في ليبيا هي واجب وفريضة على القائمين على قطاع التربية والتعليم وجميع الأطراف المتدخلة فيه من حكومات وسلطة إشراف وهياكل إدارية وتسييرية ومدرسين وباحثين وأولياء أمور ومجتمع مدني؛ بمعنى هي مهمة الدولة والمجتمع بأسره، فإن التصنيفات التي تنشرها الجهات الخارجية المختصة تمثل قاعدة انطلاق مهمة للحديث الجاد حول هذا الملف الاستراتيجي الحارق.
شهدت العاصمة طرابلس، في الليلة الفاصلة بين الاثنين والثلاثاء الموافق 16 و17 مايو الجاري، اشتباكات ضارية بين تشكيلات عسكرية وأمنية تابعة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة وأخرى أعلنت ولاءها للحكومة المكلفة من طرف مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، ما أدى إلى حالة هلع بين السكان المدنيين وسقوط ضحايا ووقوع خسائر مادية في الأملاك العامة والخاصة.
الموضوعية تقتضي القول أيضا أن الجغرافيا الليبية قادرة على إطعام السبعة ملايين ليبي وتصدير ما فاض إلى الخارج لكسر الصورة النمطية عن البلاد التي لا تصدر سوى النفط لأنها لا تنتج سواه.
حين يكون الحديث عن الثورات يتحرر النص من ضوابطه ويفلت من أسر شروط الكتابة التي وضعها أكاديميون باردون في المكاتب، وأسبغوا عليها قداسة وصنمية.. أن تكون موضوعيا فذاك ممكن، أما أن تكون محايدا في مثل هذه الحال فادعاء لا سند له..