في تقديرى، من الاسباب الرئيسية، التى دفعت بالواقع الليبي بعد فبراير المجيد، الى هذه الحالة المستعصية ، والتى يُغديها ولايزال، هذا التجاذب الفج المقيت بين اطرافه المتصارعة. والذى طحن والتهم خلالها، ولازال، قدر ليس بالقليل من موارد البلاد البشرية والطبيعية، يًرْجع الى واقع النخب الليبية، التى تصدرت المشهد الليبيى، مع الايام الاولى للثورة.
فجُلْ هذه النخب - في تقديرى - قد تخلّقت داخل حواضن بعيدة عن مكوّن ليبيا الجغرافي .الديمغرافى . الثقافي، فصارت بذلك - ومن الطبيعي - حساسياتها الوطنية مُغيبة تحت ركام مُأدلج، تصدر اولوياتها. فصار بذلك الجغرافي الديمغرافي الثقافي الليبي في حساباتها، لا يتخطى كوّنه مادة، تسعى هذه النخب الى تطّويعها، وان على نحو تعسفي لمعطاها الأيديولوجي، حتى ولو جاء على حساب المكوّن الديمغرافي الجغرافي الثقافي الليبيى.
وشاهِدنا على ذلك على سبيل المثال لا الحصر، في عندما ذهب احد هذه الكيانات المُأدلجة مع السنة الاولى للثورة، الى إيداع وديعة مصرفية بمليارات الدنانير بأحد البنوك بدول الجوار في ضرف قد تكون بلادنا في حاجة لذلك المال، او قد يترتب على ذلك ضرر كبير على جغرافية ليبيا الديمغرافية الثقافية الطبوغرافية، ويظهر في وجه اخر، عندما قامت احد الشخصيات (المُعوّلمة) بليبيا، والذى حضي برنامجها الانتخابي لتيارها السياسي بتغطية اعلامية واسعة حينها، قامت هذه الشخصية بالترويج لما اسمته (بتأهيل الهجرة الملونة العابرة لليبيا ) داخل معاهد للتدريب المهني بالبلاد، ثم اعادة تصديرها، كعمالة مؤهلة الى العالم المتقدم، الا ترو معى، باننا يجب ان نقول لهذا (المُعوّلم) بأننا في حاجة الى تأهيل شبابنا قبل اى احد اخر.
هذا المُأدلج الذى احتل اولويات هذه النخب، جعل منا عندما نتحدث عن احد منهم، فننعته بليبرالي ليبيى او بإسلاموى ليبيى او غيره. ولا نقول عنه بليبي إسلاموى او بليبي ليبرالي او غيره. فتمة فرق كبير بين هذا النعت وذاك . ففى هذا الاخير - وفى الغالب - وبحُكم تنشئته داخل محيطه الديموغرافي الجغرافي الثقافي بليبيا، سيضل الليبي حاضر وبقوة في رؤيته وحساسياته وتوجهاته، في حين الاول سيضل المُأدلج حاضرا وبقوة في رأوه وحساسياته وتوجهاته. وبقول اخر سيضل هذا المًأدلج مُغيب عن واقعه، وبهذا نراه يُحلق في فضاءات افتراضية، يعجز معها عن ملامسة جغرافياته الديمغرافية الثقافية الطوبغرافية في واقعها المُحّتدم.
ونتيجة لذلك، نُشاهده مرة، وهو يتحرك في محيط قندهار وضواحيها، وهو يعّتمر قُبعته الافغانية، وحين اخر وهو يعبر ممرات كهوف تورابورا المُظلمة، وتارتا اخرى في وسط شوارع اوربا الغربية المتّرفة، وهو يحاول اخافت المارة بسلاحه وقنابله، او في جلّسة استماع بداخل قاعة مجلس اللوردات، وهو يرتدى بدلته الانيقة، لحظة تقديمه قراءاته المشبوهة، امام اعضائه، عن كيفية تحّوِيلنا الى فضاءات مٌعوّلمة، تجوبها شركات العالم الكبرى بدون حسيب ولا رقيب.
ففى تقديرى بان معضلة الشأن الليبيى المُسّتعصية، تكمن في هؤلاء، لأنهم وبإنجاز شديد اسلامويين ليبيين و ليبراليين ليبيين، كما يزعمون، وليس العكس. وهذا وباجاز شديد، يجعل منهم اداة طيّعة في يد ذلك (الماضي البغيض في وجهه الدولي). ليتمكن من خلالهم من اعادت تموّضعه على جغرافيا ليبيا، كما كان يحدث في العقود العجاف الماضية. التى عصفت بكل ما في ليبيا من بشر وشجر وحجر. ويؤكد قولنا هذا جميع مفردات واقعنا المُعاش المضطرب، والمُسّتعصَى على الحلحلة، بفعل هؤلاء.
في تقديرى، ان اولى الخطوات الاساسية في طريق حل هذه المُعّضلة، تكون في الذهاب نحو تقّعِيد ليبيا وتجّديرها، داخل جغرافياتها الديمغرافية الثقافية الطبوغرافية، التي يأطرها، وبحكم الواقع الموضوعي، الفضاء المغاربي المتوسطي، واذهب بالقول الى المُطالبة بدسّترة ذلك، لنجعل من ذلك، الإطار الموضوعي الوحيد وفقط، لأى حراك مأدلج يرغب في توظيف المكوّن الديمغرافي الجغرافي الثقافي الليبيى في نشاطاته ، ونقف بذلك ايضا، بهذه الدسّترة في وجه من يُريد اجتثاث ليبيا من امتداداتها الموضوعية، ليعرضها للبيع مقابل احتفاظه بسدّة الرئاسة بيده ويد ورتته، او مقابل اى امتيازات اخرى رخيصة.
ومن اولى الخطوات العملية لذلك، تكون في تمرير كل المحاولات الساعية نحو معالجة الشأن الليبيى، عبر البوابة المغاربية المتوسطية، فقد يدفع ذلك، هؤلاء الى تطْويع المُأدلج فيهم، بما يتناسب مع هذا الواقع الموضوعي، والذى سوف ينعكس ايجابيا عليهم وعلى جغرافيات بلادنا جميعا.
البانوسى بن عثمان
الجنوب الليبيى - 31-8-2016م