قال توماس سووال Thomas Sowell (الكاتب المفكر الكبير، الذي نشر أكثر من أربعين كتابا ، له آراء وأفكار حكيمة نتيجة التجربة وممارسة الواقع والحياة) من ضمن أقواله ما يلي: "مرور سنين من التعليم الضعيف، خلق عددا كبيرا من الأشخاص غير قادرين على إعطاء حجة متينة متسقة متماسكة مرتبطة، فلا يعبرون إلا عن عواطف ينتقدون بها دوافع الآخرين، بل يدلون بتأكيدات بلا معنى، ويرددون شعارات سياسية، مستعملين أي شيء باستثناء العقل والبصيرة".
أصبت يا توماس. فالله العزيز الحكيم ميز الإنسان بالعقل وبين منزلته في القران الكريم وأهميته، فالعقل ميزة الإنسان كرمه الله بها ليمثله في الأرض لأن العقل منشأ الفكر، وبه يصبح الإنسان قادرا على إدراك وتدبر وتصريف الحياة. فقد ميز المولى عز وجل الإنسان عن باقي مخلوقاته بنعمة العقل، وهذا العقل هو سبب تكليف الإنسان، فهو قادر على معرفة الله عز وجل، وفهم آياته، وتصديق رسله، والتمييز بين الصواب والخطأ، والحلال والحرام، وقادر على الاختيار بينهما، ولقد أمرنا المولى في كتابه العزيز باستخدام العقل في التفكر والتدبر والتمييز بين الخطأ والصواب والخير والشر. وفي آياته الكريمة وردت مرادفات عديدة لمعنى العقل في القرآن الحكيم منها العقل والقلب واللب، ووردت ألفاظ تشير لوظيفة العقل منها التذكر والتفكر والتفقه والتدبر، وهذا يشير لأهمية استخدام العقل في الإسلام. وأكد سبحانه وجوب إعمال العقل والتدبر به والتفكير والتذكير، فكرر كم مرة قوله {لعلهم يتذكرون}.. {لعلهم يتفكرون}.. {ولو كانوا لا يعقلون}. الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر أوله وآخره. هذه هي شروط الإيمان الحق وهو لا يتأتى إلا بالعقل وعن طريقه. ثبت الله عقولنا على الإيمان الصادق واليقين، وأسكنه قلوبنا إلى يوم الدين.
بالعودة الى توماس سووال Thomas Sowel نرى ونفهم منه، أن الذين يتحدث عنهم فقدوا أو أهملوا إعمال العقل فيما يفعلون. لأن غياب العقل يجعل الأعمال منقوصة مبتورة، يصعب فهمها لأن ما لا يأتيه العقل لا معنى له ولا مفهوم. ألسنا ننسب المتحدث إلى الجنون، إن هو أتانا بما لم نفهمه منه؟ وما هو الجنون هذا؟ أليس فقدان العقل والعمل به وبواسطته؟ فنحن، والناس أجمعون، نصيب ونصدق في تصرفاتنا التلقائية، إذ تأتي مطابقة لقوانين العقل والطبيعة ونحن عن ذلك غافلون. فسبحان الذي بيده الملك وإليه كلنا راجعون. إن ما يلفت النظر والتعجب معا، والحيرة أيضا، هو أن أكثرنا، كي لا أقول جميعنا، نحكم على شعوبنا باستعمال العاطفة والحكم على الأعمال والأشخاص بالخضوع للعاطفة وهذا معناه ننتقدها لعدم الخضوع للعقل وأحكامه. فهل نحن إذن متصرفون بتعقل تلقائي، فطري؟ فنطالب غيرنا بإعمال العقل فيما يأتيه ويفعله؟ حبذا لو تكرّم من، هو أو هي، من المتخصصين في هذا المجال، وشرف أو شرفت هذه الأسطر المتفلسفة أو الاجتماعية، لست أدري، فيعطينا الرأي والشرح حتى نكون عل بينة متبصرين، ونحن له أو لها، مقدما، من الشاكرين. نحن إذن في الانتظار وكما يقول مثلنا الشعبي: " اللي يستنى، خير مللي يتمنى." أثاب الله من سيجيب والله لا يضيع أجر المحسنين.
مدريد في 6-7-2023