مقالات

د. جمعة أحمد عتيقة

هل نحن في حاجة لعدالة انتقالية؟

أرشيف الكاتب
2016/09/06 على الساعة 18:26

العدالة الإنتقالية مفهوم قانوني وخريطة حقوقية حديثة المنشأ أملته ظروف التحولات الجذرية والثورات الشعبية التي جرت في عديد من دول العالم مما استوجب البحث عن طريقة تضمن الإنتقال من ارث استبدادي شمولي الى افق ديموقراطي واعد بما يضمن معالجة الإشكاليات والمعضلات التي افرزتها مرحلة الإنتهاك والتسلط وبما يحقق (العدالة) أثناء مراحل هذا الإنتقال.. ضمن إجراءات إرشادية محددة.. وقد نجحت هذه (الوصفة) القانونية في معالجة تعقيدات وارتباكات الإنتقال في كثير من الدول التي توافرت فيها الظروف الموضوعية لإتجاهها..

نحن والعدالة الإنتقالية؟

بعد قيام ثورة 17فبراير والتي جاءت بعد تراكمات طويلة امتدت لعقود من الإستبداد والشمولية ومصادرة كل ما يمتّ لمفاهيم الديموقراطية والمشاركة السياسية بصلة وجدنا انفسنا نواجه واقعاً جديداً معقّداً تسيدته اصوات الرصاص وخضبه نزيف الدم في معركة شرسة بين النظام الذي عمد الى عسكرة الثورة وبين القوى التي لامست حلماً كان بعيد المنال وهوتحطيم صرح الإستبداد والظلم.. وما أن سقط النظام.. وبدأنا نواجه واقع بناء الدولة وصنع المستقبل.. وبعد أن استنفذنا مخزون الفرح والبهجة وبدأت نشوة الإنتصار تخبوأمام استحقاقات الواقع الجديد حتى برز سؤال مركزي (ما العمل؟) فكان أن عمدنا الى (استيراد) مفهوم (العدالة الإنتقالية) وتعاملنا معه تعاملاً يعتمد على النقل والإستنتساخ دون فحص وتدقيق (قطع ولصق) وعمد البعض الى تلقين وحفظ قواعده عن ظهر قلب وتحمسنا له ورأيناه حلاً سحرياً في حين كان الجميع (وانا أولهم ) نتلقى الوصفة  الجاهزة وكأنها حل سحري قادر على تحقيق الإنتقال الذي ننشده..فصدر قانونان “للعدالة الإنتقالية” من المجلس الإنتقالي والمؤتمر الوطني.. ولد هذان القانونان خذيجان لا قدرة لهما على الحياة ومعالجة ما كان ينبغي ان يعالجاه.. وأمام تعقيدات الواقع الشائك ورغم (خيام الأكسجين) فارق المولود الحياة غير مأسوف عليه من أحد جراء قصور الفهم وإنعدام الواقع الموضوعي الذي خُلق هذا المفهوم لمعالجته في دول اخرى.

أين الخلل؟

ان اطالة أمد الصراع المسلح الذي امتد لعدة اشهر اثناء الثورة.. زاد من تعقيد الواقع وافرز اشكاليات مركبة لم تكن تراود أذهان من صمموا مفهوم (العدالة الانتقالية) النموذجي كما أنه أدخل قوى لساحة المعركة محمّلة بمشاريعها الأيديولوجية والجهوية وتتحصن بالسلاح الذي صار البلد متخماً به حتى الأسنان.. كما أن ما صاحب المعركة المسلحة من انتهاكات لحقوق الإنسان أثناء وبعد نجاح الثورة (وصل الى حدّ تماهي الضحية بالجلاد)!! قد زاد من ارباك المشهد.. كما ان ارتفاع الأصوات الموتورة والجامحة والتي اعتمدت تصنيفات قاهرة ومفاهيم جهوية مناطقية.. قسمت البلاد الى (مدن ثائرة.. ومدن موالية) قد زاد التعقيد تعقيداً بل وصل الأمر الى حدّ الدعوة الى اعتماد مفهوم (عدالة المنتصر) وأن الثورة انتصرت وليس امام خصومها سوى الرضوخ أوالإزاحة والإقصاء بل وحتى (الإجتثاث) وقد غذّى هذا الإتجاه وجود قوى سياسية ترنوالى السلطة والتسلط وتهدف الى تنفيذ مخططاتها في الهيمنة وفرض النموذج الذي ترى انه يحقق لها (التمكين) والهيمنة.

وإذا اضفنا الى ذلك التدخلات الأجنبية (اقليمية ودولية) تجلّت لنا ملامح المشهد الشائك كما أن غياب (ثقافة التسامح) وتغوّل نزعات الثأر والإنتقام وبراثن الوهم الذي لفت بعض القوى السياسية وسعيها المحموم الى السلطة قد جعل سياسة (الإزاحة والإقصاء) في مواجهة خصومها هدفاً مركزياً لها مما فاقم حالة التشظي والإنقسام.

