ليبيا المستقبل (حوار/ عبد السلام الفقهي): تخلص الصحفية والروائية المصرية سماح عادل في مؤلفها (مائة مبدعة عربية) الصادر مؤخرا عن دار النخبة إلى استنطاق رحلة الكتابة النسائية عربيا وسبر تمظهراتها في الشعر والقصة والرواية، وهي بذلك تستكشف في حواراتها المائة مكنون وأبعاد أسئلة المرأة المضمنة في ابداعها على المستوى الحقوقي والإنساني والفكري.
وكان لهذا الإصدار إشارته للأدب الليبي عبر 6 كاتبات وما يمثله من كشفهن لواقعهن وتحدياته، بل ونقده أيضا، وهو ما قادنا للحديث مع المؤلفة في حوار جاء على النحو التالي:
> كيف تشكل هذا الطيف الحواري في كتاب، فرض نفسه بالتراكم، أم كانت الرؤية سابقة لذلك؟
كان أحد أحلامي العمل في مجال الصحافة الثقافية، وبالفعل بدأت حياتي المهنية بعد التخرج بالاشتغال في هذا المجال، وأجريت بعض الحوارات البسيطة، ثم اتجهت للانخراط للعمل في مجال الجمعيات الأهلية لسنوات، وظل حلم الصحافة الثقافية يشاغلني، حتى عملت في موقع «دوت مصر»، لمؤسسه الراحل عبدالله كمال بقسم الرأي لمدة عام، وكان ذلك بمثابة العودة لعالم الصحافة.
التحقت بعدها سنة 2017 بموقع «كتابات» وهو عراقي - ألماني، وما زلت أعمل فيه حتى الآن، أشرف على صفحة «آفاق ثقافية»، وبحكم عدم وجود تعليمات محددة في الإعداد، كانت الفرصة سانحة لأحقق حلمي أخيرا في مجال الصحافة الثقافية برؤيتي وأفكاري.
تضمنت الرؤية تغطية ثقافية على نطاق واسع، تشمل كافة الدول العربية، والتركيز بشكل كبير على إجراء حوارات مع عدد كبير من المبدعات والمبدعين العرب، إضافة لقراءات لبعض الروايات وعروض كتب لآخرين.
وكان الاتجاه أيضا بالاشتغال على «بورتريهات» أشبه بتقارير شاملة عن المبدعين من الجنسين من أزمنة سابقة والتعريف بنتاجهم.
اعتمدت في إعداد الحوارات على قراءة عمل أو أكثر للكاتب أو الكاتبة، ثم مناقشته في عمله من كافة الجوانب، وكذا بعض الأسئلة الخاصة بقضايا الثقافة العامة.
من المهم الإشارة إلى أن الهدف من الحوارات عدم الاقتصار على الكتاب المشاهير أو الذين حققوا نجومية في الوسط الثقافي، وإنما أيضا المبتدئات والمبتدئين حتى وإن لم يصدر لهم إلا كتاب واحد، لأنني على قناعة أن الكاتب المبتدئ له الحق في الاحتفاء بموهبته، وتعريف القراء بها، ولفت النظر إليه ولإبداعه، فبعضهم كان حواري معهم هو الأول في حياتهم الثقافية.
لم أفكر في توثيق تلك المقابلات وتجميعها في كتب إلا في بداية العام 2022، وبالفعل اتخذت الخطوة وجمعت مئة حوار مع مئة مبدعة عربية، وصدر في يونيو لهذا العام، وحقق ردود أفعال جيدة من القراء والوسط الثقافي.
