إذا ما أحصينا خسائر التنظيمات المتطرفة في مدينة بنغازي فهي لا تعد ولا تحصى. فقد خسروا أهم عروشهم وحصونهم التى كانوا يرون فيها أنها منيعة، فما اخذوه بالقوة اعادة الجيش بالقوة.
التنظيم الذي استولى على معسكرات الجيش سابقا بحجة أن الجيش هو جيش النظام السابق، لم يلبث بعد ذلك أن خرج يصفهم بالطواغيت ليبدأ بالتكشير عن أنيابه وعن فكره الذي أراد ان يستوطن بلد وسطياً مسلماً.
التنظيم الذى هو في الاساس يتكون من عدة مسميات قبل ان يتحول الي اسم واحد "داعش".. قد كان يتكون من كتيبة انصار الشريعة وكتيبة 17 فبراير وكتيبة راف الله السحاتي والدورع، وكل منهم له فكره، حيث ان هذه المجموعات لم تتفق الا على تدمير المؤسسة العسكرية والامنية في المدينة وعلى من يقول بأن قوات الجيش هي من وضعت الجميع في سلة واحدة، أقول له وكنت حاضرة كل تلك الفترة ان عناصر الجيش تفاوضت كثيرا مع هذه الجماعات وخصوصا الدروع كونهم ليسوا اصحاب فكر متطرف في البداية إذا أن الدروع تحوي عددا كبيرا من الشباب الباحث عن عمل ولم تستطع الجهات المسؤولة في تلك الفترة احتواءهم وتوفير اعمال لهم، لا بل تم دفعهم الى ان يكونوا لقمة سهلة في أفواه عفنة لا تستمتع الا بطعم الدم والدمار وصار يخرج علينا كل قادة هذه التنظيمات التى تدعي عدم إرتباطها بالتنظيم باسلوب داعش الاعلامي من أناشيد وطريقة خطابة دون ان ينسي المتحدث معانقة أعلام الدولة الأسلامية السوداء من الخلف، مؤكدا تبعيته لها.
فبعد أن أعاد الجيش معسكراته من يد التنظيم في المحور الشرقي الجنوبي وهى: "معسكر الصاعقه (المدرسة)، معسكر 21 صاعقة، معسكر 36 صاعقة، معسكر 319 والثانوية الفنيه والدوشم سي منصور"، بدأ يتقدم ليسقط عروشا أخرى من أهمها كتيبة راف الله السحاتي التى اتخذت من مزرعة القذافي مقراً لها بحجة أنها غنيمة في الوقت الذي كان من المفروض أن تتحفظ الدولة على أملاك النظام السابق وأتباعه.
ثم تم التقدم إلى المحور الغربي الجنوبي والتقدم باتجاه منطقة الهواري بعد ان احكم عناصر الجيش سيطرتهم على منطقة الليثي، تلك المنطقة التى تعد من اكبر المناطق بالمدينة وبها كثافة سكانية كبيرة والتى نزحت جلها بسبب الأحداث وما تعرض له الكثير من سكانها من تنكيل على يد هذه الجماعات الحاقدة. ولم يمض وقت حتي اعلن عن تحرير منطقة الهوراي والتقدم باتجاه منطقة القوارشة التى كانت تمثل عاصمتهم الروحية، فهي المنطقة التى تعد نقطة ارتكاز أساسي من بداية تكونهم بعد 2011. فبعد أن حوصرت من جميع الجوانب وجففت كل طرق الامداد لديهم، وعلى رأسها ميناء المريسة، هذا الميناء الذي كانت تتدفق منه جرافات الموت، اقتحم الجيش هذه المنطقة الشاسعة وأسقط أهم مراكزهم وتمركزهم فيها، ومن اهمها معنويا بوابة القوارشة التى ازهقت فيها الكثير من الارواح من شباب بنغازي، حيث كانت نقطة تفتيش يتم فيها مصادرة السيارات الفخمة وتفتيش الهواتف النقالة، وفى حالة وجود اي شيء يدل على ان الشخص له ميول للمؤسسة العسكرية يتم سجنة ومن ثم يجده أهله جثة هامدة في "مشروع الصفصفة" الذى أصبح أهل بنغازي يسمونه "مشروع التصفية".
وبدأت امبروطورية داعش ومن تبعها فى الاضمحلال، فالمحور الغربي الجنوبي بات في قبضة يد رجال الجيش اما الغربي الشمالى فقد تم السيطرة عليه تباعا لتنحصر هذه المجموعة في منطقة قنفودة بعد أن سيطر الجيش على المدينة الجامعية ومنطقة قاريونس والقرية السياحية ومصيف النيروز والحضيرة الجمركية التى اصبحت ساحة معارك كونها هى بوابة العبور إلي قنفودة. اما الأحياء التى لم يدخلها الجيش فهي محاصرة ومن أهم هذه الأماكن محور سوق الحوت والصابري التي تغلغل الارهاب في أوصالها ليحولها إلى مناطق منكوبة.
ويستمر الجيش بمواجهة أقذر الحروب التى عرفت عبر التاريخ وهي حرب الألغام التى راح ضحيتها عسكريون ومدنيون فرحوا بالنصر غير ان الموت لم يمهلهم وقتا كافيا للفرح.. ورغم ان مهمة رجال الهندسة العسكرية مهمة انسانية بحتة الا أنها لم تجد أهتماما من المنظمات الدولية التى ترفع شعار حماية المدنيين وترك رجال نزع الالغام لقدرهم وفى مواجهة الموت المحتم فاتخذوا من موتهم جسرا تعبره حياة ابناء مدينتهم.
وأمام أمكانيات معدومة ومحاصرة من المجتمع الدولي يعيد سلاح الجو تهيئة طائراته المتهالكة لتصبح من أهم الاسلحة التى يعول عليها الجيش في التقدم لدك معاقل التطرف لفئة يدعى العالم محاربتها.
بنغازي تلك المدينة التى اختاط رجالها ثوب النصر بدمائهم واجسادهم وصبر أهلها الذين كانوا هم بداية رفض هذه الجماعات وذلك بخروجهم في الشوارع رغم انعدام الأمن والأمان فى ذاك الوقت مطالبين بقيام الدولة وداعمين المؤسسة العسكرية التى تعرضت لمحاولة الابادة على أيدي دعاة الفكر المتطرف.
خديجة العمامي