العلاقة التي تربطني بالشاعر عبدالمولى البغدادي وديوانه الوحيد "على جناح نورس" بدأت منذ أن أطربتني موسيقى كلماته أثناء حضوري أمسية شعرية نظمت في ليلةٍ رمضانية شتائية ممطرة، فكتبتُ مقالاً عنه بعنوان "البغدادي يصدح شعراً"[1] اختتمته باستفزاز الشاعر ودعوته لاصدار ديوان يضم تلك الباقات والإبداعات الشعرية لكي ينتشر الكلام الجميل واللغة العذبة والفكر النير الذي تحمله قصائده المختلفة، وتلقى الشاعر ما كتبته عنه بفرح بالغ حين نقلت له الأسلاك والذبذبات حروف المقال عبر الهاتف إلى مالطا فظل منتشياً بها حتى رجوعه من غربته وزيارته لي في بيتي حيث بدأت قصة طباعة ديوانه الوحيد التي قمت بها على جهاز الحاسب الآلي رفيقي في ذلك الدكتور سعدون السويح.
وبعد أن صدر الديوان كتبتُ دراسة بسيطة للتعريف به فجاء فيها ("على جناح نورس" الديوان الأول للشاعر د. عبدالمولى البغدادي ظهر مؤخراً في 381 صفحة من الحجم المتوسط، يتصدره إهداء لوالده المرحوم محمد البغدادي والمرحوم إسماعيل السويح والد الدكتور سعدون السويح الذي تولى تقديم الشاعر والتعقيب والتعليق على قصائده بتحليل متميز أضفى على نصوص الديوان بعداً جمالياً وفنياً بأسلوب بلاغي رقيق. وبعد الإهداء نقرأ في ثلاث صفحات منفصلة مختارات شعرية لكل من الشعراء: أحمد رفيق المهدوي، ونزار قباني، وصلاح عبدالصبور على التوالي. وقبل أن نصل مقدمة الديوان يفاجئنا الشاعر بقصيدته "مساء الخير والشعر" وقد برر اختياره لها هذا الموضع. قبل المقدمة وبقية النصوص، باعتبارها أول قصيدة ألقيت في استهلال أول أمسية شعرية نظمها له مركز جهاد الليبيين بمدينة طرابلس. وعند تصفح الديوان نلاحظ أن الشاعر لم يراعِ التسلسل الزمني أو التاريخي في تتابع قصائده، بل صنّف ديوانه حسب الأغراض الشعرية الأساسية التي اختارها له وهي:
• أولاً: "القصيدة المدخل" وهي قصيدة مدخل لمن أراد أن يقف على بعض مفاتيح شاعرية البغدادي، وهي تقع في 107 أبيات مقسمة إلى ستة مقاطع.
• ثانياً: "هل يسمح الخليل أن أثور؟" وهي قصيدة تستأذن الثورة على التقليد برمزية مكثفة في نسق إبداعي جميل يمكن توظيفها للتعبير عن مناحٍ متعددة ومختلفة في الحياة.
• ثالثاً: القصائد القومية، وعددها اثنتا عشرة قصيدة هي على التوالي "جراحات لبنان" و"برقية عاجلة إلى بلقيس" و"يا من يغار على اليمن" و"لقاء وحوار" و"أطفال ورجال" و"شكراً مندوبة أمريكا" و"رسالة شعر إلى أمين جامعة الدول العربية" و"تعزية حرّى إلى أنصار بيريز العرب" و"حوار مع الشابي حول إرادة الحياة" و"أين حكام العرب؟" و"على سلم الطائرة" و"لقاء وعودة".
• رابعاً: أغنيات إلى ليبيا، وهي أربع أغنيات متنوعة تناولها التقديم مجتمعة وهي على النحو التالي: "الإحساس بالفجيعة من خلال محنة الغربة" و"عندما تسبح النسور" و"عندما تلجم النوارس" و"عيد الغربة".
• خامساً: الوجدانيات، وتتضمن سبع قصائد هي: "نزيف الغربة" و"وجه بلا قناع" و"الإبحار إلى المجهول" و"أحبة قلبي عللوني بنظرة" و"أشواق عربية مهاجرة إلى الحبشة" و"عندما ينتصر الحب" و"وقفة على الشاطئ الستين". والقصيدة الأخيرة هي الوحيدة من بين قصائد الديوان التي دوّن الشاعر تاريخها.
• سادساً: المراثي، شخوص ثلاثة غائبين كانوا حاضرين لدى الشاعر فسجل في هذا الجزء من ديوانه تصويراً لحالته لحظة سماع نبأ رحيلهم إلى الدار الآخرة، ربما ليستمر حضورهم معه ويمتد إحساسه إلى عشاق شعره ليشاركوه هذا الحضور الحزين المؤثر لشخصية كل من: عبدالله الهوني، وأحمد الفنيش، وخالد السوكني.
• سابعاً: السعدونيات، تتضمن سبع قصائد بطلها الدكتور سعدون السويح رفيق الشاعر والذي سمّى هذا الجزء نسبة إليه، وهي: "سعدون والسمراء" و"مناجاة" و"شؤون" و"المعزون كلهم سعدون" و"سحابة صيف" و"حيرة وارتقاب".
