العرب اللندنية: وجدت فرنسا نفسها في مأزق بعد مقتل ثلاثة من جنودها في بنغازي وهو ما دفعها إلى الاعتراف بوجودها العسكري في ليبيا. هذا الاعتراف أعاد الجدل حول القوات الأجنبية الموجودة في ليبيا وإمكانية القيام بتدخل عسكري مرتقب في ظل تصاعد الاشتباكات بين القوات الحكومية ومقاتلي داعش من جهة، وبين قوات حفتر والتنظيمات الجهادية وبعض الميليشيات المسلحة من جهة أخرى. وارتفعت الأصوات الفرنسية الرافضة لهذا التدخل دون الرجوع إلى المؤسسات التشريعية الرسمية، في المقابل اعتبر بعض المحللين أن فرنسا قررت التوجه نحو العمل العسكري السري المحدود لأن دول جوار ليبيا وعلى رأسها الجزائر ترفض التدخل الأجنبي في هذا البلد، وتعتبر أن الحوار هو الحل الأنسب للحدّ من الفوضى المستشرية وتثبيت مؤسسات الدولة.
ولم تتأخر ردود الفعل من الجانب الليبي حول هذا الموضوع، حيث أجمعت المؤسسات المنبثقة عن عملية الحوار السياسي على اعتبار التدخل الفرنسي أمرا مرفوضا لأنه يمثل "تطاولا على السيادة الوطنية"، رغم تأكيد متابعين أن فرقاء ليبيا على علم بوجود قوات أجنبية في بلدهم وعليه فإن الحديث عن السيادة والتنديد بهذا الوجود هو للاستهلاك الإعلامي لا غير. ويبدو أن فرنسا فقدت مصداقيتها بهذا التورط العسكري، لأنه مناف لقرارات مجلس الأمن التي تحظر تقديم أي دعم عسكري لأي طرف ليبي، إلى جانب دعمها الظاهري لمجريات المسار السياسي، فقد سبق وأن زار وزير خارجية فرنسا طرابلس والتقى بأعضاء المجلس الرئاسي، مؤكدا دعم بلاده القوي للاتفاق السياسي وسعيها لإنجاحه.
وسبق أن نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تسريبات مفادها أن فرنسا تمهد لتدخل عسكري في ليبيا عبر المعطيات التي تجمعها طائرات الاستطلاع. كما نشرت صحيفة "لوموند" تسريبات من وزارة الدفاع الفرنسية تكشف عن وجود عسكري فرنسي سري في ليبيا، وتؤكد أن القوات الفرنسية هناك تقوم بعمليات عسكرية غير رسمية من بينها "ضربات جوية محدودة ودقيقة". غير أن التسريب الأهم والأدق جاء منذ حوالي شهر حين نشر موقع "هافينغتون بوست" تقريرا كشف فيه عن وجود قاعدة عسكرية غربية قرب بنغازي لدعم حفتر، وبالتحديد في منطقة بنينا العسكرية، حيث يتمركز بها ما لا يقل عن 40 جنديا فرنسيا وعدد من القوات البريطانية والإيطالية بجانب قوات عربية.
وذكرت تقارير إخبارية أن القوات الأجنبية الموجودة في ليبيا لا تقتصر على عمليات الاستطلاع والدعم اللوجستي، فالقوات الفرنسية، حسب ما يؤكده خصوم حفتر، ضالعة فعليا في القتال في بنغازي إلى جانب الجيش، مشيرين إلى أن الطائرة العسكرية التي تم إسقاطها بصاروخ سام 7 ما أسفر عن مقتل 3 جنود فرنسيين، كانت في "مهمة قتالية" ضد ميليشيات "سرايا الدفاع عن بنغازي".
ولا يتفق المحلل السياسي الليبي أحمد العبود مع هذا الرأي، حيث أكد في تصريح لموقع"سبوتنيك" الإخباري، أن القوات المسلحة الليبية بقيادة حفتر لم تنف الاستعانة بالخبرات الفرنسية في المجال العسكري وأساسا الاستخباراتي ولكن ذلك لا يعني مقدمة لتدخل أجنبي. وأفاد العبود بأن المجتمع الدولي تخلى عن ليبيا بعد إسقاطه نظام القذافي، ولم يساعدها في بناء الأجهزة الأمنية الليبية، بل على العكس الجيش الوطني الذي يحارب الإرهاب عوقب من خلال المجتمع الدولي بحظر التسليح.
وفي هذا الصدد، أعلن رئيس أركان السلاح الجوي العميد صقر الجروشي أن مجموعات من العسكريين الفرنسيين والأميركيين والبريطانيين تعمل في ليبيا على مراقبة تحركات تنظيم داعش، مضيفا أن أعداد هؤلاء العسكريين تبلغ "نحو 20 عنصرا تقضي مهمتهم بمراقبة تحركات التنظيم وكيفية تخزينه للذخائر". وقال الجروشي في تصريح لوكالة "فرانس برس"، "يوجد جنود فرنسيون وأميركيون وبريطانيون في قاعدة بنينا في بنغازي".ونفى الجروشي وجود طياريين أجانب حيث قال"لا يوجد طيارون أجانب يقومون بالحرب نيابة عن طيارينا ومقاتلينا".
وذكر الجروشي أن هناك "مجموعات عسكرية أجنبية أخرى تقوم بالعمل ذاته في قواعد متفرقة في ليبيا وفي مدن عدة بينها طبرق ومصراتة". وتتكتم الأوساط الغربية حول حقيقة الانتشار العسكري الأجنبي في ليبيا وطبيعته وخاصة ارتباطاته وأهدافه، رغم إقرارها علنا مشاركتها في الحرب ضد فرع تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا والتنظيمات الجهادية الموالية له.