أثارت الوثيقة التي سربتها إحدى القنوات المحلية الليبية المتعلقة بمطالبة النيابة العمومية الكلية في مدينة الزنتان بإطلاق سراح سيف الإسلام القذافي بناء على قانون العفو التشريعي العام، الكثير من الجدل خاصة بعد أن أصدرت وزارة العدل بيانا نفت فيه صحة هذه الوثيقة.
العرب اللندنية: تعيش ليبيا هذه الأيام على وقع جدل قانوني وسياسي بعد تسريب إحدى القنوات المحلية لوثيقة توجه بها وزير العدل المتوفى منذ أسابيع المبروك قريرة للنيابة العمومية بمدينة الزنتان مكان سجن سيف الإسلام القذافي. وبعد سويعات من انتشار الخبر على صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، سارعت وزارة العدل بالحكومة الليبية المؤقتة المنبثقة عن مجلس النواب بإصدار بيان نفت فيه صحة ما جاء في هذه الوثيقة، زاعمة أن "الوثيقة المسربة تحتوي على أخطاء قانونية فادحة لا تصدر عن مستشار عرف بالحنكة والخبرة القانونية في أصعب القضايا".
وأضافت أن "تطبيق قانون العفو العام من عدمه ينعقد فيه الاختصاص حصرا للقضاء الليبي بعد استقلاله وفقا للإعلان الدستوري (تم إقراره كدستور مؤقت للبلاد بعد الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمرالقذافي في 2011)" لافتة إلى أن "دور وزارة العدل تنفيذي من حيث تطبيقه بشرط أن يكون صادرا عن جهة الاختصاص". وربط بيان وزارة العدل كتاب وزير العدل بالإفراج عن سيف الإسلام بموافقة المجلس الأعلى للقضاء الأمر الذي اعتبره مراقبون لا يستند إلى صحيح القانون لأن المجلس يختص بالنزاعات القضائية بين المحاكم والتصديق على أحكام الإعدام والحركة القضائية ولا علاقة له بتنازع القوانين وتفسيرها.
وفي هذا السياق قالت المحامية الليبية فاطمة أبوالنيران في تصريح لـ"العرب" إن السلطات الواقعة شرق البلاد لم تشكل مجلسا أعلى للقضاء وفي ظل عدم وجود هذا الجسم فإنه يحق لوزير العدل أن يصدر قرارا كهذا. كما أن وزير العدل يعتبر رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء في ليبيا الأمر الذي يخول لقريرة إصدار هذا الكتاب. ويشار إلى أن الوثيقة المسربة هي بمثابة تذكير للنيابة العمومية في الزنتان بعدم تطبيق تعميمين سبق لوزارة العدل أن وجهتهما للنيابة، ينصان على ضرورة إطلاق سراح سيف الإسلام.
وسبق لـ"العرب" أن اطلعت أواخر يناير الماضي من مصادر مسؤولة بمدينة الزنتان على التعميم الأول الصادر في الـ19 من أكتوبر العام الماضي. ولئن التزمت النيابة العمومية الكلية بمدينة الزنتان بالصمت حيال هذا الجدل فإن مؤسسة الإصلاح والتأهيل (السجن الذي يقبع داخله سيف الإسلام) خرجت ببيان أعربت فيه عن شديد استغرابها من بيان وزارة العدل مؤكدة أن الوثيقة التي تم تسريبها صحيحة.
وأكدت المؤسسة في بيانها أنها تسلمت الكتاب المذكور واتصلت مباشرة بوزير العدل الراحل المبروك قريرة وأكد صحة الكتاب، داعية وزارة العدل للتثبت من سجلاتها. ولئن أثارت البيانات المتضاربة الصادرة عن وزارة العدل ومركز الإصلاح والتأهيل بالزنتان الكثير من الحيرة والاستغراب، فإن مراقبين رجحوا فرضية صحة الوثيقة مرجعين سبب إصدار وزارة العدل بيان تكذيب للوثيقة إلى تخوف السلطات شرق البلاد من التداعيات السياسية التي يمكن أن يحملها قرار الإفراج عن سيف الإسلام.
وتلى تسريب الوثيقة خبر انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مفاده أن إطلاق سراح سيف الإسلام يكون بموجب هذه الوثيقة، لكن مصدرا عن مركز الإصلاح والتأهيل أكد أن سيف الإسلام مازال مسجونا لديهم. واعتقل سيف الإسلام في منطقة صحراوية قرب مدينة أوباري (200 كم غربي سبها) يوم 19 نوفمبر 2011 خلال أحداث الإطاحة بحكم والده معمر القذافي فيما يقبع حاليا في سجن الزنتان. ويواجه سيف الإسلام تهما عديدة تتضمن “التحريض على إثارة الحرب الأهلية والإبادة الجماعية وإساءة استخدام السلطة وإصدار أوامر بقتل المتظاهرين والإضرار بالمال العام وجلب مرتزقة لقمع الاحتجاجات التي اندلعت لإسقاط نظام والده.
وفي وقت سابق أصدرت محكمة الاستئناف بطرابلس حكما بإعدام ثلاث شخصيات محسوبة على نظام معمر القذافي من بينها نجله سيف الإسلام. وقال حينها محسوبون على النظام السابق وحتى ناشطون مستقلون عن المجتمع المدني إن هذه الأحكام جاءت بضغط من ميليشيات فجر ليبيا الإسلامية التي كانت آنذاك تسيطر على العاصمة طرابلس. وبعد ساعات من صدور الحكم، أقر مجلس النواب المنعقد في طبرق، شرق ليبيا، قانون العفو العام عن كل الليبيين المسجونين الذين لم تتلطخ أياديهم بالدماء.
ويرى عدد من المراقبين أن قانون العفو العام لا يشمل سيف الاسلام بالاستناد إلى التهم الموجهة إليه، لكن المحامية الليبية فاطمة أبوالنيران قالت إنه لم تثبت على سيف الاسلام أي تهمة من التهم الموجهة إليه، وباعتبار أن الأخير مسجون في مدينة الزنتان التابعة للحكومة الليبية المؤقتة رغم وقوعها غرب البلاد، فإنه من الواجب على الجهات المعنية إطلاق سراحه. وفي خضم هذا الجدل مازالت محكمة الجنايات الدولية تطالب بتسليمها سيف الإسلام الذي تتهمه بارتكاب جرائم حرب ابان أحداث الإطاحة بنظام والده سنة 2011.
إلى ذلك، قال عضو فريق الدفاع عن سيف الإسلام أمام محكمة الجنايات الدولية كريم خان في تصريحات إعلامية الخميس، إنه لا وجود لسند قانوني يسمح لمحكمة الجنايات الدولية بمحاكمة موكله ثانية، باعتبار أنه حوكم في بلده. وأضاف "أنه يتعين على المحكمة الدولية أن تنظر في الأمر قانونيا، حتى لا تبدو وكأنها تتدخل سياسيا في مشهد ليبي مضطرب". وعقد فريق الدفاع عن سيف الاسلام الذي قام هو بتعيينه لأول مرة والمتكون من 4 محامين من بينهم ليبي وبريطاني، مؤتمره الصحافي الأول الإثنين الماضي. وكانت المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية قد طالبت بوضع آمر كتيبة أبوبكر الصديق العجمي العتري المكلفة بحراسة سيف الإسلام، على قائمة العقوبات في حال مواصلة رفضه تسليم سيف الإسلام القذافي لمحكمة الجنايات الدولية.