• ثامناً: بكائيات على مقام العشق النزاري، وهي رثائية الشاعر في فقيد الشعر العربي المرحوم نزار قباني، وقد خصها بالتفرد في هذا الديوان ولم يشأ إدراجها في الجزء الخاص بالمراثي ربما لمكانة الفقيد الكبيرة في عالم الشعر العربي، وربما تقديراً للعلاقة المتميزة التي كانت تربط المرحوم نزار قباني بصديق الشاعر ورفيق دربه د. سعدون السويح، ومن خلال التوطئة التي كتبها د. سعدون والتي جاء تاريخها في 6/6/1998 نكتشف أن هذه القصيدة قد نظمت في الفترة ما بين ذاك التاريخ وتاريخ وفاة الشاعر في شهر أبريل 1998.
• تاسعاً: متفرقات، وهي خمسة قصائد متفرقة نشرت بدون توطئة أو تقديم وهي على التوالي: "الأهزوجة الخضراء" و"اللص الظريف والشيخ" و"تحية إلى كتاب علم الحشرات" و"على هامش ندوة البحث العلمي" و"إلى الزراعة في عيدها الثلاثين".
وهكذا حمل النورس على جناحيه اثنتين وأربعين قصيدة وحطَّ بها في عالم المفردات الرقيقة التي تسكن الأعماق بلا استئذان ولا تغيب، بل تظل حاضرة هناك تهز الوجدان على أنغامها الشجية، وحتى إن غفل الشاعر عن تدوين تواريخ قصائده - ماعدا قصيدة واحدة كما أشرنا - مما يؤدي إلى صعوبة رصد تطور شعره لغة وشكلاً، فإن التوطئات التي صاغها رفيقه د. سعدون السويح كانت بداياتها بتاريخ 13/11/1996 في مالطا حين انتهى من كتابة مقدمة الديوان التي تضمنت أيضاً السيرة الذاتية للشاعر ودراسة للوضع التعليمي والثقافي خلال فترة من الزمن في بلادنا، وآخرها كان بتاريخ 20/7/1998 بمدينة طرابلس حين أتم كتابة تعليقه وتحليله لآخر إنتاج الشاعر بتاريخ 28/4/1998 وهي قصيدة "وقفة على الشاطئ الستين" المهداة إلى الدكتور محمد أحمد الشريف…) [2]
وفي رسالة رقيقة بعث بها د. سعدون السويح شريك الشاعر في الديوان من مقر عمله في نيويورك حيث يعمل في الإدارة العربية للترجمة بمقر هيئة الأمم المتحدة ألقيت في الأمسية الشعرية التي نظمها مركز دراسات الجهاد الليبي للشاعر عبدالمولى البغدادي خلال شهر رمضان بتاريخ 20/12/1999 بمدينة طرابلس وصف فيها عملية إصدار الديوان فقال (... كان هذا الديوان تجربة مشتركة حاولتُ من خلالها أن أسهم اسهاماً متواضعاً في تقديم عبدالمولى البغدادي لجمهور القراء في ليبيا وخارجها.. وهو جدير بذلك، فشاعريته تشهد بها كل قصيدة كتبها.. ولنا أن نفخر به امتداداً لمدرسة الشعر الليبي الكلاسيكية ممثلة في رائديها الكبيرين رفيق والشارف، ولـكنه -في تصوري- يتجاوز الكلاسيكية إلى آفاقٍ شعرية أرحب، ورؤىً أكثر خصباً والتصاقاً بالإنسان والوطن والحرية، وهو وإن ظل مشدوداً إلى الشكل العمودي فقد عانق شعر التفعيلة في بعض قصائد هذا الديوان الرائعة، وحقق من خلال هذا الشكل انسيابية شعرية مدهشة دون إخلال بعنصر التكثيف في القصيدة. ولقد استطاع عبدالمولى في الشكلين العمودي والتفعيلي الإفلات من أسر القوالب القديمة، فجدّد في تشبيهاته واستعاراته وصوره الفنية، وقد بيّن في قصيدته المهمة "القصيدة المدخل" أن الشعر في "سفر دؤوب" بحثاً عن أرضٍ بكر، وعلاقات جديدة بين الألفاظ تتولّد منها آلاف الدلالات التي لم تكن من قبل، وهذا ما يجعل الشعر عملية "تفكيك" و"بناء" في آن واحد… وليس هناك في رحلة الإبداع قوالب أزلية لا محيص عنها، فالقصيدة تغير أثوباها دوماً، أما الجوهر الباقي فهو احساسنا بالشعرية تتدفق من خلال الكلمات، وتبعث فينا ارتعاشة الشعر التي يصعب تعريفها وتحديدها… تلك الارتعاشة هي قبس من نار الشعر الأولى لا يلقاه إلاّ عظماء الشعراء…).
