حينما تشرق الشمس في الصباح تخرج اخنيفيسة إلى شرفة بيتها، تهتم بأشجارها، وتسقي أزهارها، وتحيي الأهل والجيران، وتغني بصوتها الجميل أحلى الأغنيات. أحب الجميع اخنيفيسة، فهي خنفساء ملونة وذكية، غنائها جميل يتردد في الغابة، فيخفف التعب عن الحطابين، ويسعد المسافرين...
وأخيراً.. وبعد استعمال جائر للعينين لبست (نظارة) وصار على أن أرى كل شيء حولي بمنظارين، وأنا التي تعودت على رؤية كل شيء بنظرة شمولية واسعة، تقرب البعيد، وتحتوي القريب…
لم تكن أصابعي اليوم هي التي ترسم قناديل المولد، وما خطت أناملي أبيات المديح والابتهالات فوق بياضها، وما كنت أنا من جهز (جريد النخل) وشق وسطها لحمل أنوارها، ولا كنت من اعد حلقات تثبيتها، ولا أنا من أشعل شموعها، ولست أنا من أنشد أبيات المدح والفخر والدعاء، ولا أنا من خط قصائد البغدادية والبردة والشوقية بين زخارفها...
لبيتنا أبواب سبعة؛ ما وجدت لها من مثيل، فحينما نقف على عتباتها نتحول إلى لوحات شوق تولع القلب بالحب، وحينما نطل من فرجاتها يغمرنا زهو يتراكض بجنبات القلب، مداخلها مكللة بفوح من عبق ساحر، يغرقنا دوماً بعطر مدسوس، مفاتيحها أسيرة للهفة، ورتاجها مرهون للأحباب
أحيانا تعيدنا الأشياء الصغيرة إلى أزمان البهجة بعدما نظن أننا نسيناها، اليوم توقفت ساعة يدي عن الدوران، واستكانت عقاربها للراحة، فقد تعبت من تلاحق الأيام، ولم أجد بديلاً عنها سوى ساعة أمي رحمها الله، كي تضبط اندفاعاتي
ما أن علمنا بأن ذلك الضيف الذي لا يحبه أحد قد اقتحم بيتنا دون استئذان حتى انزعجنا، وحل الاضطراب بيننا، فهذا ضيف كريه لا يحب استقباله أحد، وجوده يفسد ترتيب الحياة، ويجر بقدومه القلق والارهاق والتعب، ويمتص كل مظاهر السعادة والأمن، ويستنزف الجهد والوقت والمال