في تقديرى، ان من الاولويات الهامة، لحلحلة شأننا الليبي على نحو جاد، يُبّعدنا عن انتاج الماضي بوجه اخر. تكّمُن في مساعدة هذا الكيان الوليد على استعادة وعّيه المُغيّب مند عقود بعيدة. ولذلك يجب على كل خطوة في تقديرى، ولو كانت صغيرة تسعى في اتجاه هذه الحلحلة، ان تصّطبغ مفرداتها ودلالاتها بِشُحنة تحّريضية، تستنهض بفعّلها، هذا الوعى المُغيب، لإيقاظه، ودفّعه نحو تحسس ذاته جغرافيا وديمغرافيا وثقافيا.
فعندما نقول بان أي خطوة في هذا الشأن يجب ان تمر من خلال البوابة المغاربية المتوسطية، نحن نقول وبصياغة اخرى، باننا نعمل وبهذا على تقّعيد وجَسّر جغرافيا ليبيا، بامتدادها الجغرافي الطبيعي الموضوعي، ونسّتحث هذا الكيان الوليد على تتحسس ذاته جغرافيا واجتماعيا وثقافيا، ونتيح له، بان يتلفت يمّنة ويسّرة، ليتعرف على من هو ومن يكون؟!.
اقول هذا ليس وحسب، لأنني اُشاهد (الماضي البغيض في وجهه الدولي) يعمل وبجدْ على اعادة تموّضعه، بوجه (محلى) جديد داخل جغرافيتنا، من خلال العمل على ان تضل ليبيا، مُغّيبة عن وعّيها الجغرافي الديموغرافي الثقافي. وشاهِدُنا على ذلك، في تلك اللحظات التى دفع بها وفيها، هذا (الماضي البغيض في وجهه الدولي) بيادقه داخل ليبيا، في اتجاه الجار التونسي، لإرباكه هذا الجار وازعاجه بل وتخويفه. فذهب هذا الشقيق، وان شاتم، ذهب هذا الجار ذو القربى، ولاعتبارات امّنية، نحو حفر اخدود مدعوم بشبكة مراقبة إلكترونية، للمحافظة على سلامته، وللتقليل من خسائره قدر الامكان. فبفعل بيادق هذا (البغيض) المحلية، والتى في مقّدوره ان يحرّكها متى شاء، سعى بمحاولته هذه الى دق اسفين بين جغرافيا ليبيا وامتدادها الجغرافي الاجتماعي الثقافي، وعمل وبجِدّ وبالاتكاء على هذا الفِعل، بالذهاب نحو التأسيس لجدار نَفّسى قوامه، التوجس والحذر والخوف، ليرفد به ذلك الاخدود وجداره الكترونى ويدّعمه.
لم اكن اسعى لقول هذا وفقط، بل ولإيقاظ هذا الجسم المغاربي المتوسطي، كي يكون وعلى يقين، بأن هذا الكيان الليبيى الوليد، سيكون عمقه الإيجابي سلما وحربا، في ما لو احتضنه ورعاه بالدعم والمساندة، لينمو داخل بيئته الطبيعية بالفضاء المغاربى المتوسطى، حيث تُربة نشأته وحيت جذوره الضاربة بعيدا. وقد تكون في الغفّلة عن هذا الكيان الوليد واهماله، شر مُستطير على هذا الفضاء المغاربي المتوسطى، لو تمكن هذا (الماضى البغيض في وجهه الدولى) من تطويع او قتل هذا الكيان الليبيى الوليد، واعاد تموضعه على انقاضه داخل جغرافية ليبيا، من جديد وفى توب جديد. عندها ستكون جغرافيا ليبيا، ودائما كما العقود الماضية، تحث قبضة ووصاية، ليوظف قدراتها وامكانياتها الطبيعية والبشرية، وموقعها الجغرافي الجيد في خدمة مشاريعه في المنطقة، بعيدا عن احتياجات ليبيا والليبيين في البناء والنمو، والحكم الرشيد داخل دولة المواطنة. وسيكون موقعها الجغرافي الهام والجيد، رهن رغبت هذا (البغيض) متى وكيف اراد، وبه يصير في مقّدوره هذا (البغيض) جعل حوض المتوسط اداة ضغط وابتزاز في يده، يحركها كيف ومتى شاء لإرباك وتّطويع بلدان ضفت المتوسط الشمالية، كما نشاهده في هذا الان، واداته في ذلك هؤلاء الملونين، اللذين يلقى بهم في يمّه داخل قوارب مستهلكة، تعجز عن العبور بهم الى ضفته الشمالية، ليمسي جلّهم غداء للأسماك، او يتقيهم جثت منتفخة على شطآنه، وما تبقى منهم تستقبلهم شواطئ ضفته الشمالية، وقد يبّتدع هذا (البغيض) اساليب ووسائل ضغط جديدة، يُمررها عبر المتوسط متى اراد، ففى جعبة هذا الحاوي العريق الكثير من الحيل الشيطانية. فمن واقع تجربتنا التاريخية معه، فلازالت منطقتنا واقليمنا الجغرافي الديمغرافي الثقافي الواسع، يعانى من اعرض ماضى هذا (البغيض) الاستعماري معه.
عندما كانت احذية عسكره، تَجُوس ديار ونواحي واطراف جغرافيا هذا الاقليم الواسع. ساعد هذا (البغيض) حينها على تهجير اناس كثر من وطنهم على يد مغتصبين، جاءوا من بلدان شتى. دفعوا بالأصليين الى منافى تِيّه، لا نهاية له، يتنقلون فيه بين مخيمات ولجو، تنتشر على بُقعْ من بؤس على جغرافيا اقليمنا الواسع، يتناسلون فيها في ظروف حياتية، لا يتوفر فيها الحد الادنى لحياة الادميين. والغريب في الامر، يحدث كل هذا امام انظار العالم، بما فيه من هيئات أممييه، لا تستطيع ان تتفوه بكلمة واحدة، وان حدث ذلك، تذهب كلماتها مع الريح. والمزعج واللامعقول في ذلك، اننا نستمع من زعماء هذا العالم الخَرِف من حين لأخر، وهم يُتحفوننا بتساؤلهم الفج والدائم، المُحمل بالاستغراب والاندهاش، لحظة نُطقهم به، قائلين لماذا يكرهوننا؟!!!.
البانوسى بن عثمان
الجنوب الليبيى