ليبيا المستقبل (حوار: يونس شعبان الفنادي): ارتفاع درجة الحرارة وتدني معدلات هطول الأمطار خلال مواسم الشتاء وزيادة نسبة الغازات الدفيئة المنبعثة في الغلاف الجوي نتيجة النشاط البشري تمثل هذه الظواهر أبرز ما تم رصده بحثياً وعملياً عن التغير المناخي الذي صار يشهد اهتماماً كبيراً على صعيد الحديث الشعبي العادي والبحث العلمي المتخصص على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
"المناخ هو العنصر الأساسي الذي يشكل طبيعة حياة الإنسان على هذا الكوكب ولذا فإن التغيرات المناخية سوف تكون هي المحور الذي يشكل النشاط البشري في القرون القادمة" |
ويعرف المناخ بأنه معدل حالة الطقس خلال عدة سنوات في منطقة معينة ويعبر عنه بالأرقام والإحصائيات للمزيد من التوضيح وتسهيلاً للمقارنة، وهو يعد أحد الأركان الرئيسية في البيئة البشرية التي صارت تحظى بالاهتمام والمتابعة في المحافل الدولية منذ إعلان مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة في السويد الذي اعتمد خلال سنة 1972 إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومنذ ذلك الحدث انعقدت العديد من المؤتمرات الدولية والاجتماعات الثنائية والإقليمية التي تناقش مشاكل البيئة ومتطلباتها بعد أن أكدت الدلائل العلمية حدوث ظاهرة التغير المناخي بمسببات عديدة وفق تصورات ونماذج مختلفة. وقد نتج عن هذه الملتقيات العلمية والفنية إنشاء لجنة التفاوض الحكومية الدولية لوضع اتفاقية "التغير المناخي" التي تطلب إعدادها جهداً كبيراً تواصل لسنوات طويلة انتهى عام 1992 عند التوقيع على هذه الاتفاقية خلال انعقاد "قمة الأرض" في البرازيل، وقد وصل عدد الدول المصدقة عليها بنهاية عام 1997 إلى 167 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي. وتوصل مؤتمر الأطراف المتعلقة باتفاقية التغير المناخي في دورته الثالثة المنعقد في مدينة "كيوتو" اليابانية خلال شهر 12/1997 إلى اعتماد البروتوكول المعزز لالتزامات الدول الصناعية المدرجة في المرفق الأول للاتفاقية الذي تقرر فيه أن تقوم تلك الدول بخفض انبعاث غازاتها الدفيئة بمقدار 5.2% عن مستويات عام 1990 وذلك اعتباراً من سنة 2008 وحتى عام 2012، حيث يكون على اليابان خفض غازاتها بمقدار 6% والولايات المتحدة الأمريكية 7% والاتحاد الأوروبي 8% وهو يعكس الرغبة الصادقة والتصميم الجاد لمختلف دول العالم على مواجهة ظاهرة التسخين وارتفاع درجة الحرارة بالرغم من اختلاف مصالحها وظروفها وإمكانياتها.
ولتسليط الضوء حول "التغيرات المناخية" من حيث مسبباتها وآثارها على الحياة البشرية، والتنسيق الدولي بشأنها وتحليل بعض النصوص الفنية الواردة في الاتفاقية الدولية للتغيرات المناخية نلتقي بالأستاذ عبدالرحمن عبدالله الشريف الخبير المناخي بالأرصاد الجوية الليبية لتوضيح بعض الملابسات حول قضية التغيرات المناخية المتداخلة بين العلم والاقتصاد والسياسة في المجتمعات البشرية كافة.
- يتفاوت المفهوم الشعبي والتعريف العلمي لمصطلح " التغيرات المناخية "، وباعتبارك أحد خبراء المناخ كيف يتم توضيح هذا التباين؟
• ليس هناك فرق كبير بين المفهوم العلمي والمفهوم الشعبي للتغير المناخي لأن التغير المناخي في النهاية يؤثر في الإنسان وحياته اليومية ومشاريعه على الأرض وبالتالي فإن مفهوم التغير المناخي قد يختلف فقط في تحديد نوع هذا التغير ومقداره وتوقيته. إذاً المفهوم هو واحد إلاّ أن الإنسان العادي قد يخطئ في تمييز التغير المناخي لأنه يعتمد على الذاكرة فقط ولكن الرجل المتخصص في علم المناخ فهو يتعامل مع أرقام وسلسلة بيانات طويلة المدى التي يستطيع من خلالها القيام بإجراء العمليات الإحصائية المختلفة وأن يتعرف على أنواع المناخات المختلفة ويحدد مدى التغيرات التي تحدث في العناصر الأساسية للمناخ.