أما الدكتور محمد الخولي فقد كتب في زاويته "استراحة البيان" يصف العلاقة الروحية بين الشاعر والدكتور السويح الذي استطاع أن يضيف الكثير إلى الديوان بقلمه الرشيق وفكره الواثق وخياله الخصب، فقال (… الأول يبدع القصيد، والثاني يكشف أسرار النغم ويفتق أكمام المعاني، ويغوص مثل ملاّح ماهر حانق في أعماق البحور والقوافي والأوزان بحثاً عن الدر الكامن في المعنى أو في الصياغة أو في السبك المحكم والبناء..) [3]
وفي تحليله لقصيدة "هل يسمح الخليل أن أثور؟" يقول الخولي بأنها (… تنتمي عمداً إلى النوع الإبداعي الذي عرفته العربية المعاصرة باسم الشعر الحديث … وقد أبدع فيه من قبل شاعرنا ومن بعده نوابغ وموهوبون كثر في مشرق الوطن ومغربه، من رجال ونساء… في مقدمتهم نازك الملائكة وشاكر السياب وصلاح عبدالصبور وفدوى طوقان وعبدالوهاب البياتي وعبدالمعطي حجازي وأحمد علي سعيد "أدونيس" وغيرهم كثير..) [4]، وحول نهاية القصيدة يستنتج (... في تصوري الخاص، فإن نهاية القصيدة لا ترضي الخليل نفسه، "لقد" اكتشف بحور الشعر وايقاعاتها لا ليرغمنا على عبادتها، ولكن ليمنحنا الفرصة كي نولّد منها دوائر لا حصر لها من الموسيقى، لكننا ظلمنا الخليل حين جعلنا منه وثناً، ومن ايقاعاته طبلاً يدق دون توقف: فعولن مفاعلين، فعولن مفاعل. الخليل قاد الاوركسترا الشعرية وعلّمنا فن قيادتها، لكنه لم يصادر حق الآخرين في قيادة هذه الاوركسترا من بعده، شريطة أن يكونوا عازفين مهرة قد تمرسوا بقواعد الفن..) [5]
وحول قومية الشاعر وعشقه للوطن العربي الكبير وتناوله لقضاياه المتعددة على امتداد الساحة العربية يعلل الدكتور الخولي ذلك بقوله (… فانظر وتأمل تلك الوشيجة التي تجدل مشاعرنا وانتماءاتنا ما بين المغرب والمشرق إلى الجنوب وهي وشيجة الوطن العروبي الواحد، وهي جديلة الانتماء القومي الموحد لا يهمه أن تقوم دعائمه على أساس الدم أو الأعراق بقدر ما تنشأ وتزدهي على أساس اللغة والفكر والتاريخ والثقافة ثم الرسالة الحضارية التي ما برحت تحملها على عاتقها أمة عريقة مازالت تناضل كي تؤكد مكانتها رغم الأوصاب…)[6]
وفي الشأن القومي أيضاً تبين الكاتبة اللبنانية رولا سعد أن الشاعر قد انشغل بمسألة القومية والوطنية وتحركت مشاعره العروبية ازاء الأحداث التي هزت بلاده والوطن العربي على السواء، وأوحت له مأساة الحرب في لبنان وفي اليمن وبطولات أطفال الحجارة ومهزلة السلام العربي الاسرائيلي وأثرت فيه تأثيراً كبيراً (.. فبدت فصائده هذه على كثير من الغنائية، يمتزج فيها الوطن بالذات ويصبح حضوراً وجدانياً، يصبح انساناً بكل خلاياه وأعضائه. وقد اتجه بعض منها اتجاهاً صوفياً، مجسداً تلك العاطفة الجياشة نحو الوطن الحبيب، تفوق أية عاطفة مهما بلغت من درجات التأجج…)[7]
نص اللقاء مع نورس شط الهنشير الشاعر عبدالمولى البغدادي
حين خطرت لي فكرت الكتابة للتعريف بالديوان، رأيتُ أن أتولى خلالها الغوص في أعماق الشاعر محاولاً إثارته لكشف بعض المعلومات التي يستفاد منها عند القيام بالدراسات النقدية والتحليلية لقصائده، ولم أجد أفضل من إجراء لقاء صحفي معه وحوار أتناول فيه الجوانب التي قد يحتاجها الناقد أو الدارس والقارئ عموماً عن هذا الشاعر، فقدمت له أسئلتي مكتوبة وجاءت ردوده عليها كما يلي:
- ماذا يعني لك إنتاج وإصدار ديوانك الأول؟
• لم أكن أحلم بأن يكون لي في يوم من الأيام ديوان من الشعر، ولم أتحمس لذلك لسببين، الأول: أن أغلب شعري ما هو إلاّ نفثات وجدانية من أحاسيس ومشاعر شخصية خاصة، قد لا تنسجم مع معطيات الحياة العامة بقيودها الاجتماعية والسياسية. والسبب الثاني: أنني لا أعتبر نفسي أحد فرسان الشعر الذين يبذلون أقصى جهودهم للتألق والشهرة.
- ما الذي يستفزك للكتابة؟ ومن يحدد شكل القصيدة ومكان ميلادها ومدة انجازها؟ هل هو المضمون أم لحظة التجلي الشعرية المفاجأة؟
• لا شيء يستفزني لكتابة الشعر غير الشعر نفسه. فقد تندلع الأحداث الخطيرة وتتضارب المواقف المثيرة وتلتهب العواطف حباً أو كرهاً، فرحاً أو حزناً، سعادة أو بؤساً، دون أن يحرك الشعر لي ساكناً. فالشعر كالجنون أمره غريب لا يخضع لمؤثر مهما عظم، ولا لموقف مهما تأزم، ولا لرغبة مهما اشتد جموحها، ولا لمضمون مهما استغرق من أسرار ومفاجآت، ولكنها انبثاقة التجلي في لحظة غير متوقعة.
- من خلال استعراضنا لقصائد الديوان يبرز الالتزام بالنظم الكلاسيكي التقليدي في معظم النصوص. كيف تنظر إلى التجديد شكلاً ومضموناً في الشعر؟
• في إحدى قصائد هذا الديوان قصيدة أطلق عليها أخي الدكتور سعدون اسم "القصيدة المدخل" لعل فيها ما يتضمن الإجابة الصريحة عن تساؤلك. الشعر -في رأي- لا يخضع ولا يمكن أن يخضع للحدود والقيود والقوانين التي حاول النقاد القدامى والمحدثون تكبيله بها، فكما تخطت الوديان والأنهار مساراتها ومنعرجاتها وأحجامها وأشكالها، تخطت القصائد الشعرية نسقها وملامحها وموسيقاها. والكلاسيكي قد يعود صيحة حديثة لها دويها وجاذبيتها ليس في عالم الشعر والفن فحسب، بل أيضاً في عالم الأزياء والديكورات والتصميمات المعمارية المتنوعة، وليس كل جديد بمرغوب، ولا كل قديم بمستقبح، المهم أن يكون لكل نوع من أنواع الفن والإبداع سماته وخصائصه التي تميزه عن غيره مهما قويت درجة التشابه.
فالشعر هو تلك الذبذبات والأجراس والموسيقى التي تعزفها المقاطع والحركات المطلقة والمقيدة وتتركب منها الكلمات والجمل الشعرية بحيث يكون هناك تماثل وتطابق أو تجانس وتوائم بين كل تلك الأنغام التي تحدد معالم القصيدة وتطبع كافة سماتها، شكلها ومذاقها عن أية قصيدة أخرى. فالنثر أيضاً جمالياته وسره، وانطلاقاته التي قد لا تتوفر في الشعر، لذلك فإنني لا أميل إلى دمج الجنسين في جنس واحد فيما يطلق عليه الآن (قصيدة النثر) وأرى في ذلك خسارة فادحة لكلا الجنسين: الشعر والنثر.
- هل في نظرك أن قصيدة النثر هي قصيدة عارية مفضوحة لا موسيقى فيها ولا قافية أم لديك تعريف آخر لها؟
• لعل في الإجاية عن التساؤل السابق ما يشير إلى هذه القضية الشائكة، وأضيف الآتي: لكل جنس من الأجناس الأدبية جماليته وسحره ومذاقه، وأيضاً سماته وخصائصه ومميزاته الشخصية، وإذا اختلطت هذه الأجناس فأخشى ما أخشاه أن نفقدها جميعاً أو أن تلتبس علينا الأمور فنحتاج إلى علامات دالة ونرجع من حيث بدأنا. فالأساليب الأدبية إما أن تكون شعراً أو نثراً ولا ثالث لهما. كما أن القصيدة لا تكون إلاّ شعراً سواء كانت عمودية أم مجزأة أم على نظام شعر التفعيلة، لذلك فإن المصطلح الحديث المتمثل في "قصيدة النثر" فيه دمج لجنسين لا حاجة لدمجهما هما: الشعر والنثر الأدبي أو الفني، والأفضل –في رأي- أن يطلق على هذا النوع اسم آخر غير "قصيدة النثر".
- يبدو من قصائد الديوان أنها تشير إلى مرحلة ثرية زاخرة بالإنجازات والإنكسارات على الصعيد الشخصي والقومي والوطني. هل بإمكانك تحديد هذه المرحلة ورصد التطور الذي طرأ على قصائدك من حيث الشكل والمضمون؟
• حين أتأمل مراحل عمري بتجرد كامل أشفق على هذا المخلوق الذي تشتت عمره في فجاج زمانية ومكانية متناقضة. فقد ولد ونشأ نشأته الأولى ووطنه يرزح تحت حكم الاحتلال الإيطالي. وفي أجواء عائلية يتردد فيها بين الحين والآخر أنين الحزن والأسى على فراق عائلها وفارسها محمد البغدادي، جد الشاعر الذي نفاه الإيطاليون ظلماً وعدواناً عن وطنه وأبنائه الرضع دون أن يعود إليهم أو ينقطع أملهم في الإنتظار بالتأكد من خبر وفاته. شهد فواجع الحرب العالمية الثانية بما جرّته على وطنه من حرب ودمار ولايزال أزيز الطائرات وأصوات المدافع والقنابل تمتزج في وعيه الطفولي بصرخات أسر القتلى والجرحى خلال تلك الغارات وهو يهرول خلف صيحات الفزع التي يبحث أصحابها عن مخبأ وملجأ بين تلك الجدران البدائية المتداعية. واكب مرحلة الانتداب الانجليزي بما يكتنفها من تشرد وفقر وخيبة أمل بهزيمة الجيش الايطالي لم تكد ترتسم على القلوب والشفاه إلاّ لتصطدم باستعمار آخر في ثوب جديد. ويعيش مرحلة الاستقلال والحرية ويتنفس الصعداء ليكتشف بعدها أنها ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة لا يعرف لها أول ولا آخر. وها هو الآن يحتضن مرحلة من أغنى مراحل حياته تجربة وعمقاً ووعياً.
هذا على صعيد المراحل الزمنية وما واكبها من أحداث، أما على صعيد المراحل المكانية وما صحبها من فرقة واغتراب فهي عديدة ومتنوعة، تبدأ بأربع سنوات للتحصيل في شرق وطنه، ثم بعدها مباشرة بسبع سنوات في القاهرة (65-1971) ليشهد أوج العهد الناصري بشموخه وانتصاراته، وبكل أسف ومرارة يكابد جراح الهزيمة في نكسة يونيو 67 لتتوالى بعد ذلك الانكسارات النفسية والمادية، ويشهد رحيل البطل والزعيم جمال عبدالناصر، ويبدأ في مصر عهد جديد.
وهناك مرحلة أو لنقل محطة من المحطات المكانية التي توقف فيها قطار هذا المسافر تعد من أخصب مراحل اغترابه، وهي مرحلة الحبشة (1982-1988) وفي أحضان تلك الواحة السمراء تفجرت في أعماقه ينابيع الحنين إلى الوطن والشعور بالغربة والوحدة. ويتضاعف هذا الإحساس بالغارة الامريكية على حمى وطنه الآمن، وبموت رفيق دربه وصديق عمره المرحوم عبدالله الهوني الذي يهزه هزاً عميقاً. إلى غير ذلك من الأحداث المحلية والقومية والتي آخرها مرحلة الاغتراب في جزيرة مالطا التي لبث فيها ما يزيد على الست سنين والتي أضاف إلى شواطئها الملتفة حولها شاطئاً آخر هو "الشاطئ الستون" وذلك في قصيدته "وقفة على الشاطئ الستين" التي ناجى فيها هذه الجزيرة. أما التطور الذي طرأ على قصائدي من حيث الشكل والمضمون خلال تلك المرحلة الطويلة عبر الزمان والمكان فاترك الحديث عنه لغيري لأنه لا يهمني من كل القصائد إلاّ أنها قطعة من كياني، وفلذة من فلذات إحساسي ووجداني.
- د.سعدون السويح تبدو بصماته واضحة وأنفاسه فوّاحة بين سطور ديوانك. هل كان شريكك في الديوان؟ وكيف بدت لك قراءته وتحليلاته لنصوصك وصياغة سيرتك الذاتية؟
• الدكتور سعدون السويح بالنسبة لي يمثل الواحة الوارفة الظلال والينبوع المتدفق بأعذب ما تتوق إليه الأحاسيس والمشاعر، والمرآة الصافية الشفافة التي استشف فيها أجمل وأحى وأمتع ما في الرياحين والينابيع والمرائي من نشوة وسعادة وأمل. ولا أقول أنه شريكي في هذا الديوان وحسب بل إنه المتبني له والمحرض عليه والدافع به إلى حيز الوجود. أما عن تحليلاته وتعليقاته وتعقيباته فهي قصائد أخرى تسكن قصائدي وتحلق بها في اتجاهات ومجالات وآفاق أرحب، قصائدي بدونه مجهولة الهوية، خرساء لا يسمعها ولا يفهمها أحد. مغلولة اليدين ومعصوبة العينين، فانقلبت بلمساته الساحرة إلى مخلوقات أخرى بإمكانها أن تعرّف بنفسها وتتعرف على الآخرين وتستنشق عبير الحياة .. فما أسعدني به، وما أسعدني ببصماته الواضحة وأنفاسه الفوّاحة بين سطور ديواني.
- إصدار ديوان شعر ليس بغريب على الشاعر.. ولكن وجه الغرابة قد يظهر في بداية التفكير أو توقيت الإصدار. بالنسبة لك متى وكيف تولّدت لديك الرغبة في إصدار الديوان؟
• قبل منتصف الثمانينات لم أكن أتصور نفسي صاحب ديوان من الشعر، حيث أنني كنت أتردد كثيراً قبل نشر أية قصيدة لي، وكثيراً ما غيّرت رأي في آخر لحظة، إلى أن أوقعني جمع من الزملاء في مأزق حرج لم أستطع التراجع عنه، وكان على رأس هؤلاء الزملاء د. محمد الجراري مدير مركز جهاد الليبين، حين كنت أتابع إحدى محاضرات المركز الأسبوعية "الاربعائية"، وفي نهاية المحاضرات حدثت بعض الوشوشات والهمسات ولم أكن أدري بأنني ضحيتها إلى أن أعلن د. الجراري على الحاضرين بأسلوب يتسم بالتوريط والشماتة أنني سأكون بطل أمسية شعرية في الأسبوع القادم. ولما ذهبت جميع محاولاتي للتملص أدراج الرياح اشترطت عليهم عدم إشاعة الخبر والتحفظ في الإعلان عنه. ومن بين ما اشترطت عليهم أيضاً تحمل المسئولية معي في اختيار قصائد الأمسية. وقبيل الموعد بثلاثة أيام استضافنا أحد الزملاء في بيته للإعداد لذلك والأطرف من هذا أنهم لمزيد من الإطمئنان عليّ أجبروني على إلقاء بعض القصائد المختارة أمامهم خلال هذه الاستضافة للإستفادة من توجيهاتهم وملاحظاتهم في كيفية الإلقاء وما يتصل به من توزيع الابتسامات والإشارات لإثارة الجمهور. وقد تولى د. سعدون السويح مهمة الملقن شريطة أن أكون مطيعاً في تنفيذ توجيهاته. وبعد انتهاء الأمسية بسلام بدأت فكرة الديوان تلوح في الأفق إلاّ أن العقبة الكبرى التي كانت تحول دون ذلك هي الفوضى الضاربة أطنابها في حياتي، وشيء مخجل أن يعترف الإنسان بذلك، والأشد خجلاً من ذلك أن يتلذذ بهذه الفوضى، ورحم الله من قال "ولذيذ الحياة ما كان فوضى"، فأوراقي مبعثرة تتقاذفها الأهواء والظروف وأيدي الأصدقاء، إلى أن كانت تلك الليلة التي لا تنسى حين قادتني الظروف لزيارتك في بيتك ولم أكن أدري يا أخي يونس أن تلك الزيارة ستحدث انقلاباً فيما درجت عليه من التسيب واللامبالاة في لملمة أوراقي المبعثرة، وكانت المفاجأة المذهلة التي أترك لك فرصة الحديث عنها، فلعل بعض الفوضويين من أمثالي، ولا أعتقد أنهم كثر، يستفيدون منها، ويكتشفون مدى الخسارة الفادحة التي تسبب فيها الفوضى.
- أحمد رفيق المهدوي ونزار قباني وصلاح عبدالصبور أفردت لهم أبياتاً مختارةً في صفحات ديوانك. ماذا يمثلون بالنسبة إليك من بين العديد من الشعراء العرب عبر العصور والأجيال المختلفة؟
• هؤلاء الشعراء الثلاثة ونصوصهم المختارة والمثبتة في صفحات الديوان الأولى، على الرغم من اعتزازي بهم وإكباري واحترامي لهم فإن صديقي د. سعدون هو الذي أثبت هذه الاختيارات بعد تردد مني ولم أتدخل إلاّ بشيء واحد هو مناشدته في حجب نصٍّ للمتنبئ وضعه في الصفحة الأولى، لأنه قد يشير إلى ادعاء لستُ أهلاً له، فوافق على ذلك مشكوراً شريطة الإبقاء على بقية النصوص. وللأمانة فإنه ليس لي في الديوان إلاّ الشعر والتوقيع معه على الإهداءات، أما البقية بداية من العنوان والغلاف ونهاية بالفهرس فإنها لأخي سعدون.
- لديك العديد من القصائد في مجال الشعر الفكاهي أو الناقد أو الهازل، كما لديك مطارحات شعرية مع العديد من زملائك وأصدقائك أبرزهم د. أبوالقاسم خماج، فهل ستصدر هذا النوع من القصائد مستقبلاً في ديوان آخر؟
• الشعر الفكاهي أو الهازل أو الضاحك شغل حيزاً كبيراً في مساحات شعري، ولعله الجانب الأهم والشغل الشاغل والجواد المرفه المطواع الذي أرى بعينيه ويرى بعيني، ولديّ منه كميات وكيفيات، وقد لا يمكن لبعضها أن يرى النور لما فيه من خصوصيات، ويقع البعض الآخر في منطقة التردد بين الإقدام والإحجام، وقد يحتاج أغلبه لترويضٍ وتدليلٍ يحدّ من جموحاته وانفلاتاته. أما الجانب الملتصق بمشاهد ومواقف حساسة فقد يحتاج إلى أخطر العمليات الجراحية ليتمكن من التأقلم والتعايش، ولا أظنه بعد ذلك يقوى على المشي إلاّ بأطراف صناعية. وفي هذه الأسباب تكمن صعوبة الإقدام على نشره، وهناك مقطع من "القصيدة المدخل" يتحدث عن جانب من جوانب فلسفة الشعر الهازل. وتبذل في الوقت الحاضر المساعي لجمع بعض شتاته ونشره بعنوان "النورس الضاحك" وقد يحتاج إلى بعض الوقت ولكن العزم معقود على تحقيق هذا الهدف إن شاء الله.
- ما هو مستقبل الشعر في ظل انحسار مساحات التعبير الوجداني نتيجة التطور الآلي والتقني، وتراجع الفضاءات الإنسانية أمام الزحف المادي للحياة بصورها المختلفة؟
• إن الزحف المادي والتطور الآلي والتقني لا يتعارض مع مسيرة الفنون بشتى أنواعها. فالفضاءات الإنسانية كما عبرّت عنها، يا أخي يونس، بما تزخر به من مشاعر وأحاسيس ورغبات لن يطرأ على مساحاتها أي انحسار أو تقلص بل على العكس من ذلك سوف تلهب في الفنان ملكة الإبداع وتذكي رؤاه بمختلف الوسائل التي أتاحتها له جهود التقنية الحديثة في شتى المجالات، وهناك حقيقة لا مجال لإنكارها وهي: أن التقدم الحضاري لأي شعب من شعوب الأرض يقوم على دعامتين اثنتين هما: العلوم والفنون، فلا يمكن أن تزدهر العلوم دون مواكبة الفنون. كما أن الفنون وحدها لا تنتعش في بيئة متخلفة علمياً واجتماعياً، وهذا ما لاحظناه ونلاحظه في أدبنا العربي، ففي فترة ازدهاره في المشرق والمغرب كانت تدرس الكيمياء والرياضيات والفلك والموسيقى، فالانحدار والانحطاط يتبعه انحدار وانحسار في كل شيء والعكس صحيح، لذلك فإنني أطمئنك يا أخي يونس على مستقبل الشعر، وإذا كان هناك من تخوف فإنه يعود إلى الأثر الذي يمكن أن يحدثه التقدم الآلي في نوعية الشعر وكيفية عرضه وتقديمه للناس. فالشعر العربي له قواعده وأصوله وضوابطه، وما لم تكن هذه القواعد راسخة في أعماق الذهن فلا يمكن للشعر أن يظل متربعاً على عرشه الذي ألفه منذ ما يقرب من ستة عشر قرناً، وليس معنى ذلك أن يتلاشى ويتبخر، كما يتصور البعض، بل سيبقى ما بقيت الذاكرة العربية "ولن يدع الشعر حتى تدع الإبل الحنين" وشيء من طبيعة الإنسان العربي يكمن في نفس الشاعر ولا شيء يهز الوجدان العربي أكثر من إنشاد الشعر.
- بالرغم من أن ديوانك مسكون بالعديد من الأمكنة والشخصيات فإن حضور الأنثى كان غير مثير أو فاضح. ماذا تعني لك تلك الأمكنة والشخصيات… والأنثى؟
• كثيراً ما يتوجه لي بهذا السؤال واحتار في الرد، غير أنك أيها الصديق العزيز في هذه المرة لا تسألني عن حضور الأنثى من حيث هو حضور عام بل تعني ذلك الحضور المثير الفاضح الذي يلتمس مواطن الإثارة في المرأة، ويحرك غريزة الجنس، على طريقة نزار قباني رحمه الله، الذي هوجم كثيراً بسبب كشفه عن هذا الجانب في المرأة، والحمد لله أنك لم تجد شيئاً مما تعنيه وإلاّ لتوجهت إليّ باللوم والتأنيب لأني أقرأ لك وأعرف صورة المرأة ومكانتها في إنتاجك الإبداعي أو الوصفي، ومع ذلك فإنني لا أبرئ نفسي من بعض السبحات في لجج وتيارات تتفاوت في أعماقها وأنواع أسماكها وعذوبة أو ملوحة مياهها، على أن الشعر إحساس ومشاعر، والمرأة ليست إثارة فاضحة فقط بل إنها عالم غريب مسكون بكل ما أودع الله وأبدع في خلقه من أسرار فهي الأم الرؤوم وهي الزوجة والابنة والأخت، كما أنها الخطر المدمر أحياناً كما عبرتُ عن ذلك لحظة تمرد عاطفي في قصيدة "سعدون والسمراء": كل النساء حـرائق ورديـّة... كم أحرقت قلباً وكم جرحت يدا.
وكم كنت أشاركها أحزانها ودموعها فيما يقع عليها من ظلم من طرف الرجل، وأحياناً ألتمس لها الأعذار وأتحمل عنها الأوزار في أشنع وأبغض ما يمكن أن تمارسه المرأة، كما في قصيدة "أشواق عربية مهاجرة إلى الحبشة" ولو اطلعت يا أخي يونس على ما هو مثبت في الديوان لغيّرت وجهة سؤالك. على أن الديوان لا يخلو من التعرض للأنثى تلهفاً وتشوقاً للقائها كما في قصيدة "حيرة وارتقاب" (ص 335) أو موقفاً عابراً كما في المقطع الأخير من قصيدة "الإبحار إلى المجهول" (ص 213) أو غيرة جامحة كما في قصيدة "سحابة صيف" أو حوار بين طفلة بطلة لم تبلغ الفطام وبين أم تغمر الدماء صدرها الجريح وتستغيث، لكننا معاشر الرجال تبلدت نخوتنا، فصرخات الأخت والزوجة والوطن لم تبعث الغيرة في الرجال كما في قصيدة "أطفال ورجال" (ص 113)، وفي ثنايا العديد من القصائد بعض اللمحات الأنثوية، على أنني لا أنكر الحب ولا أدعو إلى مجافاته أو وأده، فقد قلت في ذلك في معرض رثائي واعتذاري لشاعرنا العملاق المرحوم نزار قباني في قصيدة "بكائيات على مقام العشق النزاري".
- هل تعتقد الآن بعد هذه المسيرة من العطاء أن شعرك قد نقل مشاعرك بدقة وأعلن ما تود أن تبوح به أعماقك؟
• لا أظن. فقد تسعفني ربة الشعر حيناً فتبوح بما يختلج في أعماقي، ولكنها في أحايين كثيرة تتخلى عني وأنا في أمس الحاجة إليها لأن وهج الشعر لا يومض إلاّ بغتة، وإذا ما تكلفه الشاعر فإن أنفاسه الشعرية لا تلبث أن تضطرب وتتلاشى، وأعتقد أنه لا يوجد الشاعر الذي يملك السيطرة على الشعر في أية لحظة، وفي أي موقف من المواقف المثيرة للوجدان، وبذلك من الصعب الاعتقاد بأن شعري قد نقل مشاعري بدقة إلاّ في مواقف يسيرة لا تعد شيئاً أمام ما يختلج في نفسي من أحاسيس.
- البعض يرى أن التعامل مع الشعر بنظرة وظيفية تغييرية هو تعامل خاطئ. فهل ترى أن للشعر وظيفة محددة في المجتمع؟ وهل يمكن تحديدها؟
• الشعر - يا أخي يونس - لا يخضع للسيطرة والتوجيه، ولا يقبل بأي حال من الأحوال تحجيمه أو توظيفه بشكل مباشر مثله مثل سائر أنواع الفنون الأخرى، فالشعر بوح بما يختلج في النفس من مشاعر وأحاسيس، ونفثة من نفثات الوجدان، وحينما تكون هذه المنابع التي يتدفق فيها الشعر طبيعية صافية لا يعكر صفوها أي زيف أو انحراف في نفسية المبدع، يكون معبراً عن الشعور العام ومترجماً لأحاسيس المجتمع مهما كانت خصوصية التجربة التي يحاول الشاعر التعبير عنها. وبعيداً عن النظريات الواقعية والمثالية وغيرها من النظريات النقدية الحديثة المعقدة، وبكل بساطة نلاحظ أن الشاعر الحقيقي المبدع لا يخرج، ولا يمكن له أن يخرج عن نسق وإطار الحياة العامة بما تزخر به من طموحات وتطلعات مهما أوغل في الكشف والتحري وحلق بعيداً في سماء الخيال.
- الهم القومي والحنين إلى الوطن عنصران يبرزان بشكل واضح في ديوانك.. هل يمكننا القول إن هذا الشعور كان نتيجة للسنوات الطوال التي حلق فيها النورس بعيداً عن الوطن؟
• حب الوطن من أقدس أنواع الحب وأطهرها على الإطلاق. وكما تتوق الطيور إلى أوكارها، والكواكب إلى مداراتها، والطفل الرضيع إلى أحضان أمه، يتوق الانسان إلى مسقط رأسه ومراتع صباه، وهذا هو الحب الطبيعي، فإذا أضفنا إلى ذلك عوامل الشوق والحنين واللهفة بسبب الغربة والبعد عن الوطن الحبيب، فإن ذلك يحوّل الوطن إلى عشق صوفي وليس امتداداً جغرافياً خارج الذات. وتتسع دائرة الوطن لتشكل الوطن الأكبر عندما يطل عليه الشاعر من نافذة الغربة فتتراءى همومه وأشجانه بصورة أكثر إيلاماً وقسوة.
ـ إقرأ أيضا: يونس شعبان الفنادي: قصة ديوان البغدادي (على جناح نورس)
(*) نشر هذا اللقاء على صفحات صحيفة "العرب" العالمية، لندن، العدد رقم 5788 الصادر بتاريخ 5 يناير 2000، ص 10.
(1) صحيفة "الكلمة" شهرية يصدرها نادي الترسانة الرياضي الثقافي الاجتماعي، السنة الأولى، العدد 7 بتاريخ 26/3/1424 ميلادية، ص 10-11.
(2) صحيفة "العرب"، ص 10.
(3) صحيفة البيان، يومية شاملة، نيويورك، الولايات المتحدة، العدد 7068 بتاريخ 25/10/1999.
(4) صحيفة البيان، يومية شاملة، نيويورك، الولايات المتحدة، العدد 7075 بتاريخ 1/11/1999.
(5) المصدر نفسه.
(6) المصدر نفسه.
(7) صحيفة "الكفاح العربي"، بيروت، لبنان، العدد 2328 بتاريخ 14/7/1999.