ليبيا المستقبل (علي لفتة سعيد - العربي الجديد): نعت الأوساط الفنية والثقافية في العراق رحيل الكاتب والسيناريست الفنان فاروق محمد الذي توفي عن عمرٍ ناهز 74 عامًا إثر عجز في القلب بعد مسيرةٍ حافلةٍ بالإبداع والكتابات الدرامية المختلفة التي بدأها منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، وتنقّل ما بين الكتابات المسرحية والسينمائية والتلفزيونية بشقّيها التمثيلية والمسلسلات الطويلة.. وقد اشتهر الراحل بعمل مسرحي شكّل في حينه نقلةً نوعيةً في المسرح الكوميدي العراقي الهادف في زمن لم يكن فيه النقد مسموحًا حين كتب مسرحية "بيت وخمس بيبان" والتي كانت من بطولة سناء عبد الرحمن وبهجت الجبوري وسامي محمد وكذلك جاسم شرف فضلًا عن الفنانة القديرة سليمة خضر والفنان مكي عواد، وكانت من إخراج الفنان الكبير محسن العلي، وقدمتها فرقة المسرح العسكري عام 1984 إبان الحرب العراقية الإيرانية واستمرت عدة سنوات.
الراحل من مواليد 1947. وكان لا يميل إلى الظهور الإعلامي والتصوير وكان يعيش عزلةً وإهمالًا كما يقول هو ويقول عنه المقرّبون وخاصّة خلال السنوات التي تلت عام 2003 فهو يعيش في عزلةٍ بعيدًا عن الأوساط الفنية، بعد أن أمضى أكثر من أربعين عامًا في الكتابة إلى المسرح والسينما والتلفزيون، وكان يعد واحدًا من أفضل كتّاب الدراما والمسرح، وكان خلال السنوات الأخيرة صامتًا لم يتم إنتاج أي مسلسل له ولم يقدم له أي عمل وقد اشتكى من عزلة فرضتها الظروف والمؤسسات الحكومية في حوار معه نشر على صفحات مجلة "الشبكة" العراقية. وقال في ذات الحوار: عندما انقطعت لم أجد أحدًا يسأل عنّي ولو باتصال هاتفي، ثم إن الفنان العراقي من دون حماية، لا مادية ولا معنوية، وهذا أحد أسباب الإهمال، فالكثير من الفنانين مرضوا وماتوا ولفّهم النسيان، ولكن الغريب أن المسؤولين ما أن يظهروا على شاشات التلفزيونات حتى يقومون بالتباكي على أحوال الفنانين!
كتب الراحل أكثر من 35 مسلسلًا تاريخيًا واجتماعيًا تم إنتاجها عراقيًا وعربيًا، ومن بين المسلسلات التاريخية يأتي مسلسل الأصمعي، وأبى حنيفة، والشافعي، وكذلك القلم والمحنة (ابن مقلة)، وأبي تمام طائر الشعر، والزمن والغبار، وأيضا المعرّي والشعر ديوان العرب. فيما كتب مسلسلات أخرى اجتماعية منها: وينك يا جسر، وقبل رحيل المواسم، وحب وحرب، وأسرار صغيرة، ونفوس مهشّمة، وأيضا مسلسلات مواسم الحب، وجذور وأغصان، والهروب إلى المجهول، وأمنيات نسائية إضافة إلى مسلسلات الزمن والغبار، وسيد البيت، والحرير ودائرة الشوك، وآمال وآلام.. أما عن المسرحيات التي كتبها فمنها بيت وخمس بيبان، وكشخة ونفخه، والإنسان الطيب، وكذلك ترنيمة الكرسي الهزاز، والغائب، وما تبقى من طروادة، والقشة إضافة إلى مسرحية الشاهد .
ونعت نقابة الفنانين على صفحتها وفاة الفنان بكلمات مقتضبة جاء فيها "ببالغ الحزن والأسى تنعي نقابة الفنانين العراقيين الكاتب المسرحي فاروق محمد والذي وافته المنية عن عمر يناهز 74 عامًا إثر عجز في القلب"، وقدمت ملمحًا عن بعض مؤلفاته.
ونعى اتحاد الأدباء والكتاب في العراق وعبر صفحته على فيسبوك الكاتب المسرحي والتلفزيوني فاروق محمد قائلًا: وداعًا أيها الوديع النقي، إن رثاءنا لك لا ينفي تقصيرنا في أن نعطيك حقّك، فنتاجك يضعك في مقدّمة كتّاب الوطن، وما تركته من عطاء يكفي ليكوّن ديمومةً لا تنضب من البياض الإنساني، ستظل الدموع تؤنّبنا كلما مرّت ذكراك، كما ستتجوّل العبرات لتحط دائما قرب ضريحك الممتد في قلوب محبّيك.. أيها المدرسة الباذخة، نم هادئًا كيمامة، سنوّزع من حروفك غيثًا رائقًا يبلل قلب البلاد.
أما الكاتب والسيناريست حامد المالكي فقد عدّ وفاته هادئة كما هي حياته. وأشار إلى أنه كان هادئًا في طباعه، في يومياته، في كتاباته، لا تجد العنف في غالب أعماله، يكتب في الكوميديا، ومن ينسى "بيت وخمس بيبان"، ثم يرنم كرسيًا هزّازًا بمعية الراحل عوني كرومي، ترنيمة وجع عراقي أبدي. ويرى أن الراحل دخل دهاليز التاريخ فنقّب في الأصمعي وأبي حنيفة، والشافعي والخطاط ابن مقلة، وكتب للحب ومواسمه. وقال المالكي إنه سأل الراحل في أيامه الأخيرة: هلَ تكتب؟ فقال نعم. قلت له: قدّم أعمالك للمنتجين، فردّ بأسى: لم يتّصل بي أحد. ويضيف المالكي: حاولت أن أمنحه بعض الأمل، ناشدت عبر منّصاتي الإلكترونية القائمين على الثقافة العراقية، أثناء إقامة مهرجان ثقافي مهم، ناشدتهم أن يكرّموا فاروق ويخرجوه من عزلته، الكاتب لا يريد مكاسب مالية، فالكتّاب يموتون فقراء، كل ما يريده الكاتب كلمة ثناء وشكر وعرفان على ما قدّمه في حياته، الكاتب الذي يحرم نفسه من العلاقات الاجتماعية، والبحث عن المال، ويعصر نفسه في مشغله الغارق بدخان السكائر والأفكار الهاربة من رأسه، لا يبحث عن منصبٍ أو رفعةٍ في الدنيا، كل ما يريده أن يشار له بأصابع خجولة: "هذا الكاتب الفلاني، هذا الذي يكتب لنا خلجاته ويقدم لنا الحياة بفهم آخر". هذا كل ما يريده الكاتب قبل أن يموت. وقال المالكي: أوجه العتب لنفسي وغيري ممن يشتغل في الثقافة العراقية لأننا لم نشر لفاروق محمد بهذه الأصابع ونقول: "هذا كاتب مهم، صفّقوا له". ربما - لو فعلناها- لذهب إلى موته سعيدًا!