ليبيا في المرحلة الأردوغانية الجديدة.. أية فرضيات؟

شهدت تركيا، الأحد الموافق 28 مايو 2023، أهم المحطات الانتخابية في تاريخها، إذ نظم، للمرة الأولى، دور ثان بين أبرز مرشحين في هذا الاستحقاق؛ زعيم حزب العدالة والتنمية الذي يتربع على كرسي الرئاسة منذ عقدين رجب طيب أرودغان وزعيم حزب الشعب الجمهوري أكبر الأحزاب المعارضة كليجدار أوغلو، وسط تنافس محموم وبفارق لم يتعدّ النقاط القليلة.

المزيد من الملفات الخاصة

تقرير ليبيا المستقبل

ليبيا المستقبل (خليفة علي حداد): شهدت تركيا، الأحد الموافق 28 مايو 2023، أهم المحطات الانتخابية في تاريخها، إذ نظم، للمرة الأولى، دور ثان بين أبرز مرشحين في هذا الاستحقاق؛ زعيم حزب العدالة والتنمية الذي يتربع على كرسي الرئاسة منذ عقدين رجب طيب أرودغان وزعيم حزب الشعب الجمهوري أكبر الأحزاب المعارضة كليجدار أوغلو، وسط تنافس محموم وبفارق لم يتعدّ النقاط القليلة.

الأكيد أن ملايين عبر العالم تابعوا، لحظة بلحظة، المنافسة الصعبة التي انتهت بانتصار أردوغان على خصمه، والأكيد، أيضا، أن قوى دولية وإقليمية كانت مهتمة شديد الاهتمام بمآلات هذه المعركة.. فتركيا تحوّلت، في السنوات الأخيرة، إلى قوة إقليمية معتبرة، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، يمتد نفوذها من آسيا الوسطى إلى سوريا والعراق والخليج والسودان والقرن الأفريقي والجزائر وليبيا، كما تعززت مكانتها الإقليمية، أكثر، بفعل تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا بعد أن أضحت صاحبة الكلمة الفصل في مرور شحنات القمح، ما يعني أنها باتت تتحكم في جزء من "أمعاء" العالم.

ما يعنينا، نحن العرب، من تداعيات الانتخابات التركية أمران رئيسان؛ الأول أن الدول لا تبنى إلا بنخب ذات مشروع؛ سلطة ومعارضة، وأن الاستبداد الفجّ الذي لازال سمة مسجلة على الإقليم العربي لا يجلب سوى الخراب والدمار والفقر والجوع والفشل والتخلف، والثاني أن تركيا، بما هي قوة إقليمية معتبرة، تحوزا نفوذا أصبح في عداد الأمر الواقع، وأن التعاطي مع هذا الأمر يتطلب حنكة وذكاء للحفاظ على المصالح الوطنية والقومية من جهة وحسن الجوار مع هذه القوة من جهة ثانية في لحظة تاريخية يعاد فيها تشكيل النظام العالمي ويحتدّ فيها صراع المعسكرات والأحلاف.

لم يكن الحضور التركي في ليبيا جديدا، إذ شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين تطورا ملحوظا قبل الثورة ووجدت المقاولات التركية فرصا كبيرة في السوق الليبية في مجالات الطرق والبناء والكهرباء وغيرها، غير أن اللحظة الأكثر أثرا في علاقات البلدين كانت الدخول العسكري القوي لدعم موقف حكومة الوفاق الوطني أثناء الهجوم على طرابلس سنتي 2019 و2020؛ وهو الدخول الذي أدى، خلال وقت وجيز، إلى إحداث انقلاب في المشهد العسكري لصالح قوات الوفاق التي تمكنت من استرداد مناطق جنوب طرابلس ومدن الساحل الغربي وقاعدة الوطية وترهونة ووصلت مشارف سرت.

لاشك أن انقلاب المشهد العسكري بالتوازي مع تكثف التعاون العسكري بين حكومة الوفاق حينها والحليف التركي كان السبب المباشر لرضوخ "صقور" ليبيا للحل السياسي الذي تبلور فيما بعد في الحوار السياسي الليبي في تونس وجنيف وما تبعه من أعمال اللجان العسكرية والسياسية المشتركة وصولا إلى الحوار الحالي الدائر في المغرب بين وفود من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب بغية التوافق على أرضية تشريعية مشتركة للانتخابات المنشودة في ليبيا.

لم يتوقف "التحالف" بين حكومة الوفاق والجانب التركي على الجانب العسكري بل تعداه إلى خطوات أكثر استراتيجية كانت أهمها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين بما تعنيه من اقتسام الثروات النفطية والغازية المعتبرة في باطن البحر المتوسط، وهي الاتفاقية التي أثارت جدلا كبيرا واستنفرت جيران كثرا بينهم مصر واليونان. وبالتوازي مع ذلك سجلت مؤشرات التجارة والسياحة والخدمات بين البلدين صعودا مستمرا حتى بعد رحيل حكومة الوفاق وحلول حكومة الوحدة الوطنية.

على عكس ما يعتقد بعض المتابعين الموتورين لا يبدو أن تركيا الأردوغانية تقيم أهمية للعامل السياسي والإيديولوجي في تعاطيها مع محيطها الإقليمي ولا تبني خطواتها على أسس القرب العقائدي بقدر ما تجعل مصالحها الوطنية في مقدمة الاعتبارات، وقد بدا ذلك، جليا، من خلال انفتاحها على مصر والإمارات والسعودية وعلى شرق ليبيا، إذ سبق لها أن استقبلت وفودا برلمانية وسياسية محسوبة على حفتر بحفاوة بالغة، وأتبعتها بحركة تجارية يبدو نسقها في تصاعد.

تشير جل التسريبات إلى أن الرئيس التركي أردوغان يسعى إلى تشكيل فريق حكومي جديد يكون اهتمامه الأول في العلاقات الإقليمية والدولية اقتصاديا، كما تشير كلمة أردوغان، في احتفاله بالنصر الانتخابي، إلى أن تمدد تركيا وتوسيع مجال نفوذها في الإقليم والعالم سيكون على رأس الأولويات. ولاشك أن المشهد الإقليمي والدولي الحالي يمنح تركيا أوراقا مهمة للعب أدوار متقدمة في حال أحسنت تدويرها.

وعليه، وبناء على المعطيات الحالية، من المتوقع أن تكون تركيا حاضرة في المشهد الليبي القادم، عسكريا واقتصاديا وسياسيا، وأن تلعب أدوارا مؤثرة قد تفوق تأثير لاعبين آخرين كإيطاليا وفرنسا ومصر والجزائر.

في ظل هذه الفرضيات المتوقعة، لن يكون السؤال عن تركيا؛ فهي قوة إقليمية تبحث عن تأمين مصالحها، بل عن سلوك النخب الفاعلة في المشهد الليبي.. هل تمتلك وضوح الرؤية للتعامل الذكي مع هذه القوة الإقليمية بما يحقق مصالحها والمصالح الوطنية الليبية أم أن الانقسام القائم في كل كبيرة وصغيرة في ليبيا سيجعل الموازين مختلّة؟



تقرير ليبيا المستقبل

ليبيا المستقبل (خليفة علي حداد): شهدت تركيا، الأحد الموافق 28 مايو 2023، أهم المحطات الانتخابية في تاريخها، إذ نظم، للمرة الأولى، دور ثان بين أبرز مرشحين في هذا الاستحقاق؛ زعيم حزب العدالة والتنمية الذي يتربع على كرسي الرئاسة منذ عقدين رجب طيب أرودغان وزعيم حزب الشعب الجمهوري أكبر الأحزاب المعارضة كليجدار أوغلو، وسط تنافس محموم وبفارق لم يتعدّ النقاط القليلة.

الأكيد أن ملايين عبر العالم تابعوا، لحظة بلحظة، المنافسة الصعبة التي انتهت بانتصار أردوغان على خصمه، والأكيد، أيضا، أن قوى دولية وإقليمية كانت مهتمة شديد الاهتمام بمآلات هذه المعركة.. فتركيا تحوّلت، في السنوات الأخيرة، إلى قوة إقليمية معتبرة، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، يمتد نفوذها من آسيا الوسطى إلى سوريا والعراق والخليج والسودان والقرن الأفريقي والجزائر وليبيا، كما تعززت مكانتها الإقليمية، أكثر، بفعل تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا بعد أن أضحت صاحبة الكلمة الفصل في مرور شحنات القمح، ما يعني أنها باتت تتحكم في جزء من "أمعاء" العالم.

ما يعنينا، نحن العرب، من تداعيات الانتخابات التركية أمران رئيسان؛ الأول أن الدول لا تبنى إلا بنخب ذات مشروع؛ سلطة ومعارضة، وأن الاستبداد الفجّ الذي لازال سمة مسجلة على الإقليم العربي لا يجلب سوى الخراب والدمار والفقر والجوع والفشل والتخلف، والثاني أن تركيا، بما هي قوة إقليمية معتبرة، تحوزا نفوذا أصبح في عداد الأمر الواقع، وأن التعاطي مع هذا الأمر يتطلب حنكة وذكاء للحفاظ على المصالح الوطنية والقومية من جهة وحسن الجوار مع هذه القوة من جهة ثانية في لحظة تاريخية يعاد فيها تشكيل النظام العالمي ويحتدّ فيها صراع المعسكرات والأحلاف.