> لك وقفة مع كاتبات ليبيات، كيف وجدت تطلعاتهن، وهل استطعت تكوين صورة ما عن الأدب النسائي الليبي؟
للأسف عدد الليبيات في الكتاب ستة فقط، وربما هذا لا يسمح برسم تصور عام عن حال الأدب النسائي في ليبيا، ورغم ذلك كانت تجاربهن الإبداعية ثرية وكاشفة، فرواية محبوبة خليفة «كنا وكانوا» عرفتني كقارئة بليبيا فترات الخمسينات والستينات والسبعينات، وكانت رواية ثرية ومليئة بالتجارب الإنسانية، وأيضا قصائد الشاعرة خلود الفلاح تستجلي الكثير عن الأوضاع الحالية في ليبيا، كما قدم حوار الأكاديمية حنان الهوني معلومات مهمة عن الأدب الليبي، كذلك الكاتبة نيفين الهوني التي تعرفنا بتجارب إبداعية تعبر فيها الكاتبة عن ذاتها بشكل عميق وآسر. إضافة إلى الشاعرة فريال الدالي وملامستها لأبعاد واقعها المجتمعي والثقافي وقدرتها على فهم حيثيات المشكل المجتمعي من حيث كونها كاتبة وامرأة. أيضا التنوع في نتاج الناقدة سعاد الورفلي بين القصة والرواية والعمل الصحفي والإذاعي يبين قدرة ورغبة الكاتبات على الإبحار في اكثر من مجال بحثا عن ذاتها وكيانها وخصوصيتها واللون الإبداعي الذي يمثلها.
> هل اعتمدت في التبويب الموائمة بين فنون الإبداع المختلفة، أم كانت الأسماء هي الأساس؟
نعم اعتمدت في تصنيف الكتاب على ترتيب الأسماء أبجديا، حتى لا يتم تفضيل كاتبة على أخرى، فأي تصنيف آخر سيكون صعبا، خاصة وإن حوالي 48 منهن، أي ما يقارب نصف المشاركات، يجتمعن في أكثر من لون إبداعي. لذا يتعذر تصنيفهن على أساس «روائية، قاصة، شاعرة» فمنهن من يمارسن الكتابة في المجالات الثلاثة، ومنهن من جمعت اثنين، كما كان التصنيف على أساس البلد ينطوي على نوع من التمييز في رأيي.
> تتباين التجارب في حقلها الزمني وكذا ملمحها الحداثي، كيف ترين ذلك؟
الاختلاف في الممارسة الإبداعية كان على مستوى أعمارهن، والسنوات اللاتي قضينها في مجال الكتابة الأدبية، والتي تتراوح بين من قضت سنوات طوال في هذا المشهد، ومن طرقت الباب حديثا. كما تختلف رؤاهن ووجهات نظرهن تجاه الإبداع وشؤون أخرى، لكن يجمعهن رابط المعاناة والاضطهاد الناتجة عن طبيعة المجتمعات الشرقية، بمعنى أن همهن المشترك كونهن نساء مبدعات، يسعين إلى تحطيم القيود التي يفرضها الواقع، وإبراز أصواتهن ومواهبهن، ومنهن من اتخذت من قضية المرأة والدفاع عن حقوقها، وكشف التمييز الذي يحدث لها في المجتمعات الشرقية هدفا ورسالة لإبداعها.
> هل تقدم الحوارات من وجهة نظرك تصورا مستقبليا للأدب النسائي العربي واتجاهاته؟
لا أعلم، لا أستطيع أن أحكم عليه، كوني أنا من أعددته، لكني حاولت قدر الإمكان تقديم الاختلاف والتنوع في اختياري للمبدعات، ليكون الكتاب ملما بكافة النماذج والأنماط الموجودة فعليا على أرض الواقع، فنجد المبدعات، لا أقول، المحافظات، وإنما من يمتلكن رؤية تتوافق مع معطيات الحياة المعاشة، إلى جانب المدافعات عن حقوق المرأة، وكذا المتطلعات على الثقافات الغربية، إضافة إلى المناضلات في الشأن السياسي واللاتي لهن تاريخ في الكفاح. كل هذه الاتجاهات نتاج رؤى «الأكاديميات، والناقدات، وأيضا الشاعرات والروائيات والقاصات»، وهو تنوع ربما يكشف عن فسيفساء أخرى داخل الأدب النسائي العربي الحديث. ولا ننسى أن لكل مجتمع معطيات وظروف تؤثر على أوضاع المبدعات ورؤاهن وأفكارهن، فمجتمعات توفر هامشا من التحرر ومساحة من التعبير عن وجودها وكيانها أكيد ستنتج كاتبات يمارسن فعل التنوير ويدافعن عنه، في حين أن مجتمعات محافظة ومنغلقة قد تؤثر أيضا على المبدعة ونتاجها فهامش الحرية هنا محدود وضيق.
> ما أهم أسئلة المرأة العربية التي يعالجها الكتاب على الصعيد الإبداعي والحياتي؟
في رأيي أهم الأسئلة التي تشغل المرأة على المستوى الإبداعي هي كيف تستطيع التواجد في ساحة يشغلها الذكور بكثافة، وربما لا أبالغ إذا قلت يستأثرون بها، ومن جانب آخر تواجهها إشكالية النشر؛ إذ كيف يمكنها التعريف بنتاجها في ظل أزمة نشر مزمنة يعاني منها جميع من تشغلهم هموم الكتابة، وكذا عدم وجود مؤسسات ثقافية حقيقية تتبنى المبدعين وإبداعهم، كما أنها ملاحقة بأسئلة أهمها: هل مسموح لها بتجاوز الخطوط الحمراء التي يضعها المجتمع في أعمالها؟، هل سيسمح لها بالدخول في مجالات إبداعية شبه مقتصرة على الرجال؟، وإذا تجاوزت كل تلك العقبات كيف سينظر القراء لها؟، وهل سيفتشون داخل نصوصها وأعمالها عن ذاتها الحقيقة وأسرارها الحياتية؟. وفيما يتعلق بأسئلتها على الصعيد الحياتي فهي تناقش مدى نجاح المبدعة في التوفيق بين أعبائها المنزلية من رعاية الأسرة والأطفال والعمل الخارجي، وما بين عالمها الخاص في إيجاد وقت للكتابة أو للرسم، ومدى قبول عائلتها لدخولها في هذا المجال وردود أفعالهم بالخصوص، وكيف ينظر إليها أفراد الوسط الثقافي، كل ذلك تتناوله الحوارات في كتاب «مائة مبدعة عربية".
> من خلال الإجابات، هل هناك اتجاه إلى لون إبداعي معين، ما يشكل سمة مميزة: شعر، قصة، رواية..؟
نعم الرواج لصالح القصة القصيرة والرواية، مع ذلك هناك عدد لابأس به من الشاعرات، فبالرغم من تدني حظوظ الشعر على مستوى الرواج التجاري، إلا أنه ما زال يشغل حيزا في وجدان المبدعات ويعبرن عن ذواتهن وأحلامهن من خلاله، والطريف أن عددا لا بأس به من الكاتبات المئة يجمعن ما بين الشعر والسرد. ومن الملاحظ تصدر الرواية للمشهد، ربما نتيجة لرواجها تجاريا وثقافيا وربما لأنها أسهل في التعبير عن ذات الكاتبة أو تناول موضوعات تحب التعرض لها ومناقشتها.
> هل تجاوزت الكتابة النسائية، التصنيف التقليدي لها «الأدب النسائي»، أم ما زالت أسيرة ذلك؟
ككاتبة روائية أتمنى ألا تتجاوز ذلك، لأني اعتبر نفسي من ضمن الكاتبات اللاتي يؤمن أن من أهداف الكتابة الدفاع عن قضية معينة، ولا بد لي لكوني كاتبة امرأة الدفاع عن قضايا المرأة وحقوقها، وأن أكشف التمييز الذي يحدث لها في المجتمعات الشرقية بشكل كبير، وأناصرها وأدافع عن الحقوق وحلم المساواة. وفي المقابل عدد كبير من الكاتبات يعتقدن أن المساواة لديهن تكمن في أن يكتبن موضوعات مختلفة مثل الكتّاب الرجال، وألا تقتصر نصوصهن على قضايا المرأة وتناولها. ومن وجهة نظري مصطلح الأدب النسائي نفسه مراوغ، إذ يستخدم أحيانا بمعنى سلبي من قبل الكتاب والنقاد الذكور، مما يخيف الكاتبات فيتنصلن منه كأنه وصمة، ومرة يستخدم بشكل إيجابي من قبل المدافعات عن قضايا المرأة، ومع ذلك لا يجد الكثير من القبول.
حاورها: عبدالسلام الفقهي
راجع: - سماح عادل: مائة مبدعة عربية