- هل تفرض "التغيرات المناخية " أشكالاً جديدة في الحياة العامة، وأنماطاً وسلوكيات مختلفة عن السائدة حالياً؟
• ليس هناك شك في ذلك لأن المناخ هو العنصر الأساسي الذي يشكل طبيعة حياة الإنسان على هذا الكوكب ولذا فإن التغيرات المناخية سوف تكون هي المحور الذي يشكل النشاط البشري في القرون القادمة. وعندما تتغير الأنماط المناخية في أي منطقة لابد أن نتوقع أن الإنسان سوف يتأقلم مع الظروف الجديدة، إما أن يتعايش مع العناصر المناخية الجديدة أو يغير مكان معيشته إلى مكان آخر مثلما جرى في الماضي بالنسبة لقبائل الرعي عندما كانت تنتقل من مكان إلى آخر بحثاً عن الأرض الخصبة والأمطار.
- مصطلح "التغيرات المناخية" أصبح متداولاً بشكل فاعل في الحياة اليومية والمناشط الأدبية والثقافية وحتى في الاتفاقيات السياسية بين الدول وذلك بداية من العقدين الأخيرين خلال القرن الماضي، بماذا تفسر هذه الظاهرة وما أسباب التطور المتسارع في التعامل معه؟
"ومادام في هذه المسألة صراع بين الذي أضر بالبيئة والمتضرر فلابد أن نتوقع مداً وجزراً وأخذاً ورداً وكل جانب يسعى لأن يكون هو الكاسب في هذا الصراع" |
• ظاهرة التغير المناخي أول ما أحس بها العالم في النصف الأخير من القرن العشرين الماضي، وجرت هناك بعض الإحصائيات التي أشارت مبدئياً إلى أسباب التغير المناخي وأوعزوا هذا التغير إلى ما يسمى بالاحتباس الحراري الناتج عن ازدياد غازات معينة في الهواء الجوي من شانها أن ترفع درجة حرارة الغلاف الجوي وهذا جاء نتيجة التطور الصناعي الذي حدث في القرن الماضي والقرن الذي قبله، أي أن القرنين التاسع عشر والعشرين شهدا سلسلة من النشاط الصناعي في بلدان أوروبا وأمريكا واستراليا، استنفذوا به محروقات هائلة وبالغوا - في سبيل الكسب المادي والاقتصادي - في استنزاف المعادن والموارد الطبيعية، وزادت نسبة المحروقات، وهذا كله نتيجة الهلع والطمع والجشع الأوروبي والأمريكي فيما يتعلق بزيادة المكاسب المادية، ثم بعد كارثة الحرب العالمية الأولى والثانية اكتشف العالم أن المسألة تتردى في طريق رهيب، وإن لم يتدارك الإنسان هذا التسارع الرهيب قد يحدث ما لا يحمد عقباه من الكوارث. أصحاب النفوس الطيبة هم الذين أشاروا في البدء إلى هذا الأمر، ولكن بعض الجهات قد سولت لها نفسها أنها تستفيد من هذا التردي في دوامات أخرى تريد إما أن تتنصل من المسئولية بسبب أن هذه الدول هي التي تسببت في هذا الوضع المتردي للمناخ، أو تريد أن تحمل الغير مغبة هذا التدهور. كما أن العالم يقيناً من الشعوب ذات المصلحة في تنقية أو تعديل المناخ، وأنها مهضومة الحق وأنها ليست هي المسببة لهذا الانهيار الذي تعرضت له البيئة انبثقت فكرة إعداد اتفاقية دولية لكي تحقق غرضين، الغرض الأول هو تحميل هذه الدول المسئولية التي تسببت في هذا التغير، وفي نفس الوقت تقي نفسها مغبة الأضرار والسلبيات التي قد تنتج. ومادام في هذه المسألة صراع بين الذي أضر بالبيئة والمتضرر فلابد أن نتوقع مداً وجزراً وأخذاً ورداً وكل جانب يسعى لأن يكون هو الكاسب في هذا الصراع.
- توجد نسبة كبيرة من عدم اليقين أو التأكد في معظم الدراسات المتعلقة بالتغيرات المناخية، حيث يرى بعض الدارسين بأننا مقبلون على عصر جليدي، بينما يؤكد البعض الآخر منهم أن هناك ارتفاعاً في درجة حرارة الكون. ما هي المعطيات التي بني عليها هذا التناقض العلمي؟ وما هي تحليلاتك له؟
"نحن لا ننكر أن هناك تغيراً مناخياً بسبب زيادة الغازات ولكن ليست هي المسبب الوحيد فيه على كوكب الأرض" |
• أولاً عدم اليقين هو حقيقة لا شك فيها، لأن مسألة التغير المناخي محسوبة إحصائياً، وهذا يعني أنها تقبل عملية الاحتمالية، فلا نستطيع أن نجزم ولكن توجد لدينا مؤشرات تبين حدوث التغير المناخي كحقيقة لا يستطيع أحد إنكارها، ويلمسها الجميع في كل مكان على الأرض. عدم اليقين يمكن أن يكون في توقع حدوث التغير المناخي ومقداره ثم نتائجه على الإنسان في حياته الاجتماعية بشكل عام. وعدم اليقين هو نتيجة أن الإنسان لا توجد لديه سلسلة بيانات طويلة. فالعمل الإحصائي لا يزيد عن مائتي سنة كحد أقصى في 90% من الدول، وهذه الفترة لا تعطي مؤشراً دقيقاً عن حدوث منحى التغير المناخي سلبياً أو إيجابياً، فلابد من الرجوع إلى سلسلة بيانات قد تمتد إلى آلاف السنين ومئات الآلاف من السنين، ومع ذلك هناك محاولات جيدة ولا تقبل الشك وقد أجريت تجارب عن الجليد المتساقط على القطب الشمالي كما جرى تحليل جذوع الأشجار المعمرة التي عمرها 4000 أو 5000 سنة أو أكثر، ووجدوا أنه بدراسة الشكل البلوري للجليد في مساقط عمودية عميقة - طبعاً تتراكم كميات الجليد سنة بعد أخرى - فأخذوا عينات من طبقات مختلفة، حيث توجد علاقة بين درجة الحرارة والشكل البلوري للماء، ومن خلال الشكل الهندسي للبلورة تمكنوا من التعرف على درجة الحرارة التي كانت وقت سقوط هذا الجليد، فالشكل البلوري للثلج في درجة عشرين تحت الصفر يختلف عن الشكل البلوري للثلج في درجة ثلاثين تحت الصفر وهكذا..، وبهذه التجارب عرفوا تسلسل درجات الحرارة منذ مئات الآلاف من السنين، وكذلك استطاعوا أن يستنبطوا التغير في درجة الحرارة والإشعاع الشمسي من جذوع الأشجار المعمرة وذلك بأخذ مقطع أفقي من الشجرة ودراسة دوائر اللحاء فجدوا أن اللحاء يكون أحياناً عريضاً وسميكاً بينما في أحيان أخرى يكون رقيقاً، فأوعزوا الفرق إلى شدة الإشعاع الشمسي في ذلك الوقت، فكلما كان الإشعاع الشمسي كبيراً تزداد مساحة مقطع اللحاء، وبذلك عرفوا توقيت حدوث هذه الظاهرة في جذع الشجرة بالاستناد إلى عمر الشجرة ذاتها، ثم عملوا إسقاط لدرجة الحرارة المقابلة لكمية الإشعاع الشمسي في ذلك الوقت ومنها أوجدوا تسلسلاً لتغيرات درجات الحرارة من آلاف السنين، فعملوا طيفاً لمتوسط درجة الحرارة لحوالي مائتي ألف سنة أو أكثر، فتراوح المتوسط العالمي لدرجة الحرارة بين 15 - 16 درجة مئوية ولكنه وصل في بعض الأحيان إلى 18 درجة وفي أحيان أخرى انخفض إلى 14 درجة أو أدنى. الزيادة والنقصان الذي حدث لا نستطيع أن نقول بأن له علاقة بزيادة ثاني أكسيد الكربون فهناك مسببات أخرى سواء كانت طبيعية أو فلكية هي التي تتحكم في التغيرات المناخية، وأن ما يحدث الآن هو عبارة عن ذبذبة صغيرة في التغير الكبير الحاصل حالياً. نحن لا ننكر أن هناك تغيراً مناخياً بسبب زيادة الغازات ولكن ليست هي المسبب الوحيد فيه على كوكب الأرض.
- هل لك أن تحدد لنا الجهة الدولية المعنية بشكل مباشر بالاهتمام والإشراف على متابعة موضوع التغيرات المناخية؟
• الجهة التي تنظم الجانب العلمي بشأن هذه المسألة هي المنظمة العالمية للأرصاد الجوية يعني أنها هي الحجة الأساسية. ومن هذا المنطلق تبنت المنظمة ما يسمى بالبرنامج العالمي للمناخ، ومن خلاله استحدثت هيئة علمية دولية معنية بدراسة هذا الموضوع لكي تتولى أولاً البحث في موضوع التغير المناخي من جانبه العلمي، وأيضاً من خلال عمل الدراسات تتيح للدول القاصرة في إجراء البحوث العلمية المعرفة العلمية بهذه القضية حتى تستطيع أن تحدد متطلباتها حيال هذه القضية. وطبعاً لما تأكد العالم أن التغير المناخي هو قضية تتعلق بمصير الأمم والشعوب أصبحت أبعد من اختصاص المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ولابد أن تتبناها الأمم المتحدة ممثلة في اتفاقية دولية أو هيئة عالمية تحكم هذه القضية، فتم إنشاء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي وتبعيتها مباشرة إلى الأمم المتحدة ولها أمانة خاصة في ألمانيا خارج نطاق المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وهي التي تشرف على المؤتمرات الخاصة بهذه الاتفاقية ولها عدة هيئات فرعية من الأمانة العامة التي تعتبر المسئولة عن بلورة كل ما يجري في هذا الشأن.
- إذاً ما هو دور برنامج الأمم المتحدة للبيئة في قضية التغيرات المناخية؟
"المسئولية في هذه القضية مشتركة بين ثلاثة جهات: المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وهناك أيضاً برنامج الأمم المتحدة للبيئة وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية" |
• في الواقع إن المسئولية في هذه القضية مشتركة بين ثلاثة جهات. المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ممثلة في أنها تتبعها جميع شبكات الرصد الجوي في العالم وهي المشرفة على عمليات الرصد الجوي التي تعتبر أساس البحث العلمي في قضية التغيرات المناخية، وقد أنشأت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي لدراسة هذه الظاهرة. وهناك أيضاً برنامج الأمم المتحدة للبيئة وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، والحقيقة أنه لا يمكن الفصل بين البيئة والتنمية، فالمجالان متداخلان ومؤثران في بعضهما البعض، وبالتالي فإن هذه المؤسسات الثلاثة تتقاسم المسئولية في متابعة هذه القضية بكل جوانبها وأبعادها.
- ما هو دور اللجان الوطنية للمناخ التي أنشئت على المستويات المحلية، وهل حققت اللجنة الوطنية للمناخ في ليبيا الهدف المرجو منها؟
"حتى عام 1997 لم تكن ليبيا طرفاً في هذه الاتفاقية، ولكن الوفد الليبي الذي حضر سنة 1998 مؤتمر "كيوتو" باليابان بصفة مراقب، وشارك في صياغة اللائحة التنفيذية للاتفاقية أشار في تقريره بشأن قضية التغير المناخي بأنه لابد لليبيا من التوقيع والالتزام بهذه الاتفاقية" |
• ي السابق وحتى عام 1997 لم تكن ليبيا طرفاً في هذه الاتفاقية، ولكن الوفد العربي الليبي الذي حضر سنة 1998 مؤتمر "كيوتو" باليابان بصفة مراقب، وشارك في صياغة اللائحة التنفيذية للاتفاقية أو ما يسمى بالبروتوكول خلال ذلك المؤتمر، قد أشار في تقريره بشأن قضية التغير المناخي بأنه لابد لليبيا من التوقيع والالتزام بهذه الاتفاقية لأسباب عديدة منها أن كافة دول العالم قد وقعت عليها ماعدا خمسة دول تقريباً، ثم إذا كانت هناك فوائد للاتفاقية فلابد من حضورنا لجني هذه الفوائد، وإذا كانت هناك أضرار فإن وجودنا أيضاً ضروري لكي نتلافى هذه الأضرار أو المشاكل قبل حدوثها، أي لابد أن يكون لنا صوت ورأي مسموع فيها، حيث توجد عدة تكتلات كبيرة في هذا المضمار، فهناك تكتل الدول الصناعية وتكتل الدول النامية والصين والدول المصدرة للنفط "الأوبك" وغيرها. كما أوصى الوفد أيضاً بضرورة إيجاد لجنة وطنية عليا للمناخ، وقد تم اتخاذ إجراءات إيجابية من الجهات المعنية والمختصة في بلادنا حيال ما ورد في تقرير الوفد.
