مقالات

وفاء البوعيسي

السياحة الدينية ورقمنة الحج

أرشيف الكاتب
2023/07/01 على الساعة 05:46

مقدمة

بعد التراجع الكبير لمدة عامين في عدد الحجاج (2020-2021) الذين يزورون المواقع المقدسة في السعودية، بسبب فايروس كورونا، شهد الموسم الماضي (2022) ما يقرب من مستويات ما قبل الوباء من حيث عدد الحجاج من جميع أنحاء العالم. ومن المرجح أن يشهد هذا الموسم أعداداً أكبر. 

وبما أن هناك أكثر من 1.6 مليار مسلم في العالم، يطمحون لأداء فريضة الحج مرة واحدة على الأقل في حياتهم، فإن السؤال المتكرر حول القدرة الاستيعابية للحجاج يصبح أكثر إلحاحًا من أي وقتٍ مضى.

من الناحية العملية، لن يتمكن الكثيرون من إدراك فرصة للحج وإن كانوا قادرين على تحمل كلفته المتزايدة كل موسم، وما فرضته منظمة التعاون الإسلامي في عام 1988 بمنح حصص الحج بنسبة لا تقل عن 1000 حاج لكل مليون من إجمالي المسلمين، صار أمرًا في حكم المستحيل منذ أعوام طويلة. لذا ستظل الحصص وقوائم الانتظار واليانصيب ضرورية وحتمية للحج. ومن هنا كان التركيز الكبير في "رؤية 2030 للمملكة السعودية" ينصب في الواقع على العمرة على مدار العام. 

رؤية 2030 

هي إطار عمل استراتيجي تم إطلاقه في أبريل 2016 للتخفيف من الاعتماد على النفط وتحسين البنية التحتية وتنويع المجالات الاقتصادية. والعمرة يمكن أداؤها في أي وقتٍ من السنة، بخلاف الحج الذي يؤدى في مواعيد محددة من التقويم القمري.  وعلى الرغم من أن العمرة ليست فرضًا دينيًا، إلا أنه يمكن إتمامها في نصف يوم، مما يجعلها مثاليةً ليس فقط لتلبية الطلب العالمي على زيارة المساجد المقدسة في مكة والمدينة، لكن أيضًا لتعزيز السياحة على نطاقٍ أوسع. إذ تُغذي العمرة سوقًا سياحة دينية مزدهرة، من حيث القدرة على تحمل التكاليف والوصول دون يانصيب أو حصص تنافسية. أو قوائم انتظارـ ففي عام 2019، بلغ عدد المعتمرين 20 مليونًا مع إصدار المملكة لتأشيرة إلكترونية سياحية جديدة في نفس السنة. 

وبالوقت الذي يمثّل فيه الحج مصدرًا رئيسيًا وثابتًا للدخل، إلا أنه يشكل تحديًا كبيرًا في تنظيم واستيعاب أحد أكبر التجمعات البشرية في العالم، في أماكن محددة وأزمنة محصورة. 

وسيتطلب استيعاب أكثر من ضعف عدد الحجاج لهذا العام استثمارات كبيرة في الضيافة، وتوسعة المساجد، والمرافق، والتنظيم، والرعاية الصحية والمطارات، مع الأخذ في الاعتبار أن البنية التحتية الحالية هي نتيجة عقود من التطوير المتتالي.

الحج ركيزة اقتصادية

يعتقد الاقتصاديون السعوديون أن الحج يمكن أن يحافظ على اقتصاد المملكة بأكمله نظرًا لأهميته الاقتصادية للبلاد، وبالذات لكونه واجبًا على جميع المسلمين القادرين ماديًا وجسديًا. لذلك، فسيكون هناك طلب دائم على السياحة الدينية، وهذا سيخلق تأثيرات كبيرة في مكة والأماكن المقدسة القريبة منها. وقد نجحت المملكة بالفعل في تسويق مشهدٍ سياحي حداثي مذهل للغاية ويساير التكنولوجيا للسياح الحجاج والمعتمرين بالعام الماضي ومن المرجح تطويره لهذا العام.

إنجازات سعودية

1- في العام المنصرم، سجل باحثان سعوديان براءة اختراع لتوليد وتخزين الكهرباء، يتم جمعها عن طريق مشي الحجاج من خلال الضغط على مكابس صغيرة تحت الأرضيات. 

2- تم إطلاق 5000 سوار ذكي للحجاج يتتبع  تعرضهم لفيروس كورونا، ولقياس معدل ضربات القلب ونسبة الأكسجين في الدم، وللوصول لجهات اتصال يمكن التواصل معها في الطوارئ.

3- تم تقديم سوار إلكتروني تجريبي للعثور على الأطفال المفصولين عن أسرهم. 

4- إطلاق روبوتات مُطهرة تساعد المعتمرين والحجاج في احتياجاتهم الخاصةـ  

وفي حين أن هذه التقنيات لم يتم تنفيذها بعد على نطاق واسع، إلا أنها تقدم مؤشرًا على القدرات المستقبلية التي يمكن استخدامها لتنظيم أفضل للحج وتعزيز تجربة الحجاج الروحية. (Adam Bensaid, Here’s why the future of Hajj hinges on technology)

توقعات طموحة

ووفقًا للتقدم التكنولوجي الباهر الذي أحرزته السعودية في العامين الماضيين، فثمة توقعات طموحة للعام 2023 الجاري، ومنها:

1- استخدام تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي، لمنح الحجاج تجارب مدهشة بمساعدتهم على استكشاف المواقع الدينية والمعالم التاريخية حتى لو لم يتمكنوا من زيارتها فعليًا.

2- استخدام تطبيقات الهواتف النقالة والأدلة الرقمية، والتي توفر ثروة من المعلومات حول طرق الحج والمواقع التاريخية، ومعرفة العادات والتقاليد المحلية وأماكن التسوق. وتتضمن التطبيقات خرائط تفاعلية أولا بأول، وأدلة صوتية بعشرات اللغات، والتبليغ عن آخر التحديثات في الوقت الفعلي، وإعطاء معلومات عن ظروف الاكتظاظ، مع توصيات حول وسائل الراحة القريبة منهم. 

3- يمكن للحجاج الاستفادة من الأجهزة القابلة للارتداء مثل الساعات الذكية، أو أجهزة تتبع اللياقة البدنية التي يمكنها مراقبة صحتهم ونشاطهم البدني أثناء الحج. ويمكن لتلك الأجهزة تتبع العلامات الحيوية وقياس المسافة المقطوعة، وتقديم نصائح للترطيب والراحة، مما يضمن الحفاظ على رفاهية وصحة الحجاج طوال رحلتهم. 

4- يمكن لأجهزة الاستشعار اللوجستية عبر "إنترنت الأشياء" مراقبة كثافة الحشود وإدارة تدفق حركة المرور وتوفير معلومات سريعة حول أطول قوائم انتظار الخدمات وتنبيهات السلامة، وذلك لضمان سلامة الحجاج وتقليل الازدحام.

5- تطبيق عرفات، عبر استخدام تقنيات الترجمة الفورية المتطورة، إذ يمكن أن تشكل الحواجز اللغوية تحديًا للحجاج الدوليين. ومن خلال الترجمة الفورية المنطوقة، سيتسنى فهم خطبة يوم عرفة بعشرات اللغات، وقراءة الإرشادات في الطرق ومحطات النقل وجداول عودة الحجاج لفنادقهم حتى مغادرة المملكة. 

6- استخدام طائرات بدون طيار مزودة بكاميرات للمراقبة الجوية ومراقبة مواقع أداء المناسك، مما يضمن مساعدة السلطات في توجيه الحشود واكتشاف أي مخاطر أمنية محتملة، مع تقديم لقطات حية للأحداث الجارية.

7- تطبيق توكيل، والذي يخلق منصات حج افتراضية عبر الإنترنت، يشكل بديلاً للأفراد غير القادرين على القيام برحلات فعلية بأنفسهم فيضطرون لتوكيل أقاربهم بالحج نيابةً عنهم، وستقدم تلك المنصات أحداثًا يتم بثها مباشرة، مع السماح بمناقشات تفاعلية وجولات افتراضية، مما يسمح للأفراد بالمشاركة في الأنشطة الدينية والروحية من أي مكان في العالم.

خاتمة

إن إحدى فوائد التحرك السعودي نحو رقمنة الحج والعمرة، قد يكون  هدفه تقليل الاعتماد على أنظمة معقدة وتقليدية في المملكة، مطمئنين إلى الطلب العالمي على الحج لتزايد عدد المسلمين في العالم، لكن وعد المراهنة على السياحة الدينية، يواجه تحديات تتضمن أسئلة طويلة الأمد حول الاستدامة المستقبلية من حيث:

> الأعداد الإجمالية المستوعبة لضيوف الرحمن.

> القدرة المادية للسائحين  دينيا مع ارتفاع الأسعار العالمي.

> ضيق وقت مناسك الحج بالذات والمساحات المحدودة التي يتحركون فيها.

> الصحة العامة والسلامةـ أخذا بالاعتبار الأمراض المتوطنة والموسمية للملايين التي تزورهم سنويا.

> الاستهلاك، ويشمل الطاقة والماء وتأثيراته البيئة.

> الاهتمام بالتراث المادي وغير المادي للبلاد، مع المحافظة على هوية المكان. فضلا عن حجم الاستثمار في البنية التحتية للتكنولوجيا بشكل عام.

وفاء البوعيسي

كلمات مفاتيح : الحج،
لا تعليقات على هذا الموضوع
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل
جميع المقالات والأراء التي تنشر في هذا الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع