سألني أحدهم أذا ما كانت بنغازي حقاً قرية قبل سبتمبر 1969..؟
فردت ذاكرتي على عجل قائلة... "نعم لقد كانت "قرية"....!!!.
"قرية" بمناخ ثقافي مميز، حيث تصدر العديد من الصحف اليومية مثل الحقيقة، الرقيب، العمل، الزمان، برقة، البشائر…الخ وتصدر مجلات مثل قورينا وجيل ورسالة، قرية بجامعة كانت منارة للمعرفة والعلم بأساتذة مميزين من كل اصقاع العالم وبمحاضرات أسبوعية مفتوحة للجمهورحيث كنا نتمتع برؤية زوار محاضرين من أرجاء الوطن العربي، كما كانت هناك أنشطة ثقافية بالأندية الرياضية مثل نادي الهلال ونادي التحدي... كان هناك العديد من المكتبات التي توفر الكتب والمجلات وبأسعار زهيدة. كانت هناك صحف ومجلات تأتينا من عواصم الثقافة العربية ومن طرابلس مثل مجلة الرواد وصحف كالحرية والرائد والبلاغ.
كانت هناك حركة كشفية نشطة تقيم المعسكرات والمهرجانات وتفوز في المسابقات الدولية. كانت "قرية" بما تحويه من المكتبات المدرسية والمسارح المدرسية والمراسم ومعارض الفنون التشكيلية. كانت قرية مزدانة بالبعثات التدريسية المميزة من مصر وبالاساتذة الأفاضل من فلسطين والسودان والعراق الذين كانوا بآرائهم وبنقاشاتهم وأحيانا بتعصبهم وخصوماتهم يساهمون بشكل وأخر في تشكيل وعي جيل بأكمله. كان هناك شيوخ دين وعلم كابوصبع والصفراني وادهيميش وبوعود وغيرهم. وهناك اندية رياضية تتنافس بقوة مع نضرائها بكافة المسابقات المحلية والعربية.
كانت قرية بمراكز ثقافية مثل المركز الثقافي المصري والأمريكي والبريطاني والمكتبات العامة... وبإذاعة مسموعة بحق اشتهرت بحسن اداء مذيعيها كعلي أحمد سالم والوسيع والشريف وبن دادو وغيرهم وببرامج مميزة كالتي يعدها الدكتور عبدالهادي بولقمة والدكتورعلى فهمي اخشيم وبفنانين كيوسف العالم وصدقي ومحمد نجم ومحمد مختاروالشعالية وبومدين وغيرهم ... كان هناك المسارح كالشعبي والوطني . كانت قرية بكتاب وشعراء مثل أحمد رفيق المهدوي، الصادق النيهوم، خليفة الفاخرى، محمد الشلطامي، رشاد الهوني، محمد المسلاتي، يوسف الدلنسي، علي الفزاني، محمد عبدالرازق مناع، محمد بازامة وأخرين... مما زخرت بهم ساحتنا الثقافية.. كانت قرية بدور عرض سينمائية كسينمات ريكس والبرينتشي والحرية وهايتي والاستقلال و9 أعسطس والنهضة، ومصائف بحرية كجليانة ونادي الملاحة.
كانت قرية بحركة عمالية فاعلة ورموز وطنية نشطة وحركة رياضيه مزدهرة وأسواق تجارية تمتد من شارع الاستقلال وسوق الظلام والجريد وشارع ابوغولة حتى الاسواق الشعبية بالرويسات وسوق التركة كلها تزخر بالبضائع وتستقبل الزبائن من مصر الى تونس ، بمصارف عالمية كباركليز بنك ودي روما والبنك العربي وبنك مصر والمصارف الليبية التي كان بعضها مصارف أهلية، كانت مقراً للخطوط الجوية الليبية و للمكتبة الوطنية والمؤسسة الوطنية للنفط. كانت قرية تعج بوكلاء تجاريين لمعظم السلع العالمية وبفنادق ومطاعم فاخرة ومقاهي متنوعة ومطار دولي وميناء رئيسي وزوار وجاليات عربية واجنبية وجمعيات أهلية ..بل وحتى كلية حربية.
نعم بنغازي كانت قرية... "كونية"...!!
عطية صالح الأوجلي
* هذه التدوينة كانت ردا على سؤال ولا علاقة مباشرة لها بما قاله او لم يقله أحد.