- ما هي الأهداف المرجوة من اللجنة الوطنية للمناخ، وهل حققت جزاء من أهدافها؟
• الأهداف المرجوة من اللجنة الوطنية للمناخ أن تكون أولاً هي اللجنة العليا التي تبث في هذه القضية محلياً على الصعيد الوطني، كما أن وجودها يسهل التعامل مع الأمانة العامة للاتفاقية لأنها تناظرها عالمياً. ولابد أن تتمثل في اللجنة الوطنية للمناخ كل القطاعات المحلية التي تؤثر أو تتأثر بالتغيرات المناخية، ومن أجل هذا شملت اللجنة قطاع النفط والمواصلات والزراعة والبيئة وعدة جهات أخرى. ومن الصعب الحكم على أن هذه اللجنة قد حققت أهدافها إلا بعد مرور فترة زمنية معقولة من إنشاءها وهي كما تعلم حديثة العهد حيث أنها تأسست منذ سنتين أو ثلاثة سنوات فقط.
- تفيد بعض التقارير بأن منظمة الدول المصدرة للنفط "الأوبك" تخشى تفعيل التدابير المتخذة بشأن الحد من الملوثات وانبعاث الغازات في الغلاف الجوي، بمعنى أنها ضد الإجراءات التي تتخذ فيما يخص تحسين المناخ. ما هو تفسيرك لهذا الموقف؟
"لا نستطيع القول أن هذه الدول تعمل على تلويث الجو وبالتالي فهي تعترض على الاتفاقية، وإنما باعتبار أولاً أن النفط هو العصب الأساسي في حياة هذه الدول فلابد أن نفكر بجدية عندما نتناول هذا الموضوع لأنه موضوع حساس. ثانياً إننا لابد أن نحمّل الدول التي تسببت في هذا التلوث كل الأضرار" |
• سؤالك يعتبر مجحفاً نوعاً ما بالنسبة للدول المصدرة للنفط لأننا لا نستطيع القول أن هذه الدول تعمل على تلويث الجو وبالتالي فهي تعترض على الاتفاقية، وإنما باعتبار أولاً أن النفط هو العصب الأساسي في حياة هذه الدول فلابد أن نفكر بجدية عندما نتناول هذا الموضوع لأنه موضوع حساس. ثانياً إننا لابد أن نحمّل الدول التي تسببت في هذا التلوث كل الأضرار، لأن الدول المصدرة أيضاً لديها طموحات وأهداف تسعى إلى تحقيقها والوصول إلى مستوى الدول المتقدمة وذلك باستغلال مواردها الطبيعية وهو النفط. لذلك نجد أن نصوص الاتفاقية نفسها قد أعفت الدول النامية من الالتزام بالحد من من انبعاث الغازات الدفيئة، بينما أصرت على أن دول الملحق (أ) المذكورة فيه بالاسم لابد أن تلتزم بالحد من انبعاث الغازات الدفيئة على مدى السنوات لغاية عام 2012، ولكن أيضاً هناك ثغرات حيث أوجدوا في المادة رقم (4) من البروتوكول ما أطلقوا عليه "مدى صلاحية المادة (4)" وفي كل دورة من دورات المؤتمر تصنع الدول المتقدمة ثغرة في هذه المادة، لأن المادة (4) هي التي تطالب الدول المتقدمة بالالتزام بالحد من الغازات ولذلك لم يحكموا إغلاق الباب على أنفسهم وأوجدوا عدة خروقات فيها تمكنهم من التنصل والخروج منها متى أرادوا ذلك، هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى أيضاً فإن الدول النامية والصين لم تلزمها الاتفاقية بالحد من انبعاث الغازات الدفيئة ولكن شجعتها أولاً على الحد وذلك بتقديم مغريات تتمثل مثلاً في إنشاء مشاريع تنظيف وتحسين للبيئة وعندها يقدم لها الدعم مالياً أو تقنياً. وثانياً بإمكان أن تحمّل دولة نامية ما حصتها في التلويث إلى دولة متقدمة، أي أنها تبيع حصتها بمعنى أن لديها حق التلويث ولكن هي لا تقوم بذلك بينما تسمح للغير أن يحل محلها بمقابل مالي، لأنه عندما تساهم الدول المتقدمة في زيادة نسبة تلوث البيئة فإن هذا يعني زيادتها في المحروقات والتصنيع وغيرها، وقد لاحظنا مؤخراً أن بعض الدول وعلى رأسها أمريكا لما رأت أن هذه الاتفاقية من شأنها الحد من حريتها في انبعاث الغازات أرادت أن تتنصل، وتصريحات حكومة بوش الأخيرة أوجدت قلقاً في جهاز الاتفاقية بشكل عام، وخلقت بلبلة واضطراباً، وفي الواقع لا أدري ما هي نتائجها المستقبلية.
- الدول الصناعية الكبرى أيضاً اعترضت على وقف انبعاث الغازات ووقف تصنيع بعض المنتجات الغازية، بماذا يوحي لك هذا المسلك الدولي؟
• كل دولة تريد الخير لنفسها. ومن خلال هذا المنطلق تجد بعض الدول لا تتورع في سبيل الفائدة أن تضر بالآخرين أو تتنصل من اتفاقية قد تراها ملزمة لها ونتائجها تعتبر سلبية تجاهها، ولذلك هي تتنصل من تبعتها ومسئوليتها الماضية في التلويث ومن نصوص الاتفاقية في المستقبل أي لا تريد أن تلتزم ببنود الاتفاقية التي تنص على الحد أو وقف الانبعاث.
- ما أثر ذلك المسلك على التعاون الدولي عموماً؟
• هذه تحتاج إلى خبير في السياسة وليس إلى خبير في المناخ.
- ما هي أهم النصوص أو الفقرات الواردة في برتوكول "كيوتو" والتي يجدر التمعن فيها جيداً والتعامل معها بحذر حيث يقال إن هذا البروتوكول قد أجاز للدول غير الصناعية تأجير غلافها الجوي للدول الصناعية؟
• سبق وأن أشرت إلى ذلك في إحدى إجاباتي السابقة حيث أنه أولاً المادة (4) من بروتوكول "كيوتو" تترك الباب مفتوحاً للدول الصناعية لكي تتملص أو تغير من مفهوم الحد من انبعاث الغازات المضرة بالبيئة، بحيث أنها في وقت من الأوقات تستطيع أن تفلسف أو تغير حرفاً أو جملة تتلاعب بها بالأهداف النبيلة والحقيقية لهذه النصوص مقابل بعض الفوائد. فهذه المادة لابد من إيجاد مفهوم محدد لها بحيث لا يمكن التلاعب بها. أيضاً الجانب الذي يتطلب التمعن الجيد والتعامل بحذر خاصة من الدول المصدرة للنفط هو ما يشاع أو ما يثار من تحميل هذه الدول ضريبة إضافية تسمى "ضريبة الكربون" على أساس أن الذي يبيع هو المسبب في تلوث البيئة. إنهم يسعون إلى قلب الموازين وجعلنا نحن الجانب الذي يقاضى بينما في الحقيقة هم الجناة. فالمسألة لها صورة شديدة فيما يتعلق بتضارب رغبات الدول خرج بها عن المفهوم العلمي للتغير المناخي إلى صراع سياسي واقتصادي وسيادي كذلك.
- ما أثر هذه المقترحات أو التصورات التي تبدو غريبة في العصر الحديث على المبادلات الاقتصادية والعلاقات السياسية بين دول العالم؟
"توقعي لهذه الاتفاقية أو الظاهرة أنها ستشكل المحور السياسي للسياسة الدولية للقرن الحالي" |
• توقعي لهذه الاتفاقية أو الظاهرة أنها ستشكل المحور السياسي للسياسة الدولية للقرن الحالي لأنه أولاً وعبر حقبات التاريخ الماضية نجد أن العالم دائماً مشغول بقضية سواء كانت حقاً أم باطلاً، المهم أن هناك قضية تبنتها بعض الدول التي لا تعوزها القوة. فمثلاً ظهرت في العصور الوسطى قضية الصليبيين بدعوى تطهير بيت المقدس بينما هم في الحقيقة كانت لديهم أغراض أخرى ليست لها علاقة بالقداسة أو الدين إطلاقاً. ثم جاءت المسألة الشرقية في الهند الصينية، ثم قضية تركيا الرجل المريض، ثم الشرق الأوسط، وهذا التصارع السياسي والاقتصادي نجمت عنه كارثتان دوليتان هما الحربان العالميتان الأولى والثانية، ثم أفاق العالم خلال الخمسين سنة الماضية من مغبة حدوث كوارث عالمية على نطاق عالمي ففضل الحروب الصغيرة على الحروب الكبيرة، ثم وجد العالم أن المسألة لن تستمر أكثر من هذا المدى، ولابد من إيجاد قضية تعم الكون كله، على غرار القضايا السابقة. والآن هذه الاتفاقية - اتفاقية التغير المناخي - هي التي تشكل القضية الدولية العامة لأن لها مردود وآثار سلبية وإيجابية على الشعوب ولو لم تتدارك الدول النامية القضية من أساسها وفي حينها منذ الآن لكي تجني أي جوانب إيجابية وتجهز نفسها لمقابلة كل الآثار السلبية قبل وقوعها سوف يكون هناك أثر سيء على الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على كثير من البلدان نتيجة هذا الموضوع الدولي الذي يشغل العالم حالياً.
- يرى بعض المراقبين أن تراجع أو تنصل الرئيس الأمريكي مؤخراً من التزامات بلاده بنصوص الاتفاقية الدولية بشأن التغيرات المناخية هو انتكاسة دولية لهذه الوثيقة التاريخية الهامة سيتبعها تراجعاً أوروبياً أيضاً، وبالتالي فإن الالتزام بما مورد بها سيكون موجهاً إلى دول العالم الثالث دون غيرها لأنها الأكثر فقراً ونقصاً في المياه والغذاء والموارد بصفة عامة. ما تعليقك على هذه المخاوف؟
• التنصل الأمريكي من هذه الاتفاقية هو غباء من الرئيس الجديد ليس إلاّ، والعنجهية وغرور القوة هو الذي جعله يتنصل من هذه الاتفاقية، ولكن الحكومات والشعوب الأوروبية أعتقد أنها أكثر حكمة ودراية، فلذلك أنا أتوقع أنها لن تتراجع عن التزامها بهذه الوثيقة، ولكن حتى لو انسحبت أوروبا وأمريكا من هذه الاتفاقية فهذا معناه الحكم على الاتفاقية بالنقض من أساسه ولابد للعالم من عمل إجراءات جديدة مثل إنشاء الأمم المتحدة إثر فشل عصبة الأمم. وربما يلجأ العالم إلى فكرة أخرى أو اتفاقية جديدة لتناول هذه القضية، كما أنه لو انسحبت أوروبا وأمريكا من الاتفاقية فلن يكون هناك أي التزام تجاه الدول النامية. وفي الأساس فإنه لا يوجد أي التزام أصلاً تجاه الدول النامية لا مادياً ولا أدبياً فيما يتعلق بالحد من انبعاث الغازات الدفيئة.
- هل هناك سياسات مطلوبة من المجتمع حيال التغيرات المناخية؟
"لابد أن نجهز المجتمع والبيئة والمناخ بحيث يكون ميسر للأجيال القادمة ولا نسيء استغلال كل الموارد التي لدينا فلا نترك لأولادنا وأحفادنا أي شيء يستفيدون منه" |
• بدون شك، فلا بد أن يكون لدى الإنسان إحساس بأن الخير الذي يتمتع به الآن هو خير ورثه عن آباء وأجداد أولين، فأشجار النخيل والزيتون قد غرسها الأجداد في الماضي، ومعنى هذا أنه لابد علينا أن نتصرف بنفس الأسلوب، أي لابد أن نجهز المجتمع والبيئة والمناخ بحيث يكون ميسر للأجيال القادمة ولا نسيء استغلال كل الموارد التي لدينا فلا نترك لأولادنا وأحفادنا أي شيء يستفيدون منه، لذلك لابد أن يكون هذا المفهوم سائداً، وأن نحدد سياسة كل فرد في تعامله مع البيئة والمناخ والطبيعة بحيث أنه يتعامل معها على أساس أنها ليست ملكه وإنما هي ملك للأجيال القادمة في المستقبل ولابد أن يحافظ عليها بل أن يزيد في تنميتها ويعمل على تطويرها إلى الأحسن.
- هل الدعوة إلى استخدام الطاقات البديلة تخدم المجتمع القادم؟
• الطاقة البديلة هي أيضاً لا يستهان بها، ولابد للإنسان أن يفكر في كل ما من أجله يحسن مستواه الاقتصادي والاجتماعي ويطور المجتمع علمياً وفنياً، فالطاقات البديلة بلا شك هي مخرج، وهنا أعني طاقة الرياح وطاقة الموج والطاقة الشمسية وغيرها، وهي كلها موارد طبيعية إذا ما استغلت استغلالاً جيداً يكون من الناحية الاقتصادية مثمراً وهي أيضاً ليست لها انعكاسات سلبية على البيئة ولا تتطلب مجهودات معقدة.
- باعتبارك أحد الخبراء المختصين في علوم المناخ شاركت في هذه الأحداث الدولية الهامة وساهمت في إعداد التقارير والسياسات الوطنية في هذا المجال، ففي تصورك ما هي الجدوى من هذه المشاركات على الصعيدين الشخصي والوطني؟
"طالما أن هذه الاتفاقية سوف تشكل كما ذكرت مصير الإنسان خلال المائة سنة القادمة فلابد لليبيا ألاّ تتغيب عن حضور هذه المواقع والمحافل" |
• حضور الدولة في هذه المؤتمرات والملتقيات الدولية بدون شك له جوانب إيجابية سواء كان على صعيد المجتمع أو الدولة ككل أو على صعيد الأفراد الذين يساهمون في هذه المؤتمرات والأحداث العلمية. لابد أن يكون صوت ليبيا مسموعاً في كل المحافل العلمية والسياسية والاقتصادية في العالم، وطالما أن هذه الاتفاقية سوف تشكل كما ذكرت مصير الإنسان خلال المائة سنة القادمة فلابد لليبيا ألاّ تتغيب عن حضور هذه المواقع والمحافل حتى تتمكن من تجاوز كل السلبيات التي قد تنجم عن هذه الظاهرة أو الاتفاقية. وبالنسبة للوفد ممثلاً في أفراده، فالحضور يتيح له التعرف وجهاً لوجه على الجانبين، القوي والضعيف، أي أنه تكون هناك فرصة أمامنا حتى نلمس القضية على الطبيعة بين الوفود المتجبرة والوفود المتضررة التي تمثل الدول النامية. سوف تكون هناك خبرة ذاتية للشخص في أن يلمس هذه القضية على الطبيعة ويتعامل مع العنصر القوي مثلما يتعامل أيضاً مع العنصر الضعيف ويحاول أن يجد لنفسه مكاناً بينهما، ويحدد لنفسه هوية، وتكون لديه الشجاعة الكافية والمنطق السليم المدعم بالحقائق العلمية، وطالما أن الحق في جانبنا فسوف نسعى لتحقيقه بما أوتينا من قوة.
- كلمة أخيرة تقولها للقراء...
• أنا سعيد جداً بهذه الفرصة وأتمنى لهذه المطبوعة ولكم وللأرصاد الجوية التوفيق وأعتبر هذا اللقاء مبادرة طيبة ومؤشراً إيجابياً القصد منه هو زيادة المعرفة وزيادة اليقين في النواحي العلمية.
* نشر هذا اللقاء بعنوان (أهلاً بالتغيرات المناخية) بصحيفة "الشط" الأسبوعية، العدد رقم 609، الصادر بتاريخ 3/3/2002م، الصفحة 6.
هذه الصورة أثناء استضافتي للأستاذ عبدالرحمن عبدالله الشريف في برنامجي المرئي (المشهد الثقافي) سنة 2010