ليبيا المستقبل (ترجمة عن انترناشونال بوليسي دايجست): بينما تتجه اهتمامات الغرب نحو سوريا، فإن عدوا جديدا يزداد قوة في ليبيا. "التيار المدخلي" ربما لا يشد الانتباه إلى الآن مثل "الوهابي" أو "السلفي"، لكنه يمثل خطرا جد واضح، في المدى الطويل، على السلام والاستقرار في ليبيا. مرة أخرى، الأطراف الخارجية قد تقوم بنفس الأخطاء التي كانت في أفغانستان، العراق وفي كل مكان وجدت فيه قوات لمحاربة عدو مشترك، هذه المرة "القوات المساندة للديمقراطية". أنظمة الشرق الأوسط الشمولية تمول، حاليا، مجموعات إسلامية وتشجع تكوين أخرى وتسليحها.
يتبع التيار المدخلي نفس المنطق الذي يعتمده الفكر السلفي/الوهابي ويعود إسمه إلى ربيع المدخلي، الداعية السعودي المشهور. ويعتبر هذا التيار أحد مخرجات التيار السلفي مع بعض الفروق. ومثل المجموعات السلفية الأخرى، يعتمد التيار المدخلي نفس الأطروحات الدغمائية ومنها أن دور "ولي الأمر" هو أمر لا يستهدف باعتباره هدية مباشرة من الرب. وهذا ما جعل أتباع هذا التيار مساندين للحكومات السعودية والمصرية وللقذافي. في الحقيقة، فإن التيار المدخلي في ليبيا كان التيار الوحيد المساند للقذافي طيلة الثورة الليبية في 2011.
اليوم، تأثيرهم يتصاعد حتى أنهم أصبحوا قويين أكثر من أي وقت مضى. في المقابل، أمير حرب آخر يحاول استمالتهم والحصول على دعمهم: إنه خليفة حفتر. حفتر هو مثال للرجل العربي القوي، قدرته على إقامة التحالفات مكنته من قوة إضافية. لكن للرجل روابط مستحيلة الفصل بانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب وفلاديمير بوتين. ويحاول حفتر حاليا الحصول على دعم المدخليين باعتماد صورة القائد الشرعي للبلاد، موظفا نجاحاته العسكرية الصغيرة وعلاقاته السابقة بنظام القذافي. وسهولة توظيف هذه الايديولوجيا هو أمر يشغل، لأنه يظهر إمكانية ولادة قذافي في نسخة ثانية يجتاح ليبيا.
لفهم البعد النفسي لرغبة حفتر بالعمل مع التيار المدخلي، يجب النظر وراء إلى توظيف عبد الناصر للإخوان المسلمين في مصر. في النهاية فإن حركة الضباط الأحرار تشكلت تحت مظلة الإخوان المسلمين. وطبعا ما إن أمسك عبد الناصر بالسلطة، فقد حظر الأخونة. وحفتر يأمل أن يفعل نفس الشيء في ليبيا. رغم كل ما سبق، هناك فرق شاسع بين حكم حزب دون سلاح وبين حكم ميليشيا مسلحة حد النخاع. وبينما ينظر بعض الضباط في موسكو والشرق الأوسط إلى حفتر على أنه الرجل الذي يحقق الاستقرار ويقضي على التهديدات المستهدفة للديمقراطية، فإن الحقيقة أن التيار المدخلي هو سبب آخر لمعارضة حفتر.
وبعيدا عن حفتر، يمثل التيار المدخلي تهديدا للغرب. ومع الثقة بعد المعارك التي يكسبونها في ليبيا، يمكن أن يسبب أتباع هذا التيار اضطرابات لأوروبا. يرفض التيار المدخلي الحكم الديمقراطي بدعم من أنظمة أوتوقراطية في العالم العربي. ويقطن عدد من أتباع هذا التيار في أوروبا كما لا يحتاجون أي إعداد عكس ما يتطلبه الأمر لأتباع تنظيم الدولة الإسلامية الذي يحتاج وقتا أطول لتركيز عناصره في أماكن مثل بروكسال أو باريس. إضافة إلى ذلك، فإن الرفض التام للنموذج الديمقراطي الغربي يعني أن أتباع هذا التيار في أوروبا لن يندمجوا في المجتمعات التي يعيشون فيها. وأسوأ ما في الأمر هو أن المدخليين تحصلوا على الأسلحة وطوروا قدراتهم على استعمالها. وكما يشير "فريديرك وايري"، هناك شك كبير في هذا التيار لأن الحضور السلبي سابقا أصبح خطيرا مع تسلح التيار.
وقد شيد التيار المدخلي شبكة مهمة على امتداد ليبيا وهو ما يجعل التحالف معهم أمرا جذابا لحفتر أو لبعض أعيان القبائل. تسيطر ميليشا المدخلي على مناطق عديدة من طرابلس فيما يتحكم أئمة مدخليون بعدد من المساجد أكبر من أي طرف آخر. وعدد من هؤلاء الأئمة فرضوا بقوة سلاح ميليشيات المدخلي. في مصراتة، ثالث أكبر مدينة ليبية، يمارس المدخليون تأثيرا كبيرا على المجلس البلدي، إضافة إلى أن المدينة ثمثل قاعدة للقوة 604، وهي واحدة من أقوى الوحدات التابعة للتيار المدخلي والتي لم تظهر ترددا في محاربة القوى المساندة للديمقراطية.
ورغم أن المدخليين يحاولون التستر، فإن مخططهم مكشوف ويدعم التخوفات الغربية من سيناريو وجود واقعي لهذا التيار في ليبيا. يجب على الليبيين والغرب مواجهة صعود التيار المدخلي. أمر واحد مؤكد، الدعم السري لهذا التيار سيعود بالوبال. من غير الممكن الوثوق بمثالية الحرية والديمقراطية إذا واصلت الولايات المتحدة الأمريكية غض الطرف عن حلفائها في الشرق الأوسط الذين يدعمون بعض المجموعات كالتيار المدخلي. وعوض هذا، يجب أن تعطى الأولوية إلى مجموعات الدعم التي لها رؤية بعيدة المدى بالنسبة إلى ليبيا وتؤمن بالمثل الديمقراطية. بعد كل هذا، من اليسير السماح للمجموعات الموجودة حاليا بالنهوض ومواجهة المدخليين وهذا أفضل من إنشاء مجموعات جديدة من الصفر لهزيمة حفتر أو المدخليين بعد سنوات.