المكون الأساسي الذي يؤثر في صناعة القرار ومسار السياسات العامة في دولة ما،هو وعي وادراك الشعوب، ودقة اتجاه بوصلتها للصالح العام. نجاح الدول واستقرارها وبالتالي ازدهارها، هو نتاج محصل لترابط مكوناتها وتفاهماتها الغير المرئية في كثير من الأحيان، والتي تصب جميعها في اتجاه واحد هوالمصلحة العامة للدولة؛ كوعاء حاوي لكل مكوناته.
قد تخرج الشعوب لتؤيد حكومة ما أو تسقط أخرى والأمثله كثيرة لحالات مثل هذه. احتماليه وقوع هذه الشريحة، وهي التي تمثل النسبة الأكبر عددا، في الخطأ، كنتيجة للتقدير الغير سليم أو بناء على تكهنات تخطي وتصيب، يتراوح تقديرها بين دولة وأخرى. ففي حالات التداول السلمي للسلطه لا يبدو أن الخطأ في هذه الحالة ذا تداعيات كارثية، لأن الأمر يتلخص في عدة سنوات ويتم استبدال الحاكم ومعه كل فريقه. السؤال هنا ماذا لو استفرد الحاكم وحاشيته بالحكم وحول مؤسسات الدولة وفقا لسياساته واصبح من شبه المستحيل الفكاك من قبضته الفولاذيه؟ وهذا ما حدث كمثال، عندما وصل ادولف هتلر للحكم في المانيا؛ عن طريق صناديق الإقتراع؛ ثم استفرد بالحكم مهيمنا على صناعة القرار في دولته، دافعا بها في مغامرات كارثية النتائج. والأمثله المشابهه عديدة.
وإذا نجحت محاولة ما في دولة ما للإطاحة أو قلب نظام الحكم المستبد؛ فإن الأمرقد يتحول إلى كارثة قد تفضي إلى القضاء على الدولة وربما مسح وجودها من على الخارطة. والأمثلة هنا كثيرة ولعل سوريا وليبيا الأقرب إلى الذهن.
الشعوب هي من يصنع الديكتاتوريات؛ ويبدو أن قلة وعي الشعوب يزيد من استطالة عمر الأنظمة الحاكمة. الشعوب هي المحرك الأساسي ـ كما أسلفت ـ ووعيها بحد ذاته هو سلاح يقلص عمر الأنظمة المستبدة بشكل كبير. ولكن هل طول أمد الصراع مع الأنظمة المستبدة هو الخيار الوحيد أمام الشعوب؟ أم أن هناك مقاومة لينه من الممكن أن نتبناها كخيار؛ تعتمد على تقوية النسيج المجتمعي وتجعله مستجيبا للتغيير بشكل غير مباشر. فقوانين الطبيعة المبنيه على التجانس، المرتبطة فيما بينها؛ هي قابلة للتغيير وفقا لمسارات الأحداث ومستجداتها.
في نقاش دار بيني وبين سيدة فاضله من سوريا حول الأوضاع في سوريا وما آلت إليه الأمور جراء التدخل الدولي وخراب البنية التحتية والقضاء على الإنسان السوري في عقر داره. اجابت السيدة أليس لنا الحق في حياة كريمة ومؤسسات قوية ومشاركة في صنع القرار السياسي؟
لنبدأ بالمشاركة السياسية، في الواقع أن مجموع الأحزاب في دولة ما من مجموع الناخبين لا يتجاوز في أحسن الظروف 40٪ من المجموع الكلي لعدد من ينطبق عليهم شروط المشاركة في الدول التي تطبق الحق السياسي. في دولنا؛ هذه النسبه أقل بكثير فكل ما تريده الشعوب هو مطالب حياتيه بسيطة واسثتمار ذكي لمواردها؛ النسبة الأكبر تفضل الإبتعاد عن هموم السياسية. بل وصل الأمر في بعض الدول إلى استهجان وجود الأحزاب السياسية، ففي ليبيا مثلا، علت مطالبات جادة؛ بتأجيل الحق في تكوين الأحزاب وعملها حتى تتكون الدولة وتقوى مؤسساتها.
الشعوب هي من يأتي بالحاكم المستبد وهي من تشجعه على المضي قدما في استعبادها، لكنها أيضا تجيد النحيب وتسليط جام غضبها على الأنظمة التي نصبتها، عندما تتكشف لها الحقيقة مع مضي الزمن. وعندها يصبح تغييرالحاكم المستبد هو الهدف الأول والوحيد؛ وكأن تغييره هو العصا السحرية التي ستقلب الأمور رأسا على عقب، وتعيد كل شئ لنصابه العادل.
المعارضة ثقافة وعلم، ومن يجد في نفسه القدرة، فهناك مجالات سلمية ومتعددة لتحقيق هذا الغرض. نحن نستمر سنوات وسنوات ونقضي عمرنا في افشال سياسات الأنظمه المستبدة وننسى في غمرة انشغالنا هذا، أن علينا واجب أخر وهو تقوية النسيج المجتمعي ليكون قابلا وممتصا للتغيرات التي تطرأ على المجتمع جراء الممارسات المتسلطه أيا كان نوعها وشكلها ومصدرها. نفني جهودنا في مقاومة الظالم ويفنى الظالم جهده ومقدرات دولته في القضاء على المعارضة ويظل الصراع بأشكاله المتعددة يطل على الشعوب البائسة التي تتحول حياتها لسلسلة من الإنتظار لا نهايه لها.
التقدم له عدة مسارات: البنية التحتية، الإقتصاد، التعليم، الصحة، وغيرها. والدول تحتاج للإهتمام بكل هذه المجالات لتنهض. يبدو حلم الدولة المدنية صعب التحقيق مع بنيتنا الشعبيه الهشة، والتصارع المحموم على السلطة؛ والذي لن يحسمه، كما تقول الأحداث، إلا انتصار عسكري لأحد الأطراف دون الأخر. فماذا نحن فاعلون؟ هل يستمر الصراع لإزاحة المنتصر؟ ونعيش معاناة جديدة. أم يتجه الكل لبناء البلد واستقراره واصلاح اقتصاده المنهار وتقوية نسيجه المجتمعي بطرق سلمية مرنة.