امام هذه البانوراما التراجيدية.. صار مفهوم العدالة الإنتقالية الذي هلّلنا له كثيراً جامداً كعرائس الثلج قابعاً في ركن قصيّ عاجزاً عن إيجاد حلول الحد الأدنى.. حتى كاد أن يضحى نسياً منسيّاً.

ما العمل؟

بعد أن عرضنا ملامح المشهد الليبي باختصار يظل يطاردنا سؤال جارح جريح.. ما العمل للخروج من افق يقترب من حدود الإنسداد والإستعصاء؟؟

وقبل ان نقارب الإجابة على هذا السؤال نرى لزاماً ان نشير الى أن ما فعلناه بمفهوم العدالة الإنتقالية قد اقترفناه ايضاً في حق موضوع (الحوار) فقد خضع بدوره للإبتسار وسوء الفهم ورداءة الممارسة.. صرنا نردده بإفراط مفرغ من المحتوى الحقيقي.. فخضنا ماراثوناً من الإشتباك اللفظي والجدل الكلامي.. الذي يدخله الفرقاء بإشتراطات مسبقة يتمترس كل طرف وراءها.. واهماً بأنه يمارس (حواراً) وهو في الحقيقة جاء متربصاً لنيل مكاسب جلّها ذات طابع شخصي اوجهوي اوعقائدي وكل همّه هزيمة الطرف الآخر وهو ما يتنافى مع ابسط اشتراطات الحوار الموضوعي.. “ ولعلّ ما يدور الآن في تونس من مناكفات يقودها عناد طفولي وتغذيها أطراف شعارها (انا ومن بعدي الطوفان!!) يكفيني مؤونة التدليل والإتسدلال”..

عودة الى السؤال الذي انتصب أمامنا حتى كاد ان يسدّ مسالك الأمان والسلامة وحتى مخارج الطوارئ: (ما العمل؟؟)...

إن أولوية الأولويات التي يجب التركيز عليها في هذه المرحلة هي (المصالحة الوطنية) بمفهومها الحقيقي وهوالتحدي الذي بدونه لن تنجدنا الحلول الملفقة ولا التوافقات السياسية الهشّة التي لا تصمد حتى امام نسمات الخريف فما بالك بعواصف الشتاء!!

واذا ارتكزت هذه المصالحة على اسسها الصحيحة الفاعلة والتي تتلخص فيما يلي:

1- لا مكان لفكرة الغالب والمغلوب في المصالحة.

2- المصالحة تبنى في المستقبل ولا ترى من الماضي سوى ذكرى بغيضة يجب منع تكرارها.

3- عدم الإفلات من العقاب لمن اجرم جريمة كاملة الأركان (وان كان ذلك يقبل التأجيل الى حين تعافي السلطة القضائية المستقلة التي تحقق المحاكمة العادلة).

4- إقرار الجميع بأنه لا سبيل للعيش المشترك والسلم الأهلي الا بالمصالحة التي لا تبنى إلّا على فقه التسامح (والذي هو غير الغفران)!

إن اعتماد هذا الطريق هومعبرنا الوحيد نحوبرّ الأمان خاصة وأن هناك كثير من التجارب الناجحة على المستوى القاعدي أسهمت وفككت كثير من ألغام المتفجرات يسهم فيها رجال آمنوا بأن الأوطان لا تبنيها الأحقاد ولا تقيمها نزعات الكراهية..

انا ادرك أن الطريق وعر وشائك ويحتاج الى عزم وحزم الرجال.. وأن أطرافاً كثيرة تقف عائقاً في وجهه لقناعتها الخاطئة بأن هذا الواقع المتعيّن يؤمن لها السلطة والمال والنفوذ… ولكن هذا النهج هوخيارنا الوحيد..

بقت كلمة أخيرة أن هذا الذي نراه طوق نجاتنا يجب أن يعتمد على أساس إعادة بناء (الثقة) وهوأمر أحسب أنه مقدور عليه.. ضمن تحرك يهدف الى التواصل بين كافة أعضاء الجسد الواحد.. فقد علمتنا التجربة ان الليبيين حينما يلتقون تبرز لديهم خصال حميدة طيبة تطفوعلى بؤر الإنفعال والتوتّر يمسح فيها العناق والتصالح جراحاً كثيرة في الصدور..

صار حتماً علينا دعم مشروع المصالحة لتحقيق العيش الآمن المشترك الذي يزيده الإختلاف تنوعاً وقوة ويبدده الخلاف إرباً وأشتاتاً..من أجل وطننا ومن أجلنا جميعاً.. ومن أجل أجمل اطفال ليبيا (الذين لم يولدوا بعد!!).

