بينما ينتظر الليبيون توصل الفرقاء السياسيين إلى حل ينهي حالة الانقسام في بلادهم، جاءت تصريحات رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج التي أكد من خلالها بدء الغارات الأميركية على معاقل تنظيم داعش في سرت، لتثير مخاوف المتابعين للشأن الليبي من أن يتسبب التدخل العسكري الأميركي في المزيد من تأزيم الوضع السياسي.
العرب اللندنية: طرحت الضربات الأميركية التي انطلقت، الاثنين، ضد تنظيم داعش في سرت، بطلب من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المنبثقة عن اتفاق الصخيرات، المخاوف من أن يزيد هذا التدخل العسكري الأميركي في تراجع شعبية المجلس الرئاسي داخل الأوساط الليبية من جهة، وفقدانه ثقة نواب البرلمان في منح الثقة لحكومة الوفاق من جهة أخرى. ومازالت حكومة الوفاق لم تحظ بعد بثقة مجلس النواب الذي فشل 9 مرات في عقد جلسة كاملة النصاب للتصويت على هذه الحكومة وإجراء التعديل الدستوري لإدخال الاتفاق السياسي حيز التنفيذ.
وتلت الفترة التي تم فيها التوقيع على اتفاقية الصخيرات في 17 من ديسمبر الماضي تصاعد الاتهامات الموجهة للمجلس الرئاسي، واعتبر عدد من الليبيين أن حكومة الوفاق لن تكون سوى غطاء سياسي لتدخل عسكري أجنبي في البلاد، إلا رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج أعلن في أكثر من مناسبة رفضه لأي تدخل عسكري في بلاده، مؤكدا أن طلباتهم ستقتصر على طلب المساعدة لتدريب القوات الليبية ورفع حظر التسليح عن القوات التابعة لهم. لكن السراج خرج، الاثنين، ليعلن بدء الغارات الأميركية على معاقل تنظيم داعش في سرت، مؤكدا أن طلب هذه المساعدة من الولايات المتحدة جاء بناء على تنسيق جرى مع غرفة عمليات “البنيان المرصوص” والمفوض بوزارة الدفاع في حكومة الوفاق الوطني العقيد المهدي البرغثي.
وأشار السراج إلى أن التدخل الأميركي سيقتصر على توجيه ضربات جوية دون تواجد عسكري على الأرض، والاكتفاء بالدعم اللوجستي والفني بالتنسيق مع حكومة الوفاق الوطني. وبدا السراج، من خلال تأكيده على اقتصار العمليات الأميركية على الدعم دون قوات برية، كأنه يحاول الحفاظ على صورة حكومته وشرعيتها أمام الليبيين، وخاصة في ظل الاحتجاجات المنددة بالتواجد العسكري الفرنسي والتي أظهرت مدى حساسية الليبيين من التدخل العسكري الأجنبي ببلادهم. ويحذر بعض المراقبين من أن يأتي التدخل الجوي الأميركي بنتائج عكسية، إذ قد يرى البعض أن حكومة السراج تعمل بدعم خارجي، وقد يستغل بعض المعارضين الموقف للتشكيك في شرعية الحكومة، إذ أنها لم تحصل على الدعم الكامل من جميع الأطراف ولم تحصل بعد على موافقة مجلس النواب في الشرق كما هو منصوص في الاتفاق السياسي.
وازدادت حدة هذه التوقعات بعد انتقاد عضو البرلمان عن لجنة الدفاع طارق الجروشي للطريقة التي طالب بها المجلس الرئاسي للتدخل الأميركي. وقال الجروشي في تصريحات لقناة “ليبيا”، “إن السراج طالب بتدخل جوي دون الرجوع الى المستشار عقيلة صالح والقائد العام للجيش الفريق خليفة حفتر ودون أخذ رأيهما، وهذه سابقة خطيرة وانتهاك لحقوق الشعب”. ودعا الجروشي الشعب إلى الخروج بمظاهرات للتنديد بالضربات الجوية الأميركية، مؤكدا أن السبب في عدم عقد النواب جلسات للتصويت على حكومة الوفاق هو عدم اكتمال النصاب منذ حوالي ثلاثة أشهر بسبب غياب المقاطعين الداعمين لحكومة الوفاق، مشيرا إلى وجود تعمد واضح ليتم نقل السلطة إلى رئيس مجلس الدولة عبدالرحمن السويحلي.
ووجه عضو لجنة الدفاع تساؤلات عديدة لرئيس المجلس الرئاسي فايز السراج قائلا “لماذا لم يطالبهم بفك حظر السلاح عن الجيش الليبي ولماذا لم يطالب بمساعدة لوجستية عوضا عن القصف كالمطالبة مثلا بأجهزة كشف المتفجرات والألغام”. وأكد أن مجلس النواب هو الجهة الشرعية ولجنة الدفاع هي المسؤولة عن التدخل العسكري في ليبيا وليس أي جهة أخرى. وجاءت الضربات الأميركية بعد أن طالب مسؤولون عسكريون بالقوات الليبية الموالية للمجلس الرئاسي بمساعدة القوى الغربية، بعد أن تراجعت حدة العمليات بسبب نقص الأسلحة والمعدات العسكرية المطلوبة للتعامل مع الألغام والمتفجرات التي زرعها التنظيم حول المدينة والتي حالت دون تقدم قوات عملية البنيان المرصوص نحو المعاقل الأخيرة للتنظيم.
وكانت تقارير إعلامية عدة كشفت عن وجود فرق من قوات أميركية وفرنسية وإيطالية وبريطانية في ليبيا لجمع معلومات حول مواقع التنظيم، وتحديد شركاء محتملين من بين المجموعات المسلحة المختلفة في المعركة ضد التنظيم. ولا يعد التدخل الأميركي في ليبيا أمرا جديدا، حيث سبق لوزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” أن أعلنت عن تنفيذها غارات على تمركزات للإرهابيين في مناطق مختلفة في ليبيا كان آخرها الضربة التي شنتها على معسكر لتنظيم داعش في مدينة صبراتة.
وأصبحت ليبيا، منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، مصدر قلق لجيرانها وكذلك للدول الأوروبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وفي هذا السياق قال الباحث في مركز الجزيرة للدراسات هشام الشلوي في تصريحات صحافية إن ليبيا تسبب أرقا كبيرا للغرب، حيث تحولت إلى نقطة انطلاق للهجرة غير الشرعية “وبالتالي من الطبيعي أن تسعى هذه الدول للتدخل”. غير أنه ذهب إلى التقليل من أهمية هذا التحرك الغربي بالقول “هناك تدخل في بنغازي لصالح حفتر من القوات الفرنسية وقوات أجنبية أخرى (لم يسمها) ولكن هذا لم يساعده على حسم الحرب أو تحقيق انتصارات، وكذلك الأمر في سرت، الضربات الأميركية لم تقلب موازين القوى، هي فقط ستعجل الأمر ضد داعش وتقلل من الخسائر البشرية لا أكثر”.