ليبيا المستقبل (علاء فاروق): في كل عام يتذكر الليبيون ذكرى مريرة على حلوق كثير منهم، يوم يذكرهم بسنوات القهر والظلم وغياب الدولة والوطن والمواطن، عشرات السنين أهلكت الحرث والنسل، تصحرت فيها العقول وشردت الأفكار وتاهت الوجهة، يوم الفاتح من سبتمبر هو ذكرى انقلاب القذافي المرير الذي ظل قابعا على نفوس الليبين أكثر من أربعين عاما، لا يعرفون هوية ولا دولة.
وبعدها ذكرى أخرى، لا ينساها الليبيون أيضا وإن اختلفوا حولها، ذكرى حسنة السيرة والمسيرة بين كثير منهم، ذكرى إنهاء نظام سبتمبر وحبس رجالاته، ذكرى ثورة شباب قدموا كل شيء، ذكرى السابع عشر من فبراير، اختلف كما تشاء معها، حتى أرفضها لكن لم يمكن مقارنتها مع سابقها، ففيها بدأ الليبيون يتعرفون على الدولة واهوية.
بين سبتمبر "الانقلاب" وفبراير "الثورة" يقف الليبيون حائرون، ومتسائلون: هل حققت فبراير ما خرجوا من أجله؟ هل لازالت وجهة الثورة مستقيمة؟ وهل تشابهت في أي مرحلة من مراحلها مع "انقلاب سبتمبر"؟.. وهل سيندم الليبيون على قيام فبراير؟ أو يبالغون ويترحمون على "سبتمبر"؟.
من المؤكد انه لا يمكن المقارنة بين نجاحات وإخفاقات، فالفرق جوهري وكبير بين الثورة والانقلاب، لكن المقارنة هنا بين المرحلتين، وما مكتسبات فبراير التي يفترض أنها أنهت نظام سبتمبر؟، ام سيظل الليبيون في حالة الحيرة والبحث عن دولة؟..
تجربة قاسية
عضو المؤتمر الوطني السابق فوزي العقاب يعلق على الأمر بقوله: "مر الليبيون بتجربة قاسية ساعدت في إنضاجهم.. ووعيهم وفهمهم، فأنصار النظام السابق باتوا على يقين بأنه لا يمكن العودة إلى الوراء.. وأيضا فالـ"فبراريون" تيقنوا بأنه لا يمكن الاستقرار بدون مصالحة وطنية.. ويظل هناك استثناء لكل قاعدة".
عبد الله الكبير، كاتب صحفي يرى أن تراكم الظلم وتفشي الفساد وغيرها من المظالم وانسداد الطريق نحو المستقبل هي أهم أسباب ثورة فبراير، مضيفا: "تغيرت أشياء كثيرة لا يتسع المجال لذكرها والثورة غير مسؤولة عن الفوضى السائدة حاليا، فالمسؤولية هنا تقع علي أجنحة الثورة المضادة التي تتصارع علي تركة القذافي، وسيمضي وقت طويل حتي نحس بنتائج الثورة، أما المترحمون علي نظام القذافي يأخذهم الحنين إلي زمن فرض فيه الأمن والاستقرار وهم معذرون في ذلك، فالحنين إلي زمن مضي شعور طبيعي عند الإنسان، ولا تجوز المقارنة بين التغيير الذي وقع في سبتمبر 1969 لأنه جاء عن طريق انقلاب عسكري ناجح تسلم فيه العسكر دولة قائمة بمؤسساتها، أبرزها جيش موحد أما ثورة فبراير فلم تجد شئ تقريبا يمكن التأسيس عليه.لا دستور ولا جيش ولا مؤسسة أمنية فاعلة".
مقارنة ظالمة
الناشط السياسي من بنغازي فرج فركاش، يقول: "الكثير يحاول أن يقارن حقبة من 40 سنة من "الدولة" التي كانت تفرض نفسها بالقمع ومبنية حول شخص واحد وما بين مرحلة الـ"لا دولة" بعد سقوط النظام الذي بسقوطه سقطت معظم المؤسسات الهشة التي كانت مبنية حول رأس ذلك النظام.. فبراير لم تبني دولة بعد ومعظم ما نعانيه اليوم هو نتاج تلك الحقبة السوداء في تاريخ ليبيا من تدمير ممنهج للإنسان وعدم تنمية المكان وكان لتلك الدولة في سبتمبر فرصة أن تجعل ليبيا في مصاف الدول تعليميا وصحيا واقتصاديا ولكن أهدرت الأموال في مغامرات خارجية غير محسوبة وشراء الولاءات وتلميع شخصية الزعيم و "الصقر الوحيد" وأهمل التعليم والصحة والبنية التحتية.. ونجاح فبراير مرهون بالاستقرار السياسي والأمني وإدراك المتناحرين على كراسي السلطة أن ليبيا لن تبنى إلا بتكاثف الجميع وعدم الإقصاء.
وأضاف:" أما من يحتفل اليوم فأغلبهم لا يدركون ما فعله ذلك النظام بشعب بسيط وثروات هائلة ولم يعيشوا فترة السبعينات والثمانينات وبداية التسعينات .. ومعظمهم يتوق إلى الأمن الذي كان مفروض بالقوة وبسلاح الخوف والقمع .. لكن تظل حرية التعبير هي أهم مكتسبات فبراير وهم لايدركون أنه بفضل ثورة فبراير لهم مطلق الحرية في التعبير عن آرائهم المعارضة لفبراير مادام هذا التعبير لا يخرج عن إطاره السلمي.. محاسبة فبراير بشكل موضوعي لن يتأتي إلا بعد ترسيخ الاستقرار وربما بعد مضي نفس الفترة التي أعطيت لسبتمبر.. وعلينا أن نتذكر أنه لولا ممارسات سبتمبر لما كانت فبراير".