فوجيء كثيرون بتسريب للصحفي محمود المصراتي مع بعض الشخصيات الذي يبدو أنه يملك قراراً في عملية الكرامة بتساؤل بين الطرفين عن طبيعة القوات التي استطاعت السيطرة على الهلال النفطي وتسليمه لحرس المنشأت النفطية التابع للمجلس الرئاسي الذي انبثق عن اتفاق الصخريات، والحوار مثير حقاً فإن الرجلين يبحثان عن وسيلة يمكن تبرير القتال والصراع مع قوات سرايا الدفاع من خلال، المصراتي يقول: نقول أنهم إخوان فيرد عليه الآخر: لا هذه لن تمر على الناس والرأي العام، قال: نقول قوات تشادية، قال له : حتى جماعتنا عندهم قوات تشادية، قال له: نقول قاعدة. . قال: نعم قاعدة.
بعد مااستمعت لهذا التسجيل تذكرت كيف أن السرد والرواية صارت جزءاً أساسياً من أي عمل سياسي، ورغم التنظير الذي يمكن أن نقرآه عن لورنس فريدمان في كتابه تاريخ الاستراتيجيا منذ بداية التاريخ حيث الأساطير والكهانة التي تشتري لهو الحديث لتضل الناس عن الحقائق والواقع إلى هوليود وكيف أن صناعة الإستراتيجيا تأخذ من النظرية السردية لصناعة السيناريوهات جزءاً من طريقة التفاعل بين الإعلام والسياسة.
في ليبيا تكثر السرديات وتغيب الحقائق التي لايمكن المراء حولها، سردية تتحدث عن أن كل من خرجوا في السابع عشر من فبراير كانوا مجرد حالمين أفسدوا البلاد والعباد... سردية ترى بأن الإرهاب قد ضرب البلاد شرقها وغربها وأن حكامنا ماهم إلا جزء من موآمرة دبرها الإسلاميون... سردية يتذكرها الليبيون جيداً وهي أن المؤسسة الوطنية للنفط تبيع النفط بدون عدادات لذا كان غلق الموانيء النفطية وسخر لذلك سرد ووثائق موعودة وغير ذلك من فعل الأساطير وأوهامها... نعم حين تغيب الحقيقة عن الناس تقودهم الأساطير.
الأسطورة قد تكون قصة أو مشاهد مرعبة للمستقبل يراد منها أن تقود الناس نحو هدف بعينه، والإطار عادة مايكون بثلاث عناصر أساسية هناك شيطان وضحية ومنقذ... الشيطان هو سبب كل المشاكل والضحية هو الطرف الذي يراد توجيهه والمنقذ هو السياسي الذي يبحث عن السلطة والحكم... هذا الإطار قد يفيد في فهم السرد كآلة لتوجيه الرأي وصناعة البيئة التي يمكن أن تتحرك فيها الأطراف السياسية والعجيب أن أيا من الأطراف لم يتغير نفس الأطراف حاربت القذافي، وكذلك حاربت بعضها في إطار الإعلان الدستوري، ثم تصارعت بعد الحرب الداخلية التي أبتدأت في اكتوبر عام 2014 وهو تاريخ الإعلان عن مظاهرة مسلحة في بنغازي، وفي خضم ذلك المسار استخدم الطرفان العديد من السرديات من أجل أن يظهر الطرف الآخر بصورة الشيطان...!!
لكن السردية التي أتت بها قوات سرايا الدفاع مهمة في رمزيتها، فلأول مرة تأتي سردية تلامس وجعاً حقيقياً في قلوب الناس مما جعل التسريب يتحدث عن تعاطف الناس في بنغازي مع حق العودة للنازحين، ربما لأول مرة نجد حرباً تعلن من أجل أسباب اجتماعية حقوقية وليس لأهداف سياسية هنا صار للسرد قوة أربكت المشهد،من الذي سيمنع الناس من الرجوع لبيوتهم والأطفال من العودة لمدارسهم سوى شيطان.. هنا ظهر حفتر وعملية الكرامة في صورة شيطان يريد أن يمنع الناس من بيوتهم، لذا سيكون عليه أن يبحث عن سردية أخرى وهي القاعدة... لكن قصة القاعدة ليست مثيرة فقد خف بريقها فليس هناك حديث كبير عن وحشية القاعدة كما هو تنظيم الدولة، لكن تنظيم الدولة كما ورد في التسريب جزء من القوات التي ستقاتل مع عملية الكرامة كما نفهم من الحديث الذي ورد على لسان المصراتي. البحث عن سردية صر مهما للاستمرار في الصراع وإحداث زخم يجعل القتال له معنى خاصة بعد عدد القتلى الكبير في صفوف الكتائب الداعمة لعملية الكرامة.
يبدو أن السردية التي سيرد بها أنصار الكرامة هي الصراع بين الشرق والغرب، لذا يراد لهذه المعركة أن تتحول من سردية العودة إلى صراع بين شرق البلاد وغربها. هذا ظهر واضحاً في الحديث عن صراع بين برقه والغرب والليبي وتكرر الحديث عن مصراتة وبدت كأنها الشيطان وأن برقة الهادئة هي الضحية. اجتماع القبائل الذي عقد في مدينة الآبيار والحديث عن الاستعداد للقتال في مشهد من مشاهد التاريخ الكلاسيكي الذي يسعر الحرب بقصيدة شعر أو بمشهد من التاريخ يوغل الصدور ويشعل نار الحرب... نحن أمام صراع سرديات وسردية العودة هي أقواها وكل حديث عن حقوق وعدل يصعب الالتفاف عليه وإن لصاحب الحق لمقال وإن غداً لناظره لقريب.