أهم الأخبار

أبو شويشة: ”تتطلب الرواية كاتبا ديمقراطيا مع شخوصه فيما أنا شمولي معهم“

ليبيا المستقبل | 2021/10/10 على الساعة 19:15

الأديب الليبي رضوان أبو شويشة: ”تتطلب الرواية

كاتبا ديمقراطيا مع شخوصه فيما أنا شمولي معهم“

ليبيا المستقبل (القدس العربي): يعد رضوان أبو شويشة أحد أبرز المنشغلين والمهمومين بالأدب والثقافة في ليبيا، ومن حملة مشعل التجديد الأدبي، أكسبه انفتاحه المبكر على الآداب الإنسانية، وعلى منتوج الثقافات العالمية تلك المكانة العالية التي يتمتع بها بين مجايليه.

كتب المقالة، والقصة القصيرة، والمسرحية، وبدأ تعاطي الرسم واقتحام عالم التشكيل بجرأة واثقة في مرحلة متأخرة من مسيرته الإبداعية.

نشر مجموعته القصصية الأولى (ملك الموت) باللغة الإنجليزية في (دبلن) عام 1975. كما سافر كثيرا، وكتب مشاهداته، بنى صداقات مع رموز أدبية من مختلف أصقاع العالم. كشف لنا عبر هذا الحوار الذي تأخر نشره عدداً من سنوات بسبب من ان اللقاء نفسه لم يتم دفعة واحدة، بل امتد على مدى فترات متقطعة، وكان علي أن اتحايل، وان أصبر حتى اظفر من الرجل كل مرة بعدة أسطر لا غير.

وعلى الرغم من أن أبو شويشة لم يكن يميل إلى إجراء اللقاءات الصحافية، إلا إن رفقتنا الطيبة والدائمة شفعت لي أخيراً باكمال هذا الحوار:

> كيف يمكن الإطلالة على عالمك؟

● التفاصيل مملة إلا إذا كانت في رواية، أو نص حكائي، أو تشكيلي. ويمكن تلمس عالمي من خلال هذه المفارقات:

سعيت في صباي، إلى تعلم الناي، وتطريق الحجر في مقلع الحجارة القديم الغائر في جبل (سيدي رمضان) راقد (الراقوبة) في (الكدوة) (1). والكدوة هو الاسم الليبي لقريتي العزيزية التي اشتهرت بتسجيلها أعلى درجة حرارة في العالم وهذا مثبت في كتاب غينيس للأرقام القياسية. أما الاسم العزيزية فقد اطلق عليها في العهد (العثماني الثاني). وهذه القرية هي التي نقل إليها موسليني مئات من المعمرين الطليان مع عائلاتهم، وتظهر الكدوة باسمها القديم في معظم أعمالي. فمثلاً في مفتتح مسرحية (حمودة الزاهي) نطل على المنزل بتفاصيله، وهو في الواقع البيت الذي اسكنه مع والدتي(2). وعندما يشتد الحر في مثل هذه الأيام (جرت المقابلة في آب/أغسطس)، اتشرد مثل صوفي سكران بعناقيد النجوم. (ساقية وادي الهيرة) حيث (العناقيد منزل منشور الضوء الذي لا منزل له إلا في عناقيد الكدوة التي انضجتها حرارة بلغت في كتاب غينيس للأرقام القياسية 136 درجة فهرنهايت).

النهر يظهر في قصتي (ساقية وادي الهيرة).. مرة اصطدت النهس تأملته في قبضتي ولسبب ما نقر أصبعي وطار. وفي الكدوة أيضاً جرى نهر الهيرة المختفي منذ آلاف السنين.. وهيرة زوجة (زيوس). ودائماً أقود القارئ ليكتشف معي المطار الألماني المهجور منذ الحرب العالمية الثانية وكهوف الكدوة المدمكة. وفي قصتي القصيرة (فراغ الجيوب). (بعد ليلة من الكلل والملل والرسم نهضت مضعضعاً مبعثراً مثل عاشق، وغادرت الكدوة إلى طرابلس، مثل مسرنم يمشي اثناء نومه.. الخ). وفي قصة أُخرى نشرت ضمن مجموعتي المترجمة إلى الانجليزية 1978 ظهرت كهذا: (and he look at the globe at his large home land and there saw Tripoli and there was Azziza)

وفي لوحاتي التشكيلية تظهر الكدوة في لوحة (سراب الليل) (3) بشخوص في بياض يهبطون من السماء إلى الأرض أو العكس في لون الماء وضوء الفجر اللجيني حتى يتراءى عبر شفشاف الليل جبل سيدى رمضان. مثل شلالات أكاكوس التي تتشكل بعد مطر فجائي، وبعد سنين من الجفاف يأتي المطر فجأة، وتتشكل الجداول على ضفاف وادي تشوينت (النهر الجاف) وتتبخر فجأة كما ظهرت فجأة. ورسمتها في لوحة (عام الثلج)، وفي آخر أعمالي في لوحة (شرقي الكدوة).

> هل حاولت كتابة الرواية؟

● الرواية تحتاج إلى كاتب ديمقراطي مع شخوصه، وأنا كاتب شمولي مع شخصياته. ليس معنى هذا اننى اقاتلهم، ولكن حاولت دائماً اغتيال شخصية حمودة الزاهي بالتمزيق في غرفة بفندق في تونس.

ذات مرة عدت من دبلن (وقد ارتبكت حياتي) بدأت تمزيق رواية (حمودة الزاهي)، إلى ان توقفت عند الصفحة 19 حيث يقول الزاهي: ”عندما تموت شجرة على الأرض، شيئاً ما يموت هناك“ أيضا (يشير إلى السماء)، وخارج هذا البيت غربي كهوف الكدوة المدمكة، تحت طريق جبل سيدي رمضان.. عند منعطف مجرى نهر الهيرة المختفي منذ آلاف السنين شجرة المسرحيات.. آخر اشجار السنديان تقاوم العطش منذ منتصف عصر الجفاف، عمرها 4 آلاف عام.. رأيتها تحتضر.. تحدثت اليها بتودد، حاولت انعاشها.. انقذتها لفترة.. ثم ماتت قبل بضع سنين.. كتبت الشجرة بغصونها العلوية كلمة لا’. توقفت عن التمزيق، وأعدتها إلى الحقيبة برفق ووقار قدسي، كما لو كانت تذكرة سفر على متن براق الحلم إلى الفردوس. بعد ذلك بسنين.. بعد سنوات الغياب، عادت خدمات سيارات جمع القمامة إلى الخدمة، وكنت في انتظارها بكيسين كبيرين من البلاستيك، نفخا بأوراق ممزقة، وما زلت أتذكر سيارة القمامة الأولى العائدة من مهجر الغياب ومؤخرتها تختفي عند النهاية الجنوبية لشارعنا الصغير. وآخر ما رأيت يختفي أكياس البلاستيك السوداء المربوطة بخيوط بيضاء. عدت إلى المرسم وهنا خيم علي المأتم، كما لو كنت امشي في جسد غيري، كالمحموم افتش بين كراساتي القديمة، وعثرت على نسخة أولى (لحمودة الزاهي) تحولت إلى المسرحية التي تعرفها.

> يقول الكاتب والناقد منصور أبو شناف إن رضوان أبو شويشة رجل هارب من الرواية.. ما رأيك في هذا التعليق؟

● عندما كنت مقيما في غرناطة جنوب اسبانيا 1970، توفرت لي من الظروف والهناء والاستقرار المادي والأُسري، وكنت اعيش قصة حب مع زوجتي للسنة الثانية، وكان البيت على هضبة البيازين وعبر مجرى نهر خدارة، على ربوة السبيكة، مقابل قصر الحمراء، وجنات العريف، وفي الخلفية جبل الثلج والشمس (سيرا نيفادا) حالياً، كان ذلك البيت الصغير في زقاق القديس أوغسطين، يستقبل القبلة بعريشة العنب، وهناك تسنى لي ان اغرس الزهور أول مرة في حياتي، وكانت من القرنفل الوردي، واساعد الاستاذة المستشرقة خواكينا اغواراس في تحقيق مخطوطة لابن التجيوبي في علم الزراعة، مكتوبة ببحر الرجز، لتسهيل الحفظ (حمار الشعراء) هناك في هذا المحيط كتبت رواية. وقصتي مع الرواية مؤلمة، رغم انني كتبتها في غرناطة لأشارك بها في مسابقة للرواية اقامتها الإدارة العامة للثقافة، وارسلتها بالبريد من غرناطة. حجبت الجائزة الأولى، ومنحت لي الجائزة الثالثة، فرفضتها رفضاً قاطعاً، الجائزة والنشر وبعد ان عدت سحبت النص.