جمعة أحمد عتيقة

كلمات مفاتيح : مقالات ليبيا المستقبل،
د/ محمد | 13/09/2016 على الساعة 13:51
من يملك العقل المميز عنده الحل
الحديث عن حل للمشكلة الليبية يحتاج إلى أصحاب عقول مميزة و ذوي خبرة ذات عمق وفهم للواقع الليبي بعيدا عن التحليل السطحي واصحاب الفكر المحدود والعقلية العقيمة التي لا تلد الا الهلاك والدمار.
عادل الفارسي | 08/09/2016 على الساعة 11:51
بين الامس واليوم
كان كلامك سيد جمعة مختلف عن العدالة الانتقالية عندما كانت تتعلق بالنظام السابق فقط اما اليوم عندما تعلقت بالجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب والتهجير التي ارتكبت من قبل المليشيات بعد 2011 فانت لا تريد العدالة الانتقالية؟ غيرت رأيك بتغير الجناة. هل هذه موضوعية؟ لا مفر من العدالة الانتقالية وكشف كل الحقائق واقرار عدم الافلات من العقفاب لكي نبي دولة للجميع. لا تتستروا عن المجرمين وعن الجرائم البشعة اذا ارتم بناء دولة مستقرة؟ والا فانه تربص كل فريق بالاخر الي يوم الدين
احميدي الكاسح | 07/09/2016 على الساعة 07:19
قال بعضهم Libya is Fake country:
قال بعضهم "جوستين ريموند واخرين" "ليبيا بلد وهمي" وقد تحقق وتكرس ذلك يوم 3 أغسطس 2011م ولتاريخه ، فقد كان بلدا توافقيا تم بناءة على اساس إنه مكون تلقيني ، شعوب وجهات وقبائل كثيره على رقعة واسعه من الأرض التي كانت ثالوثا وجاء النفط على غير توازن فاختلت عقول الأشقياء فشقي الحميع ومنذ اكتشافه وتسويقه والإصرار على أن تكون عوائده "هني" في طرابلس وكذلك صرفة وبعثرته والتصرف فيه ، لم يرتدع ولن يرتدع ببساطة قراصنة القديس والترك القرمانليون والمتطلينون ومن خلفهم من طغيان عن ممارسة المعتاد من قتل وتغول واتهام العقلاء والمتعلمين بالجهل فقط لأنهم يعرفون بعض اللغات ، ومن هنا فإن المصطلح ليبيا قد تلاشى ولم يعد لنا ، بعد أن أجهدنا أن يرعوي النخبويون للتاريخ والجغرافيا وهويات الشعوب الثلاث "المؤسسة لليبيا توافقا" إلا أن نقول بأن "المصطلح ليبيا دلالة على، الفوضى والقتل والدمار ودون أي عدالة وحقوق إنسان ليستفتي عما يريد "حتى" من شكل ونوع حكم ،ولن يكون لها دستور توافقي غير ما صدر عام 1951، دون تعديلاته لأنها choas، mess,terror, Fake , unfair,country
تقّـــاز | 07/09/2016 على الساعة 04:59
النسيان وضعف الذاكرة
سبحان الله يا سيد/ جمعة! ألم تتقدم وزارة العدل في سنة2013 لكم في المؤتمر"الوطني" العام(الذي هو في سجع مع "مؤتمر الشعب العام"، وهي ثقافة ملتصقة في الضمير) بقانون العدالة الإنتقالية !!! فماذا كان من أمره وهو قد أجاب في حينه على ما تتساءل عنه الآن ، سيادتك!!! افلا تعجب معي؟! سيدي! فلا عتب ولا توكؤَ على قصر ذاكرة الناس ولا أقول الشعب فقد أُفرغ المصطلح من معناه... ولك الإحترام الواجب سيدي، نائب الرئيس المنسحب!
محمودابوبكرابونعامة | 07/09/2016 على الساعة 02:46
نعم للعداله الانتقالية
ونعم الكلم فعلا ليبيا في حاجه للملمت ماتبقى ولنلقي السلاح ونسلم امرنا للقانون ونعمل على القيام بالبلد المشتت الواهن ولنعقد العزم على البناء واصلاح ما افسده ابنائنا
Ghoma | 07/09/2016 على الساعة 01:13
Eyes on the Future and Trust Will Go a Long Way
Reconciliation is the wrong term for Libyan situation! This process was usually between parts that have historical enmities and deep differences. None of these exists between Libyans. Perhaps some disagreements! Thus to gain the trust there must be a sincere effort to get away from grievances, victimhood, and the past and to set the eyes instead on the future. This would give any deliberations their right footings. The next step is what model of a society Libya wants to build. The country has the potential to lead the rest of the pack, if it recognizes its favorable circumstances and act upon them accordingly.The future as you said in point 2 is what matters. Put the best minds to work and give them enough time and they'll come up with something worth fighting about and living for. Jockeying for power, bickering on the crumbs, squabbling who is right and who is wrong will only waste time and get the ditch even wider. Libya has already lost too much, it's time to start gaining. Thanks
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل
جميع المقالات والأراء التي تنشر في هذا الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع