ليبيا المستقبل: أكد الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية، في تصريحات إعلامية اليوم الأحد، أن قانون تجريم استهلاك مادة القنب الهندي (يطلق عليه التونسيون لفظ "الزطلة") محل مراجعة وسيقع التخلي عنه مستقبلا وذلك لأن " الشاب الذي يدخل السجن من أجل الاستهلاك يخرج من هذه التجربة مجرما". وأضاف السبسي أنه سيطلب من مجلس الأمن تعليق العمل بالقانون 52 الذي ينص على عقوبة السجن بفترات مختلفة لمستهلك هذا المخدر. وقد أثارت تسريبات عن الموضوع في قناة إعلامية محلية مقربة من الرئاسة التونسية، قبل أيام، موجة جدل كبيرة ظهرت على شبكات التواصل الاجتماعي وفي مواقف النخب السياسية والثقافية. وقد سبق لوزيرة الصحة أن أشارت في إحصائيات رسمية إلى أن 13.7 بالمائة من الشباب أقل من 17 سنة يستهلكون هذه المادة المخدرة في حين يؤكد مراقبون أن النسبة الحقيقة تتجاوز الربع وهو أمر يرجعونه إلى عدة أسباب لعل أهمها ضعف الرقابة القانونية الحالية رغم وجود القانون المنظم للأمر ولاستسهال ترويجها إبان الثورة التونسية وما شابها من ضعف في العمل الأمني والعمل الجمركي. وقال مسؤول بوزارة العدل أن تعديل القانون 52 وتعويضه بقانون آخر قد "اعتمد نظاما جديدا بخصوص عقاب جنحة استهلاك المادة المخدّرة"، مضيفا أن "المستهلك الذي سيتم إيقافه لأول مرة له حق التمتع بنظام علاجي ونفسي وطبي قبل أيّ تتبّع قضائي عبر اللجنة الوطنية للتعهد والإحاطة بمستهلكي المخدرات ولجان جهوية".
المساندون: لم يعد السجن الحل..بل هو المشكل
وقد أبدى عدد من السياسيين والأحزاب مساندة لمنع سجن مستهلك "الزطلة" فدعا حزبا آفاق والمسار الديمقراطي، على لسان قيادتهما إلى مراجعة القانون وإبطال العقوبة، فيما عبر القيادي في حزب مشروع تونس (حزب منشق عن نداء تونس) وعضو مجلس النواب محمد الطرودي عن مساندته التامة للعفو عن الموقوفين في تهم تتعلق بمسك "الزطلة" أو استهلاكها.. النائبة المنتمية سابقا إلى نداء تونس بشرى بلحاج حميدة ساندت المراجعة قائلة "أكدت أنها تساند تماما إلغاء العقوبة ضد مستهلكي الزطلة مقابل تشديدها ضد المروجين". كما ساند وزير التربية التونسي، المنتمي إلى نداء تونس ناجي جلول، الدعوات إلى مراجعة القانون 52 مشيرا إلى "ضرورة التدرج في العقاب". أما القيادي في حزب القطب الديمقراطي فقد أكد أن عضوين من مجلس النواب عن الجبهة الشعبية، فتحي الشامخي وعبد المؤمن بالعانس، "قد تعهدا له بالنظر بجدية في مسألة مراجعة القانون". ونشرت القيادية في حزب نداء تونس أنس الحطاب منشورا أبدت فيه إعجابها برئيس الجمهورية الذي "أنجز ما وعد" بأن جعل "الحبس لا" في إشارة إلى منع سجن مستهلكي "الزطلة". ولم تسجل إلى حد الآن مواقف من أحزاب ترفض مراجعة القانون أو إلغاءه.
وفي موقف مساند لما سبق، أكد عدد من الفنانين مساندتهم للمراجعة ومنهم المخرج السينيمائي سهيل بيوض الذي أكد أن "الزطلة" مادة مسكنة ولا تسبب الإدمان وهو "يستغرب تجريمها وتسليط عقوبات على مستهلكيها". وكتب الشاعر عبد اللطيف العلوي "لا بدّ من منظومة تفكير كاملة في هذه المأساة، والابتعاد عن الحلول السّهلة التّقليدية، التي نرى جليّا على الأرض تأثيرها العكسيّ... الّذين يتباكون على قانون الزطلة القديم، فكّروا قليلا، لو كان فيه خير لما وصلنا إلى هذا الوضع أنا مع حذف عقوبة السجن عن كل من يثبت استهلاكه للزطلة للمرة الأولى... وتعويضها بشيء آخر يقع التفكير فيه"، مضيفا "المجتمعات المتخلّفة هي الّتي تعجز عن إيجاد الحلول العلميّة لمشاكلها الاجتماعيّة والسّياسيّة، فتملأ السّجون ظنّا منها أنّ ذلك سوف يحلّ مشاكلها بأقصر الطّرق". الرافضون..
مراجعة القانون حملة انتخابية لنداء تونس
وفي جبهة الرافضين لمنع تجريم استهلاك هذا المخدر، كتب الناشط سامي مالكي "قانون الزطلة وبداية حملة نداء تونس للانتخابات البلدية"، وتساءل الروائي وأستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية نور الدين العلوي "أمن أجل هذا... دفعتم الشهداء؟"، مضيفا "أليست القوانين تصاغ للاغلبية؟ كم عدد الاشخاص الذين يستهلكون الزطلة؟ كم نسبتهم من عدد التونسيين الجملي؟ هل يسمح حجمهم بأن تغير قوانين من أجلهم؟ ولو كان فيها مضرة لآخرين؟". وأضاف الناشط أكرم الزريبي "التخفيف من صرامة القانون الجزائي تجاه مستهلكي مادّة "الزطلة" الى حدّ عدم تجريم استهلاكها، مقابل الادعاء بتشديد العقوبات على المروّجين أو المنتجين أو المتاجرين بتلك المادّة المخدّرة، هراء لا يقلّ تخديرا للعقول النائمة عمّا تفعله المخدرات ذاتها في تلك العقول". كما تساءل الناشط ياسين مديوني: "هل يحق للقوات الحاملة للسلاح أن تتعاطى الزطلة وهي تنتخب أسوة ببقية المواطنين؟". ودعا عدد آخر من الناشطين إلى "تقديم قضية بنواب مجلس النواب من أجل خيانة مؤتمن"، مؤكدين أن "مافيا المال والأعمال والفاسدين يريدون الثراء على حساب التوازن النفسي والعقلي لأولادنا... الزطلة علميا لا تهدد مستقبل أولادنا فقط، بل تهدّد مستقبل مجتمعنا وتماسكه ووجوده أصلا".
ويبدو أن الجدل حول هذه القانون سيتواصل في الأيام القادمة، خاصة مع اقتراب موعد التصويت عليه في مجلس النواب التونسي.