الكثير من ألأقلام في مواقع التواصل الاجتماعي تكتب هذه الأيام عن ذكرى 1 سبتمبر1969م وهو يوم الانقلاب العسكري واستيلاء القذافي على السلطة وألاطاحة بالنظام الملكي وتباينت الكتابات بين ناقد ولاعن لهذا اليوم مبينا انعكاساته السلبية على المشهد الليبي وبين من يتباكى على زوال نظام القذافي ويعتبر إن رحيله كان بداية المأساة.
أنا لست بصدد تقييم هذه الأقلام أو تلك ففي النهاية من حق كل شخص أن يعبر عن رأيه مهما اختلفنا معه سياسيا، لكنني من جانب أخر يعني لي هذا اليوم أيضا ذكرى مختلفة تماما وأن ارتبطت بنظام القذافي لكن بطريقة مأساوية مغايرة وهي الذكرى السادسة عشر لهدم النادي الأهلي هذا الكيان الذي أحبه و أفتخر بالانتماء عليه.
كان يوم 1/9/2000م يوما عاديا في بنغازي مظاهر الاحتفال واضحة بسبب إجبار الناس على ألاحتفال قسرا بهذا اليوم فيجبر أصحاب المحلات والشركات على رفع الرايات وتركيب ألإنارة والأضواء ووضع اللافتات التي تمجد القائد ونظامه، وتصبح المدينة كأنها معرضا لصور القذافي ومن جهة أخرى كان هذا اليوم فرصة للكسب السريع فمن يرضى عليه النظام يتم تكليفه باللجنة العليا للاحتفالات التي تشرف على تزيين المدينة او يوقع عقد معها، وهي بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا فالميزانية مفتوحة والرقابة غائبة لتبدأ حلقة واسعة من الفساد بين اللجنة والشركات والورش والمقاولين تنتهي بسرقة أرقام فلكية ولافتات وصور تتقاذفها الرياح والأتربة.
عموما جاءت مناسبة 1 سبتمبر في ذاك العام في بنغازي بالذات مختلفة فقد كان الموسم الرياضي للاهلي سيئا نتيجة لتعمد اتحاد الكرة برئاسة الساعدي عرقاة الاهلي بمنعه من الللعب من ملعبه ونقله من مدينة لأخرى وتسليط بعض الحكام عليه واختتم الموسم بإغلاق أبواب النادي ألأهلي بالأقفال ومنع الناس من دخوله مما خلق توترا كبير بين الجمهور وكانت ألأجواء محمومة جدا فهناك حالة من التوجس و الترقب والانتظار، حيث كان هناك اجتماع لقيادات فريق العمل الثوري ومكتب ألاتصال باللجان الثورية صباح ذلك اليوم في المدينة والذي قرروا فيه هدم النادي بناء على تعليمات ألأخ قائد الثورة كما كان يقال دائما في ذلك الزمن، وسرت شائعة إن القذافي أعلن أنه لن يدخل بنغازي والنادي ألأهلي موجود بها خاصة بعد أحداث الشغب التي أعقبت أخر مباراة في الدوري وقيام بعض جماهير ألأهلي بمظاهرة في المدينة ورفعوا هتافات تندد بالقذافي وابنه الساعدي، وبعد صلاة الجمعة جاءت الرافعات والجرافات أمام أسوار النادي رفقة زبانية النظام من عناصر اللجان الثورية والذي خطب أحدهم خطبة عصماء ممجدا فيه قائده ونظامه ولاعنا النادي ألأهلي وجماهيره الخائنة!!
لن أنسى هذا اليوم وتلك الجرافات تقوم بهدم سور النادي وشعاره الكبير المتصدر لمدخله وسط هتافات تلك المجموعة المراقبة لتنفيذ العملية ووسط محاولات مجموعة من أبناء النادي الدخول ونقل الكؤوس والميداليات والصور والهدايا التذكارية والأوراق وسجلات النادي والحفاظ عليها وبالفعل نجح البعض في ذلك رغم صعوبة المهمة، ولكن في النهاية تم هدم النادي بالكامل الذي يتوسط حي الزيتون بالفويهات على مساحة ثلاثة هكتار تقريبا مرفق بها مبنى إداري من ثلاثة طوابق ومقر لإقامة اللاعبين وصالة مغلقة للألعاب الرياضية وملعبين لكرة القدم احدهم ملحق بمدرجات جانبية إضافة لملعب اليد المفتوح كلها سويت بألارض.
نعم لقد تم هدم هذه المؤسسة الرياضية الكبيرة وهذا الصرح الرياضي مميز وإيقاف نشاطه لمدة خمس سنوات وهي سابقة لم تحدث في التاريخ أن يقوم نظام سياسي مهما كان استبدادي بهدم مؤسسة رياضية عريقة وإيقاف نشاطها ومنع حتى ذكر أسمها في الاعلام، بالفعل كان يوما كئيبا وحزينا خيم بسواده على مدينة بنغازي التي امتلأت بيوتها بالحزن على هذه الكارثة التي حلت بالمدينة بضرب اكبر أنديتها وخلال السنوات التالية اختفى رونق بنغازي وبهجتها فلم نعد نشاهد ألإعلام الحمراء ترفرف في شوارع المدينة احتفالا بعد كل فوز ولم نعد نسمع هتافات الجماهير الهادرة في مدرجات الملعب الرئيسي بالمدينة الرياضية ((ملعب 28 مارس)) والتي خلت من روادها ومن الحياة فيها بعد توقف نشاط النادي فيها.
ولم يكتفي النظام السابق بذلك فحسب بل لاحق بعض ألإداريين والمشجعين حيث تم تقديم 38 مشجع وإداري أهلاوي لمحكمة الشعب وصدرت أحكام بألاعدام على أربعة منهم والسجن علي البقية وتأيدت من المحكمة العليا لكنها لم تنفذ وتم سجنهم جميعا لفترات متفاوتة أقصاها أربع سنوات.
وفي عام 2005 م نتيجة لضغوط عديدة قرر النظام عودة نشاط النادي وقام بمنحهم قطعة أرض في منطقة قاريونس لممارسة ألأنشطة الرياضية عليها، وعاد النادي دون مقر ولا ملاعب مكبل بانعدام الإمكانيات وعدم وجود الرياضيين الذين انتقلوا إلى أندية أخرى، لتبدأ قصة عشق رياضية أخرى بتلاحم جماهير النادي وعودتهم لمؤازرة فريقهم وعودة الرياضيين وشارك النادي في ثلاث العاب رئيسية وهي كرة القدم وكرة الطائرة وكرة السلة وكرة اليد وبدأ في حصد ألالقاب والكؤوس وبدأ الأهلي يفرض في اسمه من جديد على الساحة الرياضية متسلحا بزاده البشري الضخم من الرياضيين والإداريين والخبرات المختلفة ومتحصنا بجماهيره الغفيرة التي ملأت مدرجات الملعب العتيق من جديد مرددة هتافها الشهير:
عاد ألأهلي من جديد..... عاد قويا كالحديد
أنت يا نبض الوريد... أنت يا خير النوادي
نعم عاد الاهلي من جديد وعاد الى مقره التاريخي بحي الزيتون الذي بدأت اعمال تهيئته وإعادة بنائه ليكون ذلك الجزء من المدينة مكان تجمع محبي ومريدي النادي كما كان سابقا.
وهكذا رغم محاولات النظام السابق المتكررة لم يستطع أن ينزع عشق الناس لنادي الأهلي، ولم يتمكن من التأثير على شعبيته الذي استمرت في ازدياد حتى بعد إغلاق نشاطه لتنتهي فصول هذه الرواية بزوال النظام وقائده وبقاء الأهلي شامخا.
مروان الطشاني