لم يكن الحضور التركي في ليبيا جديدا، إذ شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين تطورا ملحوظا قبل الثورة ووجدت المقاولات التركية فرصا كبيرة في السوق الليبية في مجالات الطرق والبناء والكهرباء وغيرها، غير أن اللحظة الأكثر أثرا في علاقات البلدين كانت الدخول العسكري القوي لدعم موقف حكومة الوفاق الوطني أثناء الهجوم على طرابلس سنتي 2019 و2020؛ وهو الدخول الذي أدى، خلال وقت وجيز، إلى إحداث انقلاب في المشهد العسكري لصالح قوات الوفاق التي تمكنت من استرداد مناطق جنوب طرابلس ومدن الساحل الغربي وقاعدة الوطية وترهونة ووصلت مشارف سرت.

لاشك أن انقلاب المشهد العسكري بالتوازي مع تكثف التعاون العسكري بين حكومة الوفاق حينها والحليف التركي كان السبب المباشر لرضوخ "صقور" ليبيا للحل السياسي الذي تبلور فيما بعد في الحوار السياسي الليبي في تونس وجنيف وما تبعه من أعمال اللجان العسكرية والسياسية المشتركة وصولا إلى الحوار الحالي الدائر في المغرب بين وفود من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب بغية التوافق على أرضية تشريعية مشتركة للانتخابات المنشودة في ليبيا.

لم يتوقف "التحالف" بين حكومة الوفاق والجانب التركي على الجانب العسكري بل تعداه إلى خطوات أكثر استراتيجية كانت أهمها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين بما تعنيه من اقتسام الثروات النفطية والغازية المعتبرة في باطن البحر المتوسط، وهي الاتفاقية التي أثارت جدلا كبيرا واستنفرت جيران كثرا بينهم مصر واليونان. وبالتوازي مع ذلك سجلت مؤشرات التجارة والسياحة والخدمات بين البلدين صعودا مستمرا حتى بعد رحيل حكومة الوفاق وحلول حكومة الوحدة الوطنية.

على عكس ما يعتقد بعض المتابعين الموتورين لا يبدو أن تركيا الأردوغانية تقيم أهمية للعامل السياسي والإيديولوجي في تعاطيها مع محيطها الإقليمي ولا تبني خطواتها على أسس القرب العقائدي بقدر ما تجعل مصالحها الوطنية في مقدمة الاعتبارات، وقد بدا ذلك، جليا، من خلال انفتاحها على مصر والإمارات والسعودية وعلى شرق ليبيا، إذ سبق لها أن استقبلت وفودا برلمانية وسياسية محسوبة على حفتر بحفاوة بالغة، وأتبعتها بحركة تجارية يبدو نسقها في تصاعد.

تشير جل التسريبات إلى أن الرئيس التركي أردوغان يسعى إلى تشكيل فريق حكومي جديد يكون اهتمامه الأول في العلاقات الإقليمية والدولية اقتصاديا، كما تشير كلمة أردوغان، في احتفاله بالنصر الانتخابي، إلى أن تمدد تركيا وتوسيع مجال نفوذها في الإقليم والعالم سيكون على رأس الأولويات. ولاشك أن المشهد الإقليمي والدولي الحالي يمنح تركيا أوراقا مهمة للعب أدوار متقدمة في حال أحسنت تدويرها.

وعليه، وبناء على المعطيات الحالية، من المتوقع أن تكون تركيا حاضرة في المشهد الليبي القادم، عسكريا واقتصاديا وسياسيا، وأن تلعب أدوارا مؤثرة قد تفوق تأثير لاعبين آخرين كإيطاليا وفرنسا ومصر والجزائر.

في ظل هذه الفرضيات المتوقعة، لن يكون السؤال عن تركيا؛ فهي قوة إقليمية تبحث عن تأمين مصالحها، بل عن سلوك النخب الفاعلة في المشهد الليبي.. هل تمتلك وضوح الرؤية للتعامل الذكي مع هذه القوة الإقليمية بما يحقق مصالحها والمصالح الوطنية الليبية أم أن الانقسام القائم في كل كبيرة وصغيرة في ليبيا سيجعل الموازين مختلّة؟