توضيح من الدكتور السيد نافع العربي احمد الشريف السنوسي،
بشأن مقتنيات الملك ادريس رحمه الله واحسن اليه
شَرَفَني يوم امس الوَجِيه ابن وسليل الكرام السيد الدكتور نافع العربي احمد الشريف السنوسي،باطلاعي على هذه الشهادة التاريخية القيّمة وطلب مِنِي نشرها على صفحتى المتواضعة، وها أنا اُلَبِي وانفذ رغبته شاكرا له هذا التشريف وهذا التخصيص، وفيما يلى هذا التوضيح حرفيا.
((أثار في الآونة الأخيرة عرض مقتنيات الملك ادريس رحمه الله التي كان قد اهداها الشيخ محمد بن غلبون وأشقائه، لمركز السلام بمدينة بنغازى والذي اثار لغطا لا مبرر له،وانهالت عَليَّ التساؤلات عن كيفية وصول هذه المقتنيات الى الشيخ محمد بن غلبون، ومن المسؤول عن ذلك،حتى وصل بعضها الى درجة التشكيك والإتهام! وهو الامر الذى اوجب عليّ توضيح بعض الأمور في هذا الشأن والإدلاء بشهادتى في حق الشيخ محمد بن غلبون وعلاقاته بِسيّدي وشيخي مولاي الملك ادريس رحمه الله ورضي عنه وأرضاه،والتي عاصرتها وشهدت على تفاصيلها منذ بدايتها في صيف عام 1981م والتي كان من الواضح انها بداية نشوء رابطة روحية عميقة بينهما،وذلك من باب الإنصاف وإحقاق الحق والله من وراء القصد وهو الهادى الى سواء السبيل.
بالنسبة الى "البدلة،والجُبة،والمسبحة" التي اهداها الشيخ محمد واخوته الى مركز السلام وعُرضت مؤخرا في ضريح شيخ الشهداء عمر المختار رحمه الله ورضي عنه،فهي بالفعل تخص سِيدي ادريس،وكانت من ضمن ملابسه التي كان يرتديها اثناء حياته في مصر،وقد اهدتها بعد وفاته عمتي الملكة فاطمة رحمها الله مع كثير غيرها من مقتنيات الملك الى الشيخ محمد وإخوته،فهِي وحدها من كان لها حق التصرف في مقتنياته التي وزعتها على من رأت انهم يستحقون شرف مقتنيات تعود الى زوجها رحمهما الله من محبيه والمخلصين له،وقد كانت تعتبر الشيخ محمد على رأس تلك القائمة منذ المرة الأولى التي جاء فيها لزيارتهما بالقاهرة في شهر أغسطس من سنة 1981م، حيث جدد البيعة للملك بإسمه ونيابة عن اهله ورفاقه، وتبرأ من الإنقلابيين وفعلتهم ومن موقف الليبيين بخذلانهم وتخليهم عنه، واستأذن فيها من سِيدى ادريس للإعلان عن تنظيم معارض للإنقلاب يطالب بتجديد البيعة للملك بصفته عاهل البلاد الشرعي طبقا لبنود الدستور الليبي، وقد حاز على رضاه وموافقته ودعائه، ومنذ ذلك الوقت استحق الشيخ محمد بن غلبون مكانة خاصة ومتميزة عند سيدى ادريس ومولاتي الملكة، حافظ عليها حتى انتقال سيدى ادريس الى جوار ربه يوم 25 مايو 1983م، ووفاة الملكة رحمها الله بعدها بأكثر من 28 سنة في يوم 3 اكتوبر من عام 2009م، حيث كان الشيخ محمد بن غلبون، وشقيقه هشام حاضران معنا في ايامها وساعاتها الأخيرة التي قضتها في مستشفى الصفا بالقاهرة، ولم يتوقف الشيخ محمد واخوته ووالدته واسرته طوال تلك السنين عن التواصل المستمر معها ومؤانستها ومشاركتنا في خدمتها ورعايتها بحب وإخلاص جزاهم الله عن ذلك افضل الجزاء.
وفى تلك الزيارة الأولى استأذن الشيخ محمد من الملك والملكة لعائلته للحضور للتشرف والتبرك بسيدى ادريس، ولم تمر أسابيع حتى جاء للزيارة والد الشيخ، ووالدته،وجدته وشقيقاته الذين كانوا يقيمون وقتها بالإسكندرية، وقد كان لتلك الزيارة بالغ الأثر على سيدي ادريس وعمتى الملكة رحمهما الله، لِما لمساه من صدق وإخلاص في مشاعر تلك الأسرة، كما عمل الشيخ محمد على تحطيم حصار العزلة والوحدة اللاتي كان يعانيان منها بقسوة، فنشأت بينهم علاقة وطيدة توثقت لاحقا بالمصاهرة، حيث تزوجت بتشجيعهم ورضاهما من علياء شقيقة الشيخ محمد، بعدها بأربعة اشهر فقط في شهر فبراير عام 1982م.
يحضرني في هذا السياق ذكريات عزيزة وذات مغزى شكلت مسار حياتى،فبعد ان انتقلت للإقامة مع سيدي ادريس، وعمتى الملكة في مقر اقامتهما بالدقى سنة 1972م، وانهيت دراستى الجامعية، كنت استأذن مولاي الملك بالذهاب الى ليبيا، للزواج، وإحضار زوجة منها تؤانسنى وتعيننى على مهمتي التي نذرت لها نفسي بخدمتهما والسهر على راحتهما، فكان في كل مرة يُمازحني قائلا "تتركنا من اجل زوجة؟" فأعرف انه لا يأذن فأصرف النظر، ثم اعود اليه مرة أخرى فيجيبني بنفس الإجابة، واستمر ذلك عدة مرات، زادني في آخرها قائلا "اصبر تَوّا ليبيا تجيك لعندك“، ومن المحطات الفارقة في رحلتى معه رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يسألني كل يوم عندما آتِي لِأُصبح عليه واُقبل يده، كان يسألني ماذا رأيت البارحة (في المنام)، فأخبره ويخبرني، حتى كان الصباح التالى، ليوم، اتمامي شهادة الماجستير، حيث عمت الفرحة الجميع، وعندما جئت لأصبح عليه لم يسألنى ماذا رأيت؟، بل بادرني قائلا "عمتك ما ارقدش امبارح من البكاء“، ففهمت انه يقصد انها كانت تخشى ان اغادر بعد ان حصلت على الشهادة، فأخبرتهما انني قد حزمت امرى للبقاء معهما لنيل شرف خدمتهما،ولن يبعدني عنهما أيّ ظرف من الظروف، بتوفيق الله ودعواتهما.
بعد زيارة عائلة بن غلبون ومن ضمنهما بناتهم الأربع علياء، وإنصاف، ورجاء، وهَنا، قال لى، ها قد جاءتك ليبيا فاختر أي من هذه البنات اللاتي اسماؤهن كلها فال حسن، فستخطبها لك عمتك، فأسعدني اختيار الملك وحكمته، وخطبت لِي عمتي اكبر الاخوات وارتبطت بزوجتى ورفيقة دربى وعضدى في مهمتي،علياء التي نشأت بينها وبين عمتى الملكة محبة وتفاهم منذ اللحظة الأولى للقائهما، استمرت حتى آخر نفس في حياتها رحمها الله ورضي عنها، وجازى علياء افضل الجزاء، وأثابها عن كل ما وجدته من جحود وأذى من جراء ذلك.
وقد ثابر صهرى السيد عبده بن غلبون رحمه الله على احضار جميع افراد اسرته لِمؤانسة الملك والملكة في كل الأعياد،والمناسبات وهو ماكانا يفتقداه بشدة بالرغم من تواجد عشرات الآلاف من الليبيين اللاجئين الى مصر في تلك الحقبة، وكان الشيخ محمد يبعث بزوجته واطفاله في عطلات المدارس، لزيارة الملك والملكة والتبرك بهما وقضاء أطول وقت ممكن معهما، وقد كان ذلك يُدخل عليهما البهجة والسرور، فلا يخفى عن احد شدة حبهما وشوقهما للأطفال الذين شاءت حكمة المولى عز وجل ان لا يكون لهما فيهم نصيب.
وقد استمر الشيخ محمد وشقيقاه ورفاقهم بالمناداة بالملك كما وعد، وفي الدفاع عنه وعن تاريخه في مواجهة حملات الانقلاب المسعورة لتشويهه، ولم يتقاعسوا في هذه المهمة او يتهاونوا فيها بالرغم من كل ما عانوه منها.
وبعد ان كبر أولاد وبنات الشيخ محمد وانتقلت والدته وشقيقاته للعيش معه في بريطانيا عقب وفاة عمي عبده في يوليو 1984م، كانوا يأتون لقضاء جل الاجازة الصيفية في ضيافة الملكة رحمها الله، بينما صارت والدته الحاجه امينة المهدى دربي تقضي معظم اشهر السنة معنا لمؤانسة الملكة رحمهما الله،في العشر سنوات الأخيرة من عمرها بعد ان طلبت منه الملكة السماح بذلك،.. وعليه لم يكن مستغربا ان يكون للشيخ محمد نصيب الأسد عندما وزعت مولاتي الملكة مقتنيات سِيدى ادريس رحمه الله بعد وفاته.
وما لا يعرفه إلا القليل هو أن الملك، والملكة كان يعيشان ملوكا في بيتهم وبين محبيهم المخلصون، فقد كُنّا جميعا نخاطبهم، بِـ يا مولاي، ويا مولاتي، ولا نعصي لهما امرا، ولا نرفع اصواتنا فوق أصواتهم، وكان لِمَولاتي رحمها الله وحدها الامر والفصل، في تلك المقتنيات التي شرفني الله بنيل نصيب وافر منها، فلله الحمد والمنّة.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل…))
انتهت رسالة السيد نافع.
* ملاحظة: هذه الشهادة التى خصنى بها السيد الجليل نافع العربي احمد الشريف السنوسي نقلتها حرفيا إلى صفحتى المتواضعة،وسلامتكم جميعا.
* الصورة المرفقة صورة السيد نافع العربي احمد الشريف السنوسي.