عنون الصحفي حازم صاغية مقاله عن ثورات الربيع العربي في صحيفة الحياة، بعنوان "... عن انهيارنا العظيم المتمادي"، ووضع الحالة الليبية كمثال للفشل، واصفاً إياها، بأكثر المراياً سطوعا، في الدلالة على: تراكب الثورة، الحرب الأهلية، الإنقلاب العسكري، والتدخلات الخارجية، وعرج إلى دور دول المنطقة في هذه التدخلات، مستفسراً، كيف يمكن لدول تعاني ذات الشروخ، ونفس هشاشة البنية السياسيىة، والعاهات العميقة التي تعانيها دول الربيع العربي، كيف لها أن تقوم بدور وساطة إيجابي لصالح هذه الدول؟ إن لم يكن هذا الدور فقط، لتعمل على تجنب الإنفجار داخل دولها.
يرد الكاتب جمال خاشقجي على نفس موقع صحيفة الحياة، بمقال أخر يحمل نفس المفردات التي عنون بها صاغية مقاله وأن جاءت كمحاولة للإجابة "كيف نوقف انهيارنا العظيم المتمادي؟"، بهذا العنوان، حاول خاشقجي في مقالته استعراض دور دول مجلس التعاون، أو ما أسماه بدور الإخوة الكبار في معاناة دول الربيع العربي.
يبدو التباين واضحاً بين المقالين، ففي حين أن صاغية عمم ما تعانيه المنطقة، بذات الأعراض، ووضع العلاج من وجهة نظره دون استثناء لأي دوله، فهو يدعو إلى إعادة النظر للذات، وتقييم تاريخنا الحديث، بوجهه المتلقي للإضطهاد، ووجهة المنتج له، هو يدعو الجميع إلى محاوله ذاتية للإنقاذ، قبل مطالبة العالم بإنقاذنا، واصفا الأمر بأن العالم ليس شفوقاً ولا معيلاً.
يعرج الكاتب خاشقجي إلى الوضع في ليبيا أيضاً، واصفاً إياه بأنه الفوضى التي غلبت الجميع، داعياً ومشجعاً دول التعاون لدعم عملية التغيير، ترشيدها، حل الخلافات الطبيعية التي ظهرت كنتيجة لعقود من الإستبداد تحت حكم قمعي ماتت فيه الممارسة السياسية، وافتقد الجميع مهارات التوافق والديمقراطية.
وأنا بدوري اتساءل: كيف هو شكل الحل الذي سيأتي من دول تعيش نفس الآلام، وتفتقد إلى تطبيق سليم لمعنى الحريات كواقع عملي؟ ليست الأوضاع هي الأسوأ في ليبيا، كما أن النظر لكل دولة وتشخيص واقعها على حدة يسهل الوصول لنتيجة أيضاً، وإن كنت أقف في صف الصحفي صاغية في تحليله أسباب علة دول المنطقة كظاهرة عامة.
بدأ تدخل دول مجلس التعاون في الشأن الليبي منذ بداية التغيير، واتخذ عدة اشكال، تنوعت من دولة لأخرى، بل إنها اختلفت أحيانا في تنوع مصادرها داخل كل دولة على حدة، كلاً منها كانت موجهة تحديداً لفريق بعينه. التدخلات تصب كلها في البداية لذات الهدف، وهو الإطاحة بالنظام السابق، وكلاً منها كان شعاره البراق الديمقراطية وحقوق الإنسان. لقد اجتمع الجميع على إزالة القذافي، لكن الأمر المؤكد هو أن الحرية وحقوق الإنسان والتطبيق الديمقراطي، لها معان مختلفة وطريقة تطبيق مختلفة في كل دولة، وهي في هذا تتلون حسب مصالح كلاً منهم... اتساءل تحديداً: مانوع المساعدة المزمع تقديمها من دول مجلس التعاون في هذا الوقت تحديداً؟
علق الصحفي خاشقجي في ذات المقال عن غياب الدور المصري، واصفاً إياه بالثقل الإستراتيجي ويأمل في عودة قريبة له، للمشاركة في تعديل مسار التاريخ حسب وصفه. فهل تتفق المملكة السعودية مع أهداف التدخل المصري أو تدخل دولة الإمارات في ليبيا مثلا؟
إن كان من تشبيه للحالة الليبية، فهي بعيدة في شكلها العام عن الوضع في العراق، كما في سوريا واليمن، وهم الجبهات الأكثر تعقيداً. اتفقت أمم الأرض على التدخل في ليبيا، لكنها أبدا لم تتفق في نوع وشكل المستقبل الذي ستشهده ليبيا، فكان تماما كما هو التدخل في شئونها، مفتوحاً لكل التوقعات، عشوائياً، مرحبا بكل الأفكار، حقل تجارب لكل المغامرين.
صانع القرار في ليبيا لا يرقى لمستوى دهاقنة السياسة الدولية ليتمكن من تفويت الفرصة عليهم أو يلعب معهم سياسيا، وهذا موضوع آخر، ما نحن بصدده، وإعادة التفكير فيه هو تدخل الإخوة الكبار وما سببه لنا من تشظي سنظل طويلا في تقديري، نعاني من التخلص من تباعاته، تباعاته التي يتطلب التخلص منها إرادة ليبية صرفة.