قبل أيام نظم مركز الدراسات الإستراتيجية الذي يدره الأستاذ محمد عثمان الصيد ويعاونه الشاب المثقف سراج دغمان، لقاء حرا بين السيدة كارولاين هورندول سفيرة المملكة المتحدة (بريطانيا) لدى ليبيا ومجموعة من المثقفين. وقد أتيحت لي الفرصة لإبداء وجهة نظري في الوضع الليبي الراهن…
بدأت حديثي بالإشارة إلى أن لقاء اليوم قد يعيد للأذهان روح النوايا الحسنة التي عرفتها بنغازي لعقد كامل بعد الحرب العالمية الثانية حين تعاون شباب النخبة البرقاوية مع الإدارة البريطانية من أجل إعادة إعمار الإقليم.
بيد أن المشهد الحالي أكثر قتامة نتيجة لعنات النفط والفساد وانتشار السلاح.
ولأننا في بنغازي علينا أن نتفهم المزاج البرقاوي والتركيبة البنغازية وليس في طرح هذه التسميات أي دعوة للإقليمية التي يروج لها المضاربون من أجل المال والمناصب.
بنغازي من يأتيها يستقر، ومع السنين يتاجر ويتصاهر ويندمج. أما برقة فقد تشربت عبر ال 150 سنة الماضية روح التعايش ونبذ العنف بفضل تعاليم الطريقة السنوسية. ولذلك شهدت برقة في عقد الفوضى الحالي استقرارا نسبيا مقارنة بدواخل إقليم طرابلس.
وأشير هنا إلى أنني أغفلت عامل القبلية لأن تأثيرها السياسي تراجع نتيجة التحولات الديموغرافية العميقة والواسعة التي طرأت على المجتمع الليبي خلال القرن الماضي.
ولأن النخبة السياسية الحالية، قد فشلت فشلا ذريعا في إعادة بناء الدولة واستئناف الحياة الاقتصادية فمن حق المنتمين للأغلبية الصامتة أن يطرحوا حلولا ومقاربات غير مألوفة. من ذلك:
> أن شعار المصالحة الوطنية وهم لأن المجتمع الليبي متصالح أصلا في معظم الحالات.
> والإصرار على الانتخابات وهم في مناخ لا يسمح بإجرائها أو قبول نتائجها.
نحن الآن كأغلبية صامتة ومسالمة غير قادرين على دمج حكومتين أو برلمانين، وهي كلها تفتقد للشرعية على أي حال، وتستمد بقاءها من دعم دولي "قاهر" كما يقول رجال النفط .
أمام هذه الخلفية لنا أن نسأل عن الاستجابات المطلوبة لانتشال ليبيا من أزمتها الراهنة؟ وعلينا أن نستعد لقبول حلول خيالية.
باختصار شديد برقة اليوم بحاجة للعدالة بمختلف أشكالها: نصيب عادل من الريع النفطي ومشاريع التنمية ومؤسسات الدولة.
الراهن أن الدولة المركزية التي أمست أقرب إلى بلدية العاصمة، تمارس سلطاتها بنهج إقليمي ورؤية ضيقة، غير مدركين أن بقاء ودوام وازدهار الغرب الليبي مرهون بدوام وازدهار شرق وجنوب البلاد.
برقة أيها السادة كانت عبر تاريخها الحديث حاملة لشعلة مقاومة الاستعمار ثم شعلة النضال من أجل الاستقلال. ثم حققت ليبيا نهضة تحديثية مذهلة في الخمسينيات والستينيات. ويحسن بالنخبة السياسية الليبية الحالية أن تدرك إن برقة تستحق اهتماما خاصا من أجل مستقبل وخير المجتمع الليبي ككل.
المجتمع الدولي مثلا يرى ويدرك أن ليبيا ملزمة بإعادة المهاجرين من عرض البحر إلى البر الليبي وسلاح خفر الساحل ملزم بعرض العدد اليومي كما لو كانت انتصارات.
الخلاصة أنه لا يمكننا أن نتجاهل حقيقة أن هذا الوطن لن يستعيد وحدته واستقراره إلا بعد تطهيره من "وباء" السلاح. في وجود السلاح العشوائي سيبقى الفساد بدءا من الغش في المدارس، وعجز القضاء وشلل الإدارات المالية والرقابية‘‘.
بنغازي، 3 يونيو 2023