> كيف جئت إلى التشكيل؟

● كما قلت لك في البداية بدأت بتطريق الحجر، وكنت ارسم وجوه هيئة التدريس بشكل كاريكاتيري، بدأت ارسم بعد الخمسين من العمر، والشاعر الكبير طاغور بدأ الرسم في الرابعة والخمسين وأقام عدة معارض. زوجتي الأيرلندية درست الفنون في دبلن، وفرح ابنتي، وهي مخرجة سينمائية، وأستاذة للدراما تسخر على طريقة الساخر برنارد شو: (أنا عن والدين هما الأغرب في المجموعة الشمسية، والدي يرسم بعد الخمسين، ووالدتي عادت لدراستها الأكاديمية بعد الخمسين).

> هل كتبت الشعر؟

● بدأت في بداية الستينات قصائد نثرية نشرت وكتب عنها النقاد، كما كتب عنها الراحل علي الرقيعي مبدياً اعجابه بالمضمون، ومنزعجاً من غياب العروض، وكان الشاعر الراحل جيلاني طريبشان يكتب القصة، أبديت الاعجاب بقصائده أكثر من صوره القلمية، وأنا من اقترح عليه حذف الألف واللام من اسمه الأول ال.. جيلاني. ثم انشغلت بالكتابة الأدبية والرحيل في المدن الأوروبية، متنقلاً من مكان إلى مكان. المانيا، الدنمارك، ايرلندا، بريطانيا، المغرب، ثم اسبانيا.

> نصوصك المسرحية، وما الذى حاولتَ قوله عبرها؟

● مفتتح مسرحية حمودة الزاهي هكذا: (نحن جميعا نمثل في مسرحية اسمها الحياة). فمسرحية حمودة الزاهي حصيلة عمل طويل مستمر على مدى أكثر من عقد، هي خلاصة التاريخ الليبي بنص درامي، اظهرت فيه وعلى مهل فصوص الزمن الذهبي لليبيا ما قبل التاريخ، حيث اكتشف الانسان الليبي، العاقل الوعي والفن والدين قبل آلاف من السنين المتطاولة، وكانوا من أوائل الشعوب التي كتبت التاريخ بالفن قبل اكتشاف الكتابة. ثم حل الجفاف العظيم، حين بدأت الصحراء تتعرى على مهل قبل عشرة آلاف سنة تقريباً، والذي ما يزال مستمراً حتى الآن، فهاجر الناس إلى مصر وغرب أوروبا في منتصف عصر الجفاف، والذين بقوا عاشوا يكابدون الجفاف وقلة المياه. في خاتمة مسرحية (حمودة الزاهي) هكذا تكلم الزاهي: (ربما لن يعاني وطننا من صدمات ما بعد النفط، إذا تحولت رسوم أكاكوس (4) و تدرارات ونقوش مساك سابافيت إلى مناطق محمية كما قررت اليونسكو.. اسوة بغيرها من المناطق الأثرية الهامة في العالم.. يحج إليها الملايين من كل جهات الأرض.. فعوامل العبث بالفنون الصخرية في تزايد سنة بعد سنة).

> هناك قول مفاده انك رفضت العروض المقدمة لترجمة أعمالك إلى اللغات العبرية والهولندية والفرنسية. لماذا ياترى؟

● كما يقول صديقنا ابراهيم الكوني.. من المفارقات الرضوانية ان تنشر اعماله بالانجليزية قبل ان تنشر بالعربية. جاء كلام الكوني هذا تعليقاً على صدور مجموعتي القصصية الأولى the King of the death باللغة الانجليزية عام 1975، وبعد عقدين من الزمن صدرت مجموعتي الثانية (موجة حب إلى غرناطة) ونفذت تلك الطبعة بالكامل. أنا مهتم بأن تصل قصصي إلى الناس الذين لا يقرأون الكتب، وهم 90 بالمئة يمثلون الغالبية المطلقة من السكان، ولا يهتمون بالكتب. وحالنا كما كان يفعل التابادور (الشاعر الجوال) في الأزمنة القديمة. أنا يهمني ان تصل قصصي إلى هؤلاء. قرأت قصصي في الكثير من القرى والمدن الليبية، وعادة ما استظهر نصوصي. وفي طرابلس الآن من المستحيل الحصول على كتاب من كتبي، لأنها نفدت. وأما قصصي المنشورة ضمن كتابي الأول في لندن بالانجليزية، فالطبعة الليبية ارتفع ثمنها من ربع دينار، إلى ثمانية دينارات وهذه نسبة فلكية تؤهلني لدخول كتاب غينيس مثل مسقط رأسي كدوة العزيزية التي دخلته بتسجيلها لأعلى درجة حرارة على وجه الأرض كما أسلفنا الذكر.

