مقالات

محمد السبوعي

لم أنتبه إلا لصوت واحد…

أرشيف الكاتب
2023/05/26 على الساعة 15:28

لم يعد الشاعر أميرا في قومه.. أو خادما حتى بعد تقلص دوره من ناطق باسم قبيلته أو عشيرته أو دولته.. إلى مرابط تحت حائط إتحاد كتاب ينتظر صدقة جارية.. أو ثابتة حسب مجموعته الشعرية المنثورة في كلمات أقرب منها للثرثرة والهذيان منها إلى الشعر…

قلت لأدونيس ذات لقاء في تونس وكان يسألني عن المشهد الشعري في بلدي.. لقد فتحت أبواب الجحيم يا علي احمد سعيد بقصيدة النثر هذه التي عكّرت الذائقة.. وأفقدت القصيدة بهاءها وسحرها…

كان محمود درويش يصرخ دائما: لماذا نتخلى عن ثروتنا الإيقاعية؟؟؟

أقول قولي هذا وأستغفر للبعض من الأصوات النادرة في ساحتنا الإبداعية والتي تمرّست بإيقاعات الشعر العربي من العمودي إلى التفعيلة. يشهد بذلك منجزها الشعري الزاخر. أصوات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة تمكنّت من المعرفة بتقنيات الكتابة واطّلعت على تجارب شعرية عالمية رائدة كنصوص اليوناني ريتسوس  والمكسيكي أوكتافيو باث والأمريكي عزرا باوند والعديد من الأسماء المتفرّدة في الشعر العالمي…

ولكن شرعيّة قصيدة النثر التى منحها يوسف الخال وأنسي الحاج وأدونيس أنتجت بالفعل كوارث شعرية من المحيط إلى الخليج. ولقد بحثت في المغرب والجزائر ومصر والعراق وغيرها فلم أنتبه إلا لصوت واحد هو الشاعر الليبي مفتاح العماري…

عرفته منذ أكثر من عقدين في مهرجان ربيع الفنون بالقيروان. كان شخصا إنطوائيا خجولا وغاية في اللطف والألفة. ولا تسمح المهرجانات عادة بالتعرّف على التجارب والنصوص بقدر ما تطغى الإحتفالية والصخب على المشهد. ولكنه أهداني أحد كتبه.. نظرت للكتاب بريبتي الغريزيّة من قصيدة النثر ولم ألق به لأول عابر أو نادل في الفندق كما تعوّدت مع الكتب التي يهديني إياها شعراء قصيدة النثر. قلت فلأجرب البحث خارج تونس لعلني أظفر بشيء مختلف عن مشهدنا الشعري القاحل.. والذي يعجّ بالمهرّجين والمهرّجات. وبالفعل كان نصّا مدهشا بحق لدرجة مربكة حتى انني أهديت للشاعر إحدي قصائدي في كتابي قمر مدهش في بهائه مضمنا بعض أبياته في قصيدتي وكنت أسأل الوافدين من ليبيا عن مفتاح العماري وقد قيل لي انه تولى منصبا ديبلوماسيا في بلاده وانقطعت أخباره…

عدت هذه الأيام بعد أن عثرت على صفحته في وسائل التواصل الإجتماعي لمتابعة هذه التجربة الآسرة فعثرت على هذه الأبيات:

لسنوات عجاف ظلت تنبح

لكأنها ستملأ الفراغَ الذي تركه غيابُ الراعي؛

كلابُ النجع.

برغم انها أقرب شكلا إلى الهايكو الياباني فانها من رحم بيئة الشاعر ومجتمعه  الرعوي.. الإله الراعي وكلاب النجع والقطيع الغائب في عجاف سنواته.. لكأن ما أقرأه لوحة سومرية أو نقيشة هيروغلوفية تنبؤنا بما حدث في زمن ما في مناخ بدوى مثخن بذكوريّته وآلهته وأساطيره…

يتبع…. 

محمد السبوعي

#الشاعر_مفتاح_العماري_السقيفة_الليبية

لا تعليقات على هذا الموضوع
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل
جميع المقالات والأراء التي تنشر في هذا الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع