يقول البروفسور ريشارد ديدا: ( نحن ندرب الطلاب ونقيم أداءنا من خلالهم، حتى نطور أنفسنا لأجلهم، وعليه فإننا مجبرون أن نسلم لهم أمانتنا في وقتها، وعند المحك سوف يقال عنهم أنهم من انتاجنا).
وإذا اعتبرنا أن الطالب هو محور العملية التعليمية الذي يهدف قطاع التعليم إلى خدمته، عبر عناصر العملية التعليمية من معلم ومنهج وطرائق تدريس وبيئة ملائمة، تحوي هذه العناصر وتدمجها مع بعضها حتى تعطينا مخرجات تقترن نسبة نجاحها، بمدى تفاعل عناصر العملية التعليمة مع بعضها في بيئة ملائمة. فلا أعتقد أن هذا التفاعل يحصل بشكل علمي سليم في ليبيا، إلا الحد الأدنى منه الذي يعتمد على جهود بعض الأفراد في المؤسسات التعليمية. وهو ما يفسر تدني مستوى التعليم الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينتج لنا نسب مرتفعة من النجاح تعكس حالة مخرجاتها.
ولا شك أن نسبة نتائج الثانوية العامة لهذه السنة والتي بلغت 85%، لا تعكس حقيقة المخرجات التعليمية، وذلك لأن البيئة التعليمية في ليبيا لم تكن في أي سنة من السنوات الماضية ملائمة لدمج عناصر العملية التعليمية بشكل فعال، حتى تسمح ببروز مثل هذه النسبة، وخصوصاً بعد ثورة فبراير التي انعدمت فيها خصوصية (السرية) في نظام الامتحانات، وهي أهم مقوم تتأسس عليه. وفي الغالب فُقدت هذه السرية لأسباب أمنية، حيث أن الوضع الحالي يسمح بتسرب الأسئلة في أي مرحلة من مراحل إجراء الامتحانات ابتداءً من صياغة الأسئلة إلى طباعتها إلى عملية نقلها، ونظام حراستها وتوزيعها في اللجان.
ومن هنا يخطئ بعض الأساتذة الأفاضل عندما يعتقدون بأن الطالب وحده المسؤول عن فشله، وأن نجاحه يتوقف على مدى تعبئته لنموذج الإجابة الذي صاغ أسئلته أستاذه. هذه الأسئلة ثبت في كثير من الأحيان أنها لا تخضع لقواعد التقويم العلمية، ويعتقد البعض الأخر أن نسبة الرسوب تعد دليلاً قوياً على نزاهة الأستاذ وجديته.
هذا النوع من الأساتذة المقولب فكرياً ـ مع احترامي لهم ـ على أساس المنهج الموروث من نظام تعليم (الكتاتيب)، الذي لم تخلُ منه مؤسساتنا التعليمية اليوم، هم في الغالب يضعون جل اللوم على الطالب، في حين أن الطالب هو المحور الأساسي الذي ترتكز عليه العملية التعليمية جملة وتفصيلاً، وأن العناصر الأخرى لم تكن موجودة إلا لخدمته، وأن الأصل في العملية التعليمية هو النجاح، والاستثناء هو الرسوب، وأي فشل يجب أن تتحمله وزارة التربية والتعليم والمؤسسات التابعة لها.
ومن هنا لا يمكننا وضع اللوم على الطالب عندما يعجز قطاع التعليم عن القيام بواجباته لأسباب متعددة، ومن بينها أن مسؤولي التعليم يتم اختيارهم على أساس الولاء على التوالي إلى أن تشكلت شبكة من الفساد تتستر على بعضها. حيث يتم تزكية الوزير بدون مراعاة مبدأ الكفاءة الذي يجب أن يحدد وفق المفاضلة، ويتسلسل هذا الأسلوب المتخلف في اختيار المسؤولين من الأعلى إلى الأدنى على أساس ولاء الأقل مرتبة إلى الأعلى مرتبة. وبهذا يتعاون الجميع على فعل الفساد، ويتعاضدون من أجل التستر عليه. وهذه الظاهرة لا تصيب قطاع التعليم وحده.
فعندما يرسب الطلاب بنسبة 50%، فهذه حجة على المؤسسة التعليمية وليس على الطلاب. فالمؤسسة التعليمية وفق هذه النسبة من رسوب الطلاب، يتحتم عليها أن تجري تحقيقاً فورياً في الأسباب، ولتبدأ أولاً بتقييم المنهج وأداء الأستاذ وطريقة وضع الأسئلة، وتترك الطالب وشأنه إلى أن يظهر ما يثبت فشله. فليس من العلم في شيء أن يُلقى اللوم جزافاً على جموع الطلاب، ونترك تقييم العناصر الفردية الأخرى. وحتى إهمال الطلاب لدراستهم يجب أن يكون فيه نظر. فقد تكون البيئة التعليمية نفسها طاردة، ومنها المنهج وطرائق التدريس.
وعليه فإن التقويم في إطاره العلمي يعد على درجة كبيرة من الأهمية؛ فهو يبين مدى تقدم الطلبة في تعلمهم، ومدى فهمهم لما يتعلمون، ونؤكد هنا على أن الأستاذ يجب أن ينظر إلى الاختبارات على أنها وسيلة يتعرف من خلالها على مستوى طلابه، وليس هدفاً يسعى للوصول إليه. وقد أكدت نتائج البحوث التربوية الحديثة على هذه القيمة التقويمية، فالمعلمون بهده الطريقة يقومون بملاحظة مدى تقدم طلابهم نحو تحقيق الأهداف.
ولما لا تكون هناك أسئلة تحفيزية تدفع الطلاب للإطلاع على المنهج. ومن المهم أيضاً تشجيع الطلاب على العمل في مجموعات، وهو جانب تحفيزي أخر، أي بمعنى أن الأستاذ عليه أن يضع خطط متنوعة، تهدف لإقحام طلابه في العملية التعليمية، وألا يكتفي بالإلقاء، حتى يدفع السأم من نفوسهم.
وبالإجمال يمكن القول أن عملية التقويم يجب أن تكون مستمرة ومصاحبة للعملية التعليمية من بدايتها حتى نهايتها. هذه العملية يجب أن يشارك فيها الطالب بكل فاعلية عن طريق النشاط والتدريب، وربط المادة العلمية في جزء منها بحاجة المجتمع المحلية، وهذا يتطلب إعادة توزيع الوقت داخل الفصول الدراسية، حتى يكون للمعلم متسع من الوقت يستطيع من خلاله إشراك طلابه في العملية التعليمية بشكل متوازن. وبعدها يمكن التعرف على نقاط القوة وتعزيزها، ونقاط الضعف والعمل على علاجها.
وهذا على سبيل المثال لا الحصر، مقتطف من دراسة علمية قمنا بها في مركز البحوث العلمية اللغوية والتربوية، بجامعة نانسي الفرنسية. حيث كان من نتائجها تدمر الطلاب بنسبة 87%، من صعوبة تعلم مناهج اللغة العربية، ويطالبون بضرورة تغييرها وتطوير طرائق تدريسها. وهذه النسبة تعد كارثية مقارنة بدراسات أخرى أجريت على بعض لغات البلدان المتقدمة التي طورت تعليمها.
د. فرج دردور