في الوقت الذي يتصاعد فيه الحديث عن انهيار وشيك للاتفاق السياسي الليبي الموقع بمدينة الصخيرات في ديسمبر الماضي، كثف المجلس الرئاسي بقيادة فايز السراج في الآونة الأخيرة من اتخاذ قرارات وإصدار بيانات اعتبرها الكثيرون تصب في خانة ترضية الإسلاميين المهيمنين على المجلس.
العرب اللندنية: ما انفك المجلس الرئاسي الليبي المنبثق عن اتفاقية الصخيرات، يجامل التيار الإسلامي والميليشيات التابعة له منذ دخوله العاصمة طرابلس أواخر مارس الماضي بعد أن اتخذ جملة من القرارات كان أغلبها يصب في مصلحة الإسلاميين، لعل أبرزها مسايرة الميليشيات الإسلامية في مدينة مصراتة بقطع الطريق على الجيش الليبي وتكليفها بمعركة تحرير مدينة سرت من تنظيم داعش الإرهابي. وزادت في الآونة الأخيرة وتيرة هذه الترضيات التي باتت واضحة للعيان كان آخرها إصدار بيان عبّر خلاله المجلس الرئاسي عن انزعاجه من تصريحات آمر كتيبة أبي بكر الصديق العجمي العتيري، الذي قال إن سيف الإسلام أصبح حرا طليقا بعد أن قام بتطبيق قانون العفو العام عليه.
ولئن مازالت الأنباء متضاربة بشأن مصير سيف الإسلام، فإن متابعين أعربوا عن استغرابهم من إصدار المجلس الرئاسي لهذا البيان الذي ضمنه شكره وامتنانه للمجلسين العسكري والبلدي لمدينة الزنتان اللذين سبق وأن قاما بنفي ما قاله العتيري. واعتبر مراقبون أن هذا البيان من شأنه أن يعرقل خطوات المصالحة الوطنية. ويتهم الكثير من الليبيين الإخوان المسلمين ومن يدور في فلكهم بعرقلة مسار المصالحة الوطنية بعد أن أفشلوا عددا من المؤتمرات التي كانت ستعقدها القبائل كان آخرها مؤتمرا كان سيعقد في مدينة الزنتان للقبائل الليبية قبل أن تتدخل أطراف من المجلس العسكري الزنتان محسوبة على الإخوان المسلمين وتقوم بإحباطه.
وسبق هذا البيان قرار أصدره المجلس الرئاسي بتعيين عبدالرحيم الكيب مندوبا لليبيا لدى الأمم المتحدة عوضا عن إبراهيم الدباشي الذي طالب عبدالرحمن السويحلي المحسوب على تيار الإخوان المسلمين بإقالته وإبعاده بعد أن قال إن قوات عملية “البنيان المرصوص” متكونة من جماعات إسلامية تنتمي إلى القاعدة. وأثار تعيين الكيب سخط عدد كبير من الليبيين الذين يتهمونه بسوء التصرف في أموالهم إبان توليه رئاسة الحكومة بعيْد الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي.
ويرى عدد كبير من الليبيين أن الأموال التي اختفت في عهد الكيب ذهبت لصالح دعم ميليشيات مدينة مصراتة وميليشيات الإخوان والمقاتلة، وأن تعيينه اليوم مندوبا لليبيا في الأمم المتحدة، يأتي في إطار مكافأته على ما فعله من أجلهم. ويذهب الكثير من الليبيين إلى اعتبار أن المجلس الرئاسي بات رهين الإسلاميين وهو أبعد ما يكون من التوافق، معتبرين أن ما يحدث هو إعادة لتدوير نفس الأسماء التي شاركت في تدمير ليبيا ونهب ممتلكاتها وتسليمها إلى الإخوان المسلمين وميليشيات مصراتة.
وتواترت الأنباء مؤخرا بناء على تسريبات مفادها عزم المجلس الرئاسي تعيين عدد من الشخصيات المحسوبة على التيار الإسلامي في مناصب عليا من بينها فتحي باشاغا الذي عين منسقا أمنيا وعسكريا وماليا بين المجلس الرئاسي وعملية البنيان المرصوص، إضافة إلى تعيين الإخواني مصطفى أبوشاقور سفيرا لليبيا لدى بريطانيا. وتأتي هذه التحركات والأنباء في وقت تصاعد فيه الحديث عن مفاوضات مرتقبة منتصف الشهر الجاري قيل إنها ستهدف إلى توسيع العملية السياسية في ليبيا.
وترجح التقديرات أن يتم إسقاط المجلس الرئاسي الحالي والعودة إلى المسودة الرابعة قبل تعديلها، والتي تنص على أن يتكون المجلس الرئاسي من رئيس ونائبين له فقط، كما أن المادة الثامنة محل الخلاف الحاصل، لا تنص على انتقال المناصب العسكرية والسيادية لسلطة المجلس الرئاسي. ويرجع مراقبون الترضيات التي يقوم بها المجلس الرئاسي للتيار الإسلامي إلى سعي الأخير للاستقواء على هذا التيار وميليشياته بعد أن بات مهددا بالسقوط في ظل تواصل فشله في إيجاد حل لمشاكل الليبيين العالقة لعل أبرزها وضع حد لسطوة الميليشيات المسلحة التي عاثت في العاصمة طرابلس ظلما وفسادا، إضافة إلى عجزه عن وضع حد لتردي الوضع المعيشي والتصدي لارتفاع الأسعار والدولار مقابل الدينار الليبي.