للمرة الثانية على التوالي أضطر لإستعارة المصطلح العبقري الذي أطلقه أحد مؤيدي الجنرال للتعبير عن حيه وانتمائه، "النعلة" واليوم سأصبها بكل تفاصيلها ومعناها الحقيقي على كل من يتذكر إنقلاب سبتمبر بأي خير او حتى يتجاوز متناسيا عقله للترحم على يوم من أيامه.
أنا ابن جيل ولد وترعرع في حضن أنظمة فاسدة وقاتلة و"سراقة" وتمنينا يوما أن يموت هؤلاء حتى يمكننا معاصرة وجوه جديدة، لنتمكن مستقبلا من الحكي لأبنائنا أن هناك من حكام العرب من يموتون، وكان فضل الله كبيرا ان رأينا هؤلاء الفسدة بداية من طاغية تونس حتى المخلوع المصري، وهم ما بين مقتول "القذافي" ومحروق "على عبدالله صالح"، وهارب "زين العابدين بن علي" ومخلوع ومحبوس "حسني مبارك"، رأيناهم حقيقة حتى ولو للحظات، وكل هذا بفضل الهبات الشعبية التي فاض الكيل بأهلها وثارت لتنتقم ممن سرقوها ونهبوها، وتنهي حتى مجرد ذكرهم.. حتى لو سرقت هذه الثورات بعد ذلك ووظفت لأغراض شخصية وأيدلوجية.
"النعلة" على سبتمبر وقائدها الذي دمر البلاد والعباد وأهلك الحرث والنسل، وكان جنونه سبة في جبين كل ليبي في كل محفل دولي أو محلي، حقيقة لايترحم على القذافي إلا مجنون أو فاسد، لايترحم على الطاغية إلا مشارك له ومتعطش للرجعية والتخلف.. لايترحم على "مجنون ليبيا" إلا مغيب وجاحد.
لسنا هنا في استعراض ما فعله هذا المقتول من حالات تصحر لعقول أبناء ليبيا او نهب أموالهم او استعبادهم لفترة أكثر من أربعين عاما، فالتاريخ خير شاهد وليس من ذاق من إخواني الليبيين كمن قرأ مثلي، فكنت أتخيل – قبل ثورة فبراير- أن الليبيين يعيشون في رغد ورفاهية.. حتى كشفت الثورة عن هلامية نظام القذافي وجنونه التام.
حكى لي أحد الزملاء الإعلاميين – ولاد لبلاد- أن أباه كان يعمل في مؤسسة دولية وأرادوا جميعا السفر إلى دولة اخرى، فقدموا جوازات السفر إلى الجهة المسؤولة، وظلت تماطلهم مدة شهر وبعدها ذهبوا ليسألوا عن مصير جوازات السفر فقال أحد موظفي القذافي لهذه الشخصية الدولية "إمشي دور في القمامة اللي هناك باش تلاقيهم"، وفعلا وجدوا الجوازات ملقاة في صندوق الزبالة... هذا مشهد من آلاف يستطيع إظهار صورة الدولة في عهد هذا المعتوه..
عاصرت فبراير منذ شراراتها الأولى في الخامس عشر من فبراير، وشاركت إخواني الثوار في وقفاتهم أمام السفارة وفي ميدان التحرير، وتاكدت أنها ثورة شريفة منذ ولادتها، ويكفيها شرفا أنها تخلصت من طاغية العرب ومجنونها، وجعلت لليبيين صوتا مسموعا، وللمواطن رأيا وحقوقا... أخفقت فبراير في تحقيق كل ما خرجت من أجله؟ نعم أخفقت كثيرا، ولكنها تتعافى من أجل إكمال المسير.. لكن ليس من المعقول أبدا مقارنتها بالأول من سبتمبر، فشتان بين الثورة والانقلاب، وشتان بين شباب مخلص ومثقف وعساكر مرتزقة دمروا البلاد والتاريخ..
هذا كلام تحكمه العاطفة التي تتعجب جدا ممن يترحم على القذافي و"سبتمبره" أو يلعن "الفبراريون" لأنهم لم يوفروا الأمن والاستقرار... ياسادة المقارنة ظالمة.. والفرق واضح...
ولا أملك في خاطرتي هذه إلا الختام بالقول العبقري: "النعلة" على سبتمبر ومفجرها، النعلة على القذافي وأبنائه ومرتزقته، "النعلة" كل "النعلة" على من يترحم على أيامه... وأخيرا "النعلة" على كل من يحاول عرقلة فبراير عن إكمال طريقها او يحاول سرقتها وإنتاج "قذافي جديد"..
"كل عام والثورة بخير والانقلاب إلى الجحيم ومزبلة التاريخ"...
علاء فاروق