ليبيا المستقبل (عن العرب اللندنية): بدأ العد التنازلي لبدء نشاط المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية الذي تأخرت ولادته طويلا، منذ أبرمت دول المغرب العربي الخمس اتفاقية لتأسيسه تحت مظلة الاتحاد المغاربي قبل 26 عاما. ويعني الإعلان عن قيام الكيان المالي أن تلك الدول بدأت أخيرا باتخاذ خطوات عملية نحو التكامل الاقتصادي، لكن محللين يقولون إن الخطوة غير كافية نظرا للتحديات الكثيرة التي تعترض دول المنطقة. وكشف المدير التنفيذي للبنك نورالدين زكري أن المؤسسة المالية، التي تتخذ من تونس مقرا، ستبدأ العمل فعليا خلال العام الجاري، مشيرا إلى أن أول فروع البنك ستكون في العاصمة الموريتانية على أن يتم فتح فروع لها تباعا في بقية دول المنطقة. وقال زكري، على هامش ندوة عقدت بتونس حول الشراكة والتكامل الاقتصادي مع الجزائر، إن “البنك يقوم حاليا بانتداب الموظفين للانطلاق قريبا في العمل”، مشيرا إلى حرص البنك على توظيف كفاءات من كافة البلدان المغاربية. وأكد أن إستراتيجية البنك ستتجه لوضع الدراسات وإعداد المشاريع وتمويلها، وليس انتظار مجيء المستثمرين مع التركيز على القطاع الخاص، لا سيما المشاريع التكاملية الموجهة للأسواق المغاربية بالأساس. وأشار إلى إمكانية التبادل التجاري بين دول المنطقة في القطاعات التقليدية مثل الزراعة والصناعة، مما سيحسن من التنافسية بين هذه البلدان وتنمية صادراتها، كما يشجع البنك على انسياب رؤوس الأموال وتوظفيها في المشروعات ذات الجدوى الاقتصادية المربحة.
وكان الاجتماع التأسيسي للمؤسسة المالية قد عقد بالعاصمة التونسية في ديسمبر 2015 بعد سنوات من التأجيل، بموجب اتفاقية رأس لانوف في ليبيا التي أبرمت في العاشر من مارس 1991. ويرى اقتصاديون أن اتخاذ حكومات البلدان المغاربية قرار تفعيل نشاط المصرف على أرض الواقع يعكس الحاجة الملحة لدعم مجال الأعمال والمبادلات التجارية في ما بينها رغم الصعوبات التي تعيشها المنطقة. وإزاء تنامي ظاهرة التهريب على الحدود وما أفرزته من تعملق الاقتصاد الموازي، الذي فكك قنوات التجارة الشرعية في السنوات الأخيرة، يأتي إنشاء هذا البنك ليمهد الطريق نحو انتعاش الاستثمارات وتنشيط الحركة التجارية البينية. وساهمت حكومات دول الاتحاد، وهي ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، في تحرير ربع رأس مال البنك والمقدر بنحو 150 مليون دولار، وهي تفكر في رفع تلك القيمة في المستقبل. ويرمي هذا الكيان الجديد إلى ترجمة الفرص الاستثمارية وتحويلها إلى مشاريع مع القطاع الخاص والمؤسسات التمويلية الدولية والمحلية، علاوة على تمويل المشاريع ذات المصلحة المشتركة والبرامج الاندماجية وتوفير التمويلات.
وسيتولى البنك من الناحية النظرية تمويل مشروعات مشتركة في قطاعات تطوير البنية التحتية والاتصالات والربط الكهربائي وغيرها، لكن الوضع السياسي القائم قد يعطل تجسيد تلك المشروعات، في ظل استمرار غلق الحدود المغربية الجزائرية والأزمة الليبية. وبإمكان البنك المساهمة في تمويل المشروعات ذات المصلحة المشتركة خارج دول اتحاد المغرب العربي. ويؤكد زكري أن التأخر في إرساء منطقة اقتصادية مشتركة أدى إلى تقلص معدلات النمو في البلدان المغاربية وخسارة آلاف فرص العمل وضياع العديد من الاستثمارات إلى جانب محدودية المبادلات التجارية. وتعتبر الاقتصاديات المغاربية الأقل اندماجا على مستوى العالم مقارنة بالتكتلات الاقتصادية الأخرى، حيث لا يتجاوز حجم التبادل التجاري بين دول المنطقة 4 بالمئة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وذلك من حجم التجارة الخارجية للدول الأعضاء في الاتحاد.
ولحد اليوم، تفضل كل دولة في المنطقة التعامل مع بلدان أوروبا كشريك رئيسي بدل تعزيز التبادل في ما بينها تجاريا، حيث تستحوذ إيطاليا وفرنسا وإسبانيا على معظم تجارة هذه البلدان الخارجية. وتشير بيانات للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إلى أن الاتحاد الأوروبي يسيطر على قرابة 60 بالمئة من التجارة الخارجية لدول المغرب العربي. وبحسب، المدير التنفيذي للبنك، فإنه تم إعداد دراسة حول النشاط الاقتصادي في دول المنطقة، أظهرت أن كل بلد يلجأ لتوريد المنتوجات التي يحتاجها من خارج المنطقة. واللافت، أن كل الترتيبات التنظيمية التي تستدعيها المبادلات التجارية في ما بين هذه الدول مبرمة منذ زمن حيث تم التوقيع على أكثر من 40 اتفاقية، من بينها توحيد الرسوم التجارية والتبادل الحر، إضافة إلى توحيد الرسوم الجمركية وغيرها. وكانت المفاوضات المتعلقة بمشروع إنشاء المصرف المغاربي قد توقف في سنة 2012 بشكل مفاجئ بسبب خلافات حكومات دول المنطقة حول آليات المراقبة الداخلية والخارجية لعمل هذا البنك.