فِي بَعْضِ مُدُنِ الْمَمْلَكَةِ الْمُتَحِدَّةِ وَخَاصَّةً فِي أُسْكُتْلَنْدَا الْحُصُولُ عَلَى طَعَامٍ (حَلَالٍ) أَمْرٌصَعْبٌ بَعْضَ الشَّيْءِ (حَقِيقَةٌ)... عُمُومًا بَيْنَمَا كُنْتُ أَتَجَّوَلُ فِي مَدِينَةٍ غَيْرَ تِلْكَ الَّتِي أَقْطُنُهَا قَابَلَنِي مَطْعَمٌ يَعْتَلِي مَدْخَلَ بَابِهِ الرَّئِيسِيِّ عِبَارَةُ -حَلَالٌ- (لِلدَّلاَلَةِ عَلَى أَنَّ وَجَبَاتَهُ تُنَاسِبُ الْمُسْلِمِينَ).كَانَتْ عِبَارَةُ -الْحَلاَلِ- مَكْتَوبَةً بِخَطٍّ (كَبِيرٍ-كَبِيرٍ) كِبَرَالْمَدْخَلِ الرَّئِيسيِّ لِلدُْكَّانَةِ الصَّغِيرَةِ.
مَعَ قِصْرِ مَعْرِفَتِي بِهَذِهِ الْمَدِينَةِ -فَأَنَا غَرِيبٌ عَنْهَا كَمَا أَسْلَفْتُ- لَمْ يَكُنْ أَمَامِي سِوَى الإِقِْتِنَاعِ بِحَجْمِ عِبَارَةِ الْحَلاَلِ وَتِلْكَ الزَّرْكَشَاتِ الْمُلَوَّنَةِ عَلَى الْوَاجِهَةِ وَافْتَرَضْتُ أَنَّ مَايُقََدِّمَهُ هَذَا الْمَطْعَمُ هُوَ الأَفْضَلُ.
دَخَلْتُ الْبَابَ لإِكْتِشَافِ هَذَا الْعَالَمِ (الْكَبِيرِ) خَلْفَ اللَّافِتَةِ الضَّخْمَةِ. قُلْتُ :السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ... فَرَدَّ عَلَيَّا أَحَدُ الْعَامِلِينَ وَعَلَيْكُمْ السّلَاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبرَكَاتِهِ. إِرْتَحْتُ أَكْثَرَ بَعْدَ أَنْ رَدَّ السَلاَمَ... لَهْجَتُهُ السُّودَانِّيَةُ (شَعْبُ اللهِ الطَّيِبِ) زَادَتْ مِنْ طَمْأَنَتِي.عَلِمْتُ بَعْدَهَا أَنَّ الْمَطْعَمَ بِالْكَامِلِ سُودَانِيٌّ (مُشْرِفًا وُعُمَّالاً وَطَبَّاخِين)... جَائَنِي أَحَدَهُمُ بِالقَائِمَةِ لإِخْتِيَارِ وَجْبَتِي. وَجَدْتُ فِي الْقَائِمَةِ (شاورما ،كباب ...الخ ).صَرَاحَةً اسْتَغْرَبْتُ ذَلِكَ وَسَأَلْتُ نَفْسِي مَاعَلاَقَةُ إِخْوَتِنَا السُّودَانِيِّينَ بِالْكَبَابِ وَالشَّاوُرْمَا.
تَجَاوَزْتُ السُّؤَالَ وَرَجَعْتُ لِلْقََائِمَةِ لأَِخْتَارَ بَعْدَهَا وَجْبَةً كَامِلَةً ثُمَّ أَضَفْتُ لَهَا فَلاَفِلَ (طعمية) وَسَلَطَةً... انْتَظَرْتُ نِصْفَ سَاعَةٍ كَامِلَةٍَ وَأَنَا أُرَاقِبُ الْفَوْضَى بَيْنَ الْعُمَّالِ. إِلَى أَنْ وَصَلَ الطَّلَبُ، وَهُنَا الْمُفَاجَأةَ ُ، لَمْ يَكُنْ أَمَامِي شَيْءٌ مِمَّا طَلَبْتُ... "خَطَأٌ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَنَحْنُ نَعْتَذِرُ" كَانَتْ هَذِِه إِجَابَةُ الْعَامِلِ.
مَرَّتْ حَوَالِي نِصْفَ سَاعَةٍ أُخْرَى. جَاءَ الطَّلَبُ الصَّحِيحُ أَخِيرًا... لَحَظَاتٌ مَرَّتْ... انْهَيْتُ وَجْبَتِي بِسَلاَمٍ وَطَلَبْتُ الْفَاتُورَةَ... دَرْدَشَ مَعِي أَحَدَهُمْ قَائِلاً "عَجَبَتَكْ الفَلاَفِل؟ فَأجَبْتُهُ هَلْ تُرِيدُ الصَّرَاحَةَ؟ فَقَالَ "وَنَحْنَا عَايْزِينْ حَاجَة غِير الصَّرَاحَة". فَأَجَبْتُهُ: يَا سَلاَمْ وَهَذَا الْمَطْلُوبُ ،الصَّرَاحَةُ أَنِّي لَمْ أَعْرِفْ مَاذَا أَكْلَتْ فَلاَفِلْ أَمْ فَرَامِلْ؟
عَبَسَ وَتَغَيَرَّتْ مَلاَمِحَ وَجْهِهِ. ثُمَّ سَأَلَنِي "كَاشْ وإلا بِطَاقَة". فَأَجَبْتُهُ صَرَاحَةً لاَ يُوجَدُ عِنْدِي نَقْدٌ وَسَأَدْفَعُ بِالْبِطَاقَةِ. فَرَدَّ: 50 بنس تشارج. (سَيَأْخُذُ 50 بِنْسًا كَفَائِدَةٍ)... أَنَا: وَلَكِّنَ الْمَطْعَمَ (حَلاَلٌ) فَكَيْفَ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَأْخُذَ فَائِدَةً. (أَعْرِفُ أَنَّ الْمَصْرِفَ وَلَيْسَ الْمَطْعَمَ يَأْخُذُ هَذِهِ الْفَائِدَةَ وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ مَعْرِفَةَ وِجْهَةَ نَظَرِهِ.
هُوَ: الْبِزْنِسْ مَالِيِشِي عَلاَقَة بِالإِسلْاَم.
- بَدَتْ تَتَكَشَّفُ لِي الْحَقَائِقُ -
أَنَا: يَعْنِي انْتُوا نِصْفَ مُسْلِمِينْ تَأْخُذُونَ بْبَعْضِهِ وَتَرْمُونَ الآخَرَ.
فَقَالَ: عَلِيكْ الله مَاتِدَّخِلْنِي فِي عَالَم ثَانِي.
أَنَا: لَحْظَةُ صَمْتٍ.
فِي تِلْكَ اللَّحَظَاتِ كَانَ (الْمُشْرِفُ عَلَى الْمَطْعَمِ) يُرَاقِبُ مَاحَدَثَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْعَامِلِ عَنْ بُعْدٍ وَتَدَخَّلَ أَخِيرًا لِيُقَلِّلَ مِنْ حِدَّةِ التَّوَتُرِ(بَيْنَ الأِخْوَةِ الْعَرَبِ).
جَاءَ مُسْرِعًا ثُمَّ قَالَ لِي: مِنْ وِينْ يَالَْحبِيبْ. فَأَجَبْتُهُ : مِنْ لِيبْيَا (يَالْحَبِيبْ). فَقَالَ: أُوهْ أَخُونَا لِيبِي . كَيْفْ حَالْ لِيبْيَا؟ فَأَجَبْتُهُ لِيبْيَا مِثْلَ هَذَا الْمَطْعَمِ.
عَلاَمَاتُ تَسَاؤُلٍ عَلَى وَجْهِهِ... لَمْ يَفْهَمْ مَاذَا قُلْتْ !أَوْ تَجَاهَلَ مَا قُلْتُه.ُ فَقَالَ: وَلَكِنْ أَنَا سَمِعْتْ يُومَْها مُحَلِّلْ لِيبِي بِيقُولْ أَنَّ الأُمُورْ تَمَامْ... فَأَجَبْتُ: مُحَلِلِّينَا هَذِهِ الأَيَامُ مِثْلَ طَبَّاخِكُمْ الَّذِي حَضَّرَ الْفَرَامِلَ عَفْوًا قَصْدِي الْفَلاَفِلْ.
بَعْدَهَا... هُدُوءٌ يَعُّمُ الْمَكَانَ... كَسَرْتُ الصَّمْتَ وَقُلْتُ : اسْتَودِعُكُمْ اللهَ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتِهِ.
ناجي عبدالسلام مصباح