> مشاريعك المستقبلية؟

● تحيلنى الآن إلى صديقنا الطيب الطيب صالح مرة أخرى.. ينصح قائلاً: (خذوا حذركم من سراب الفن، فقد يستهلك حياتكم). اشعر بالرضا الآن ففي العالم الصغير زمن العولمة والنت. تحققت فيه مقولة مكسيم جوركي: (الكلمات تطير كالسنونو حول العالم). لهذا انا اشعر بالرضا.. حين أُدون إسمى بالانجليزية على محركات البحث لتظهر صفحات تحمل اسمي.. حيث بالإمكان شراء كتابي بأسعار تتجاوز 560 في المئة من السعر الأصلي، من طوكيو إلى بكين، ومن سان فرانسيسكو إلى نيوزيلندا من الكتب النادرة، واشعر بالرضا أيضاً حين أُدون على محركات البحث في الشبكة ليظهر اسمي واسم ابنتي فرح معاً، ومعاً نشكل عشرات الصفحات في (قوقل). واشعر بالرضا، هذه الكلمات الثلاث مقتطفة من قول شهير للفيلسوف الراحل الصادق النيهوم الذي تكلم هكذا: (اشعر بالرضا مثل قط مات، وفي فمه فأر). وعموما مشاريعي الآن تتلخص في الآتي: أولاً البيت، فأنا لا بيت لي حتى في الشعر لأكتب، سأصل السبعين بعد سنوات قليلة. والآن أنا نصف أعمى.. في القصة الأولى من كتاب الرمل لبورخيس نقرأ: (حين تبلغ عمري، ستفقد نصف بصرك).

> رأيك في الأسفار، وما تضيفه للمبدع، وما توفره من فرص للتعرف والاحتكاك مع المثقفين والأدباء والكتاب حول العالم؟

● يقول الشاعر الغرناطي لوركا (يولد الانسان ورأسه إلى أسفل، وتولد الشجرة ورأسها إلى السماء) ولولا السفر لما قمت بزيارة لقرية هذا الشاعر المبارك عام 1971، وكنت مقيماً مع أُسرتي في الأندلس، ولو لم أغادر كدوتي لما كنت رأيت ما رأيت، ولما قرأت ما قرأت.

تعرفت خلال أسفاري إلى عدد من مشاهير الابداع من العالم عرباً وأجانب. مثلاً، فرانسيس بيكون الرسام العالمى الشهير الذي يتشارك اسمه مع بيكون، الفيلسوف الفرنسي المعروف، وكان الصديق فرانسيس الذي نتحدث عنه هنا في الستين من عمره، لكنه كان يبدو في الأربعين. التقيته في العام 1960 في حانة في سوهو بلندن، وكان رغم غرابة أطواره في غاية الكرم والاناقة. وكان يتناول نوعاً من الأدوية الغريبة، التي ترسله إلى نوم عميق، وتقوم ممرضة بإيقاظه أثناء فترات الطعام، وهو الذي رسم البابا على كرسي الإعدام الكهربائي. وتأثر به البعض من الرسامين العرب، وفي ليبيا أيضاً هناك من تأثر به. وقد رحل قبل سنوات.

هناك أيضا الشاعر رافائيل البرتو، عرفته في روما، حيث كان يعيش في المنفى، ولم يرجع إلى اسبانيا إلا بعد موت الجنرال فرانكو، وكان من المقربين إلى الشاعر بابلو نيرودا، الذي خص البرتو بفقرات في سيرته الذاتية المعنونة بـ (اشهد انني عشت). نشرت مختطفات عن لقاء معه في (الاسبوع الثقافي) الليبية. وهو أقل شعراء العالم حظاً مع المترجمين العرب – مع الأسف – والذي استرعى انتباهي باب الشقة الذي صممه له صديقه بيكاسو، الذي رسم أيضاً اغلفة دواوينه.

تعرفت أيضاً على أ. ج. تايلور، المؤرخ البريطاني الشهير، استأجرت منه الطابق العلوي من بيته الكبير في (كامدن تاون) والذي تقع حديقته الخلفية على قناة النهر (مقابل اجار رمزي) وسمح لي باستخدام قاربه الصغير، ومكتبته الضخمة. وفي احيان كثيرة يقوم بوظيفة جليس أطفال لفرح ابنتي التي كانت في السابعة من عمرها، وقد نشرت مقابلة معه في لندن، تحدث فيها عن أمور كثيرة، وهو المتخصص في تاريخ الحروب، وكان قد قابل في سن مبكرة لينين وستالين.

كذلك تعرفت على خورخي لويس بورخيس، الشاعر والقاص الارجنتيني الذائع الصيت، قابلته في لندن عام 1980، قبل وفاته بسنوات في جنيف، وذلك في مئوية جيمس جويس، الروائي الايرلندي الشهير. كتبت عن بورخيس قصة بعنوان (حكاية بورخيس) ترجمت إلى الاسبانية في بوينس ايرس، ونشرت في مجلة (الميرادور) أي الناظر.. واودعت في مركز دراسات لبورخيس في بوينس ايرس.

بورخيس الذي كان يظن، (ان الفردوس يقع تحت لافتة مكتبه) قدمني إليه صديقنا المشترك الكاتب والقاص الايرلندي (انتونى كروتين). وفي حكايتي عن بورخيس قلت: (كان أعمى.. يستمع إلى نصوصه تقرأ.. يتوكأ على عكاز أبيض.. مديد القامة.. في اناقة سفير سماوي.. حين صافحته، قاسمني قامته المديدة.. وهالة النور الذهبية).

في عام 1970 ذهبت بصحبة الشاعر خوان دي لوكا.. الذي كان من المغضوبين عليهم زمن فرانكو، لمقابلة عمة لوركا تلك العجوز النحيلة والخفيفة، كما لو كانت ريشة عقاب.. اللقاء كان في منتهى السرية، خوفا من شرطة فرانكو في قرية (فونيثا فاكرو) أي نبع راعي البقر. نشرت اللقاء أيضاً في صحيفة (الاسبوع الثقافي) تحت عنوان (زيارة إلى قرية شاعر مبارك) مع ترجمة لقصيدة (رقصة الحرس الوطني). وبعد اثني عشر عاماً، عدت إلى قرية لوركا المباركة، ويا للمفارقة، اصبح البيت بيت العمة من المتاحف الوطنية، وفي الميدان الفسيح منحوتة ونافورة تجمع لوركا، وبابلو نيرودا معاً. وفي عام 1984 ذهبت لزيارة (عين الدمع) في غرناطة، حيث اعدم الشاعر لوركا.

شيمسي هيني الشاعر الايرلندي الشمالي الأصل الفائز بجائزة نوبل، جمعتنا مرارا جلسات متعددة في مشرب (ماك ديز) ولكن علاقتي به كانت سطحية، فهو خجول وينطوي على كونه الشعري.

ليم املاهرتي الايرلندي، وهو غير معروف لدى المترجم العربي للأسف، من أوائل الذين اشتهروا بكتابة النص الأدبي، والتحقيق الصحفي، وكان قد نشر مقابلة أثناء ثورة الريف التي قادها الأمير عبد الكريم الخطابي في المغرب. كان املاهرتي من أصدقاء همنغواي ثم وقعت الخصومة بينهما ربما بسبب امرأة، واعتقد ان املاهرتي المتوجس ونصف المليونير، بقامته العملاقة، كان يحارب مع فرانكو، بينما كان همنغواي يحارب مع جيش الناس. املاهرتي درست قصصه القصيرة في بداية الثمانينيات في قسم اللغة الانجليزية بالجامعات الليبية.

المخرج الايطالى (داريو فو) الفائز بجائزة نوبل قبل سنوات قليلة. قابلته عام 1968 في الدنمارك، وشاهدت مسرحية له، نشر اللقاء في حينه.

ومن المفارقات التي عرفتها، هو الحوار الذى أجريته مع الجنرال عيدي أمين رئيس أوغندا الراحل. حدثته عن الوضع المحرج للشاعر الأوغندي الشهير (أكوت بيبيتك Pibtic)، الذي كان قد حكم عليه بالاعدام غيابياً في زمن أوبوتي. فقال: جامعة أوغندا مفتوحة على مصراعيها لكي يعود. ونشر اللقاء في صحيفة الاسبوع الثقافي.

عرفت الطيب صالح في لندن، وكان يسميني (سيدي مون زالس) لأنني دائم التجوال. عبد الوهاب البياتي رحمه الله، كان صديقي الحقيقي لسنين، بدأت العلاقة في مراكش، ثم طرابلس، وتواصلت في مدريد.. (كان خلاف – شسيمي هبي المغلق على نفسه) البياتي كان الانسان الذى يخفي في أعماقه محبة بلا حدود للناس والأشياء احزنني موته، وكان يطلق علي اسم (قافلة الغجر المتنقلة).

الصادق النيهوم.. يا الهي.. رحل، ولم أجد بعد رحيله من يفتح لي قلبه، باستثناء الشاعر جيلاني طريبشان، ثم رحل جيلاني، كذلك رحل الصديق فؤاد الكعبازي الذي هو بمثابة والدي الروحي.

> ماذا عن صداقتك بالعالم الايطالي فابريتشيو موري، مكتشف الأكاكوس؟

● تعرفت على هذا العالم الجليل فابريتشيو موري في الأكاكوس خريف العام 1994، وهو الناسك العالم الذي امضى نصف قرن يبحث في الأسرار العلمية للفن الصخري الليبي. وآخر كتبه التي نشرها بعد نصف قرن من الجهد، بل هي حصيلة العمر كما يقول.. تحت عنوان: (The great civilization in the ancient Desert).

> عودة أخيرة ووداعية لحمودة الزاهي، تقول انك حاولت قتله مرارا، ولكن بالمقابل نجدك قد زرعته في أعمال كثيرة.. السؤال من هو حمود ة الزاهي؟

● حمودة الزاهي ! صحيح انني قد صغته في أعمال كثيرة كما تقول، ومنها رواية عندما هممت بتدميرها عبر إلقائها في النار، انقذها أحد الأصدقاء، ولكن في دبلن لم تجد من ينقذها من النار (رحمها الله).

هامش:

1- سيدي رمضان، الرقوبة، الكدوة: اسماء أعلام جغرافية في مسقط رأس الكاتب أبو شويشة، في منطقة العزيزية، بالقرب من طرابلس.

2- توفيت والدة الكاتب اواخر عام 2011م.

3- (سراب الليل) عنوان رواية للناقد والكاتب المسرحي الليبي منصور أبو شناف.

4- أكاكوس: منطقة تقع بالجنوب الليبي تحتوي على كنوز أثرية قيمة يداوم أبو شويشة على زيارتها من وقت لآخر.

5- فؤاد الكعبازي، أديب، وكاتب ليبي، وأول وزير ليبي للنفط، متعدد الهوايات والانشغالات، كان يجيد عدداً من اللغات.

* حاوره/ أبو بكر حامد كهال (شاعر وروائي من إريتريا مقيم بالدنمارك)

القدس العربي، 6 مارس 2014

طالع أيضا:

- أبوشويشة: أتشرد مثل صوفي سكران بعناقيد النجوم

- صيانة بيت رضوان أبوشويشة

- رضوان أبوشويشة: خطوتي الأولى نحو الهجرة

- رضوان ابوشويشة.. حمدا لله على سلامتك

- منصور بوشناف: بوشويشة موثّق الأرواح الليبية المرحة

- بشير زعبية: رضوان أبو شويشة

- يونس الفنادي: الأديب والفنان المبدع/ رضوان أبوشويشة

- مهدي التمامي: بوشويشة.. وهولدرلين.. وسيدي قنانة

- «رحلة الزاهي»: من صقيع دبلن.. إلى نار فزان

- محمد العمامي: الكاتب والمسرحي والتشكيلي رضوان ابوشويشة

- سميرة البوزيدي: بعد الحرب يقول رضوان

- رضوان أبو شويشة.. كنز معرفي خارطته الحوار

- رضوان بوشويشة: الشاعر بشير الجواب

- رضوان أبوشويشة: الإقصاء النهائي عن الكلام

- رضوان ابوشويشة: نخلة الكدوة

- رضوان ابوشويشة: شكوى الأشجار

- رضوان أبوشويشة: الألوان حياتي

- رضوان ابوشويشة: أحوال الوطن الذي نحن شهوده (قصة قصيرة جدا)

- رضوان ابوشويشة: حكاية الصادق النيهوم (قصة قصيرة جدا)

- رضوان ابوشويشة: الطير اللّى ايغني وجناحه يرد عليه (قصة قصيرة)

- مرفأ باب البحر (طرابلس القديمة) بعدسة/ رضوان بوشويشة 2016

- لوحة المبدع/ رضوان أبوشويشة تزين غلاف "دُوار الحريَّة" لـ سالم العوكلي

لا تعليقات على هذا الموضوع
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل