ضرورة إلغاء نظـام الصـوت الـواحـد غيـر المتحـول لإنجاح الانتخابات التشريعية القادمة
بتاريخ 02 يونيه 2012، ارسالت مقترحات الي الأخوات والإخوة رئيس وأعضاء المجلس الوطني الإنتقالي، ونشرتها في العديد من مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان: "القوائم المغلقة ونظـام الصـوت الـواحـد غيـر المتحـول"*، مُطالباً إلغاء هذه الآليات لإنجاح عملية أنتخاب أعضاء المؤتمر الوطني العام، ولكن للأسف لم يستجيب لذلك.
وفي 2014 قام المؤتمر الوطني العام بإصدار القانون رقم (10) بشأن انتخاب مجلس النواب وفيه تم إلغاء "نظام القوائم المغلقة"، ونصت المادة (18) منه علي ان: "يُعتمد النظام الانتخابي الفردي في انتخاب أعضاء مجلس النواب وفقا لنظام الصوت الواحد غير المتحول ...."**
واليوم وبمناسبة محاولة إعادة صياغة "قانون انتخابات جديد،" أناشد السيدات والسادة المشاركين في هذه العملية بإلغاء نظام الصوت الواحد غير المتحول حتي نتلافي الأخطاء الكارثية السابقة، ويتم إجراء إنتخابات تشريعية حره ونزيهة وتعكس إرادة الناخب الحقيقية.
معايير الانتخابات:
إن الغرض الاساسي من أي نظام انتخابي حقيقي هو ترجمة الأصوات التي يتم الإدلاء بها في دائرة انتخابية ما، إلى عدد المقاعد المخصصة لتلك الدائرة. وقبل الاشارة الى عيوب ومخاطر نظـام الصـوت الـواحـد غيـر المتحـول، لعله من المناسب التذكير بأهم المعايير التى يجب إستخدامها لإنجاح أي عملية انتخابية:
(1) الشرعية
يجب ان تكون قواعد العملية الانتخابية مقبولة لجميع المشاركين فيها.
(2) المنافسة
يجب ان تتيح العملية الانتخابية الفرصة للجميع بالمشاركة علي قدم المساواه.
(3) الاختيار
يجب الا تُحرم العملية الانتخابية الناخبين من إختيار من يعتقدون انه الانسب.
(4) المحاسبة
يجب ان تُمكن العملية الانتخابية الناخبين من محاسبة ومراقبة ممثليهم.
إنطلاقا من هذه المعايير، يمكن القول إن كل متأمل في العمليات الانتخابية لإختيار أعضاء المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب، يري بكل وضوح غياب المعايير التى ذكرتها سابقا.
لماذا المطالبة بإلالغاء؟
لعل من أهم الاسباب التي تدفع للمطالبة بإلغاء نظام الصوت الواحد غير المتحول هي:
أولا: اقصاء الاحزاب الصغيرة من اي تمثيل حقيقي لها في المجلس التشريعي.
ثانيا: إضعاف العلاقة المباشرة بين الناخب وممثله في المجلس.
ثالثا: سهولة الفوز - أي أن زيادة عدد المرشحين في دائرة ما، يجعل من السهل الفوز بالمقعد، حتى لو تحصل المرشح الفائزعلى نسبة ضئيلة جداً من الأصوات.
رابعا: اختيار مرشح واحدة فقط - في هذا النظام يقوم الناخب بإختيار مرشح واحد فقط من مجموع المرشحين الذين سيقومون بتمثيله قي المجلس التشريعي. بمعني آخر، يقوم هذا النظام على أساس الاقتراع لصالح مرشح واحد فقط في دائرة متعددة التمثيل. فعلي سبيل المثال، لقد خُصص لدائرة مصراته الفرعية في إنتخابات عام 2014، ثمان (8) مقاعد في مجلس النواب (سبع مقاعد للرجال ومقعد للمراة)، ولكن لم يسمح للناخب في هذه الدائرة الا اختيار مرشح واحد فقط من بين المرشحين لمقاعد الرجال السبع، بالرغم من ان هؤلاء النواب السبع سينوبون عنه ويتحدتون باسمه في المجلس، وهذه يعني ان صوت هذا الناخب في الحقيقة يساوي واحد علي سبعة (1/7) من صوت ناخب أخر في دائرة بها ممثل واحد (كما هو الحال، علي سبيل المثال، في الدوائر الفرعية الانتخابية: الأصابعة وكاباو ومزدة وغدامس في الغرب، وأم الارانب وتراقن ووادي عتبة في الجنوب، وأوجلة وقمينس وسلوق في الشرق). أما في الدائرة الفرعية بنغازي فالوضع أسوأ، إذ خُصص لها عشرين (20) مقعداً في مجلس النواب (ستة عشر مقاعد للرجال وأربع مقاعد للمراة)، ولكن لم يسمح للناخب في هذه الدائرة الا اختيار مرشح واحد فقط من مجموع المرشحين لهذه المقاعد، بالرغم من ان هؤلاء النواب الـ 16 سينوبون عنه ويتحدتون باسمه في المجلس، وهذه يعني ايضا ان صوت الناخب الحقيقي في الدائرة الفرعية بنغازي يساوي واحد علي ستة عشر (1/16) من صوت ناخب أخر في دائرة بها ممثل واحد كما ذكرت سابقا! والاغرب من هذا كله، ان القانون سمح بإستخدام "اسلوب الأكثرية (أي الفوز للأكثر أصواتا)" بدلاً من "اسلوب الأغلبية (أي 50+1%)!" للفوز بالمقاعد في العملية الانتخابية! مما يعني أنه سيفوز في هذه العملية الانتخابية المرشح الذي يحصل علي أكثر الأصوات من اي مرشح آخر (حتي ولو كان الفارق بينهم صوتاً واحد)! وكنتيجة لإستخدام هذا النظام، تم في عام 2014 إنتخاب 137 نائب لمجلس النواب بأقل من 2000 صوت، وإنتخاب 53 نائب بأقل من 500 صوت، وفاز أحد الآعضاء بـ 232 صوت فقط! (أنظر الجدول رقم 1). بمعني أخر، لقد فاز 72.9% من اعضاء مجلس النواب عام 2014 بأقل من 2000 صوت لكل عضو!!!
خامسا: ضياع الاصوات - يقود نظام الصوت الواحد غير المتحول الي ضياع أعداد كثيرة من اصوات الناخبينً، ولن يكون لها من يمثلهم في المجلس التشريعي (أنظر الجدول رقم 2).
هذا الجدول يوضع ان 80% من الناخبين بالرغم من انهم لم يختاروا المرشح (أ)، ومع ذلك فاز بالمقعد في هذه الانتخابات، وأصبح يمثل الجميع لانه تحصل علي أكثر اصوات من أي مترشح آخر! ونتيجة لذلك لن يكون لهذه الأغلبية الساحقة (أي الـ 80%) من يعبرعن أرآئها وطموحاتها في داخل المجلس التشريعي، والحقيقة المؤسفة ان هذا هو ما حدث بالفعل في الانتخابات الليبية خلال العشر سنوات الماضية!
الخلاصة:
من المؤسف حقاً، ان يُطلق علي هذا النوع من الدوائر التى يمارس فيها نظام الصوت الواحد غير المتحول أسم "دائرة فردية". والحقيقة انها دوائر مُشوهة! لان المتعارف عليها في الدول الديمقراطية، ان الاقتراع فيما يُعرف بالدوائر الفردية، هو ان يُخصص مقعد واحد لكل دائرة أنتخابية، وان يسمح للجميع – افراد وأحزاب وتكتلات – بالمشاركة والتنافس علي هذا المقعد. وبناءا علي ما ذكرته سابقا، يمكن أن أختم هذه المناشدة بدعوة السيدات والسادة المشاركين في وضع قانون الانتخابات الجديد للقيام بالاتي:
أولا: إلغاء نظام الصوت الواحد غير المتحول وإستبداله بـ "نظام الأكثرية" فيما يُعرف بـ "الـدائرة الفردية". بمعني أن يتم استخدام أسلوب الأكثرية لدورة واحدة في كل دائرة انتخابية، والمرشحين الذين يتحصلون علي أكثر الأصوات هم الفائزون، ويكونوا بذلك الممثلين للدائرة الانتخابية التى اتوا منها. إن القيام بهذا التغيير يمنح للناخبين الشعور بقيمة اصواتهم ويجنبهم الشعور بان اصواتهم مجرد ارقام ضائعة غير مؤثرة، ويمنحهم فرص متساوية في اختيار من يمثلهم والسعي لتأسيس دولة ديمقراطية حقيقية.
ثانيا: تمديد مدة الحملة الدعاية الإنتخابية، حتى يتاح للمرشحين الفرص الكافية (سوأ ان كانوا يمثلون أنفسهم أو تكثلاتهم او احزابهم)، ويستطيعوا بذلك التعريف بأنفسهم وببرامجهم.
ثالثا: إلزام كل مرشح بالتوقيع علي ميثاق شرف يتعهد فيه بـتعريف الناخب بإنتمائه السياسي والفكري، ويتعهد بان يكون مستقل في أتخاد قراراته، ويعطي الحق للذين إنتخبوه بسحب الثقة منه اذا قام بعكس ما ألتزم به.
ختاماً، علي كل من يحاول إعادة صياغة "قانون انتخابات جديد،" ان يتذكر إن شعبنا ينتظر منك إنجاز هذا القانون في اسرع وقت، حتي يتمكن من ممارسة حقه في العملية الديمقراطية الحقيقية، وإختيار أعضاء مجلسه التشريعي الجديد بالطرق العادلة والمناسبة والصحيحة. أدعو الله ان يتحقق ذلك قريبا.
آخير لا تنسوا يا أحباب إن هذه مجرد إقتراح، أعتقد إنه الصواب وسيعود بالخير علي مستقبل الوطن، فمن أتي بمقترح أحسن منه قبلناه، ومن أتي بمقترح يختلف عنه احترمناه. والله المســتعـان.
* للآطلاع علي المقال الاصلي، في 2012، راجع: "القوائم المغلقة ونظـام الصـوت الـواحـد غيـر المتحـول: إقتراح بتعديلهما لإنجاح المؤتمر الوطني وتحقيق دولتنا المنشودة" موقع ليبيا المستقبل، 2/6/2012.
** قانون رقم (10) لسنة 2014 م، بشأن إنتخاب مجلس النواب في المرحلة الإنتقالية. المؤتمر الوطني العام، صدر يوم 31/3/2014. https://security-legislation.ly/ar/law/31987