اقتربت عدسة المصور كثيراً من رأس الحقنة التي تُغرز بهدوء في ساق الزهرة الصغيرة، في حين أطبق على قاعة السينما صمت أكثر من الأول حتى خال لي كما لو أن الجميع كتم أنفاسه، وأن الجميع تصور رأس الحقنة تُغرز في فخده، وبدا ذلك جلياً حين سُمعت بأرجاء القاعة تنهيدة كبيرة في مرة واحدة إثر سحب الحقنة من ساق الزهرة، في حين صدرت همهمة بين الكراسي تُبدي تعاطفاً مع الزهرة الصغيرة وضد هذا المجرم، وصدرت همهمة أخرى خففت فيما بينهم من سخطهم وقللت من خطورة الإيدز على الأزهار، ذلك أن الإيدز الذي يقتل البشر لا يقتل الأزهار، وكل ما يفعله بالزهرة هو إخماد عبيرها. فالأزهار لا تموت من الإيدز لكنها قد تذبل.
كان الفلم مترجماً إلى العربية، وعرفنا من سطرين أو ثلاثة أسفل الشاشة لصوت مجهول يقول لنا أن النحل قد لا يعود ويأتي إلى هذه الزهرة الصغيرة، لا لتلاشي الفواح منها وحسب بل أيضاً لأن النحل يخشى أن تنتقل له عدوى الإيدز ويموت، ولو عرف النحل بانتشار الفيروس في جسد الزهرة الصغيرة عندها سوف ينظر لها كجسد موبوء ويفر من حولها.
بعدها شاهدنا شخصاً يقف ويتراجع خطوتين إلى الوراء وأسارير وجهه تنفرج فرحاً، في إشارة إلى أن النحل الذي كان طنينه يسبب له طنيناً في رأسه لن يعود ويأتي ويطن في رأسه . كانت الحقنة في يده اليمنى ويده اليسرى على الجهة الأخرى بعيداً كأنها تخشى من بقايا إيدز ما زال عالقاً على رأس الإبرة، وسمعناه يتكلم في ترجمة تتوعد الأزهار والنحل الذي لطالما طنَّ في رأسه، ليختفي المشهد في الظلام وينتقل إلى صورة توحي بمرور زمن تظهر فيه الزهرة الصغيرة كما لو أنها تعاني من مرض الإيدز، وتظهر بقية الأزهار المجاورة لها كما لو أنها تتأسف وتبدي تعاطفاً كبيراً معها، ثم فجأة يموت صاحب الحقنة . لا أحد توقع موته المفاجأ لكنه مات.