مقالات

سالم الكبتي

صديقي.. إسمه سمير عطالله

أرشيف الكاتب
2023/07/25 على الساعة 14:11

فيه شيئ كبير من لبنان كله. الميجانا والعتابا. جباله وبحره وغاباته وصوت فيروز وشعر خاله بولس سلامه.. وصحافة سعيد فريحه وغسان تويني. الأنوار والنهار.. وبيروت وشارع الحمراء ومكتباتها ومقاهيها.

سمير عطالله الإنسان. الكاتب الرشيق. الصديق. كلماته وحروفه تعانق عيون قرائه كل يوم منذ زمن بلا توقف. الوقوف ضد التقدم. ودائما سمير يمشي ويسير ويقطع المسافات بالكلمات. عموده اليومى فيه المهنية والاحتراف ومعرفة ماذا يريد القارئ بالضبط.

فيه شيئ من أرز لبنان وسنديانه ورائحة قراه وغناء رعاته خلف ثغاء الشياه والماعز مطلع كل صباح. فيه من المدينة والضيعة. خليط رائع لإنسان وصديق إسمه سمير عطالله. حضر الى بنغازي صيف 1967 وكانت مثل قرية تخومها مغطاة بالمحبة والود. كل المشارب والاتجاهات تلتقى بها. كانت تخرج مثل مدن العرب وقراه من سخام النكسة وحزيران الكالح الوجه. أقام في البركة الضاحية الناهضة عبر تنفس الفجر مع زميله روفائيل. كان سمير تلك الأيام أحد محرري الحقيقة. التي شارعها يتجاوز الضاحية وينتهي عند الحميضة مع بداية الفويهات.

كلماته وحروفه في صدر الصحيفة تتوهج مثل قناديل الليل. وكان في الأصل حضر مع زملاء ثلاثة من بيروت للعمل في الليبيان تايمس رصيفة الحقيقة بالأنجليزية أجرى تلك الأيام لقاء مطولا مع عبدالوهاب البياتي عند زيارته إلى بنغازي بدعوة من الحقيقة في نوفمبر 1967. وكتب عن محمد الفيتوري.. شاعر إفريقيا تلك الأيام والصادح في إكتوبر 1964 بأصبح الصبح. ايام كانت بنغازي والحقيقة ومحمد بشير الهوني ورشاد الهوني والصادق النيهوم وخليفة الفاخري وقاسم حماد وكل الأسرة في ذلك المكان المتوهج برائحة الأحبار وهدير الألات وحماس العاملين. صحافة بيروت ومدرسة الأنوار والصياد والنهار.. وبراح الحرية هناك.. التقت في الحقيقة.. مدرسة أخرى في غرب الوطن الكبير فيما ظل شاطئ بيروت يرادف شاطئ بنغازي ويتهامسان على البعد بلا إنقطاع. بيروت وبنغازي قصة أخرى كذلك.

أيام كانت الصحافة..صحافة وتقاليد ومعارك وخبر وعناوين وحروف يصنعها العرق والمعاناة وجهود الرجال. أيام كانت الصحافة صحافة على نحو حقيقي يضخ الشجاعة ويخلق العلاقة الواعية بين القارئ المواطن والمسؤول.

أحب بنغازي وأهلها. عشق عشايا بنغازي وضواحيها وطيبة الليبيين وفي رمضان الكريم عرف وهو الإنسان السمح الكريم مايعنيه الصوم فى الإسلام وطالما كثيرا ما أدرك السلام النفسي الذي يهبط على المنازل بعد مدفع الافطار وهبوط الغروب وكيف تتحول البيوت في بنغازي تلك الأيام إلى مقاصف للأصدقاء والعابرين على إفطار يليق بسماحة الصوم.. على حد وصفه الجميل. كان ذلك في بيت رشاد الذي عرفه جيدا في مكتبه بالحقيقة وفى بيته القريب منها.

كلمات على الماء.. بابه الأسبوعى المنوع في الحقيقة. ظل يضم خلاصة أفكاره ورحلاته ومعارفه وتجربته في مدن العالم.. ثم لما غادر بنغازي في مارس 1968 ودعها بمقالة جميلة عنوانها.. كان لي هنا بيت وأصدقاء. سمير الجميل شيئ جميل.. شى نبيل فى هذا الزمن. انسان وحزمة مشاعر وكلمات يقتطفها من حقول القمر والنجوم. ويطلقها بروح الشعر.

أين نجدك ياسمير أيها العزيز.. في المقالة.. في الرواية.. في الشعر.. في السهل الممتنع.. في عمودك اليومي في الشرق الأوسط. او في مقالك الأسبوعي في النهار. دائما عطاؤك تحت الضوء وليس في الظلام. تشرق الشمس وتشرق معها كلماتك المضاءة.إنك في كل ذلك سمير عطالله.

وفي بيروت.. كلما نلتقي.. والقهوة أو المأدبة العامرة بكرمه ولطفه وابتسامته الودوده كانت ثالثتنا بنغازي.. والصادق النيهوم ورشاد الهوني.. وليبيا.. عقله هنا.. ذكرياته فى البركة وشارع الأستقلال والكورنيش وصالة الحقيقة والأصدقاء.. والقهوة المشبعة بالكسبر. بنغازي عنده قطعة من قلبه. حبه لها لاينتهي. يتماهى معها. يخفق مثل جناحي نورس. ومرات كثيرة يغمرة حزن مما يدور.

أذكر احاديثنا الجميلة فى بيروت. وعبر النقال.وإفادتي منها بكل رائع.. سالم خبرني كيفكن.. شو في هناك شو عم بيصير. بنغازي مع بيروت.. مع الضيعه.. مع الذكريات كلها في البال.. أذكر إعجابه بالشيخ محمد المنشاوي. تلاوته تهزه هزا. هل تصدق ياسالم اننى تعرفت على صوته عندما سمعته عندكم فى ليبيا عندما كان يأتى مقرئا في ليالي رمضان. يهزني عندما يقرأ سورة يوسف. وكذا عند تلاوته لقوله تعالى من سورة أل عمران (وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)فيها دلالة كبيرة ومعان عظيمة سامية.. أشعر بأن الرحمة تنزل من السماء.. تهبط لتعانق الأرض من الله الخالق البارئ المصور. وأذكر كيف تمتلئ عيناه هنا بالدموع !

سمير عطالله مثل أرز لبنان. مثل جباله. مثل شواطئه . مثل الميجانا والعتابا. صوت يستقر في القلب ولايغادره. صاحب تجربة وكلمة رشيقة.. حلوة يقطف عناقيدها من هناك.. من ضوء القمر. مساك الله بالخير ياأبا نصري.

سالم الكبتي
 

كلمات مفاتيح : سالم الكبتي،
لا تعليقات على هذا الموضوع
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل
جميع المقالات والأراء التي تنشر في هذا الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع