مقالات

إبراهيم قراده

رسائل غير مشفرة

أرشيف الكاتب
2016/08/20 على الساعة 22:53

رسالة إلى السبتمبريين:
القذافي رحل ونظامه سقط وانهار، وأصبحا جزء من تاريخ ليبيا. ومن وما تبقى هم اشخاص وجماعات سياسية واجتماعية ارتبطت بالقذافي ونظامه. ليس بالقدرة، ولا بالاستطاعة ولا بالامكان، عودة نظام القذافي إلى ليبيا. وأقصى القدرة هو رفع اعلام النظام على رقع جغرافية محددة ولوقت محدد ومؤقت جداً. وثمن ذلك هو المزيد من معاناتنا جمعياً، معاناة في الأرواح والمعيشة.
ولكنه في نفس الوقت، فالسبتمبريون هم مواطنون لهم مثل الجميع نفس الحقوق والواجبات، قام بعضهم بتجاوزات وعانى بعضهم من تجاوزات، والفيصل في ذلك القضاء واصحاب المظالم، ولكن ذلك مرتبط باستعجال المصالحة الوطنية لا بعرقلتها وتأخيرها.
ليبيا، التي نتفق عليها وفيها وبها، هي ليبيا الوطن التي تسع وفيها مكان للجميع، وذلك ليس له إلا طريق واحد هو دولة ليبيا المدنية الديمقراطية، التي تتأسس على الحرية والعدالة والعدل، الممارس عبر حرية التعبير والتجمع وتداول السلطة.
فهل من الوطنية والمسئولية والحكمة والإحساس بالناس، ان يستمر التغرير وتوريط الناس في مغامرات مؤكدة الفشل، والذي سيؤدي إلى المزيد من اغراق الوطن ومقاساته، وتعرضه للتدخلات الخارجية المهينة والمهددة لوحدة الوطن، التي تقولون ان القذافي كان ضدها؟!
رسالة إلى الفبرايرين:
قبل وعند انطلاق ثورة فبراير، او كما يسميها البعض انتفاضة، كانت النقطة المشتركة التي جمعت واجتمع عليها اغلبية عموم الليبيين، هي التخلص من طغيان ديكتاتورية القذافي العشائرية التوريثية وفسادها، مع حلم ببناء بديل في دولة ديمقراطية مدنية وحديثة تحقق الحرية والعدالة وتسعى للتنمية البشرية وتحرر المواطن من ذُل الحاجة وسؤالها. ولكنه بعد اعلان التحرير، وبعد تضحيات غالية، انفرط جمع فبراير منقسماً شيعاً واحزاباً وقبائلاً وجماعات كل طرف بما لديه فارح وكل طرف يريد الانتقاص والانقضاض على الاخر، فعاني الوطن جراء ذلك من انقسام وتشرذم واقتتال حول حياة الليبيين إلى كابوس متوالي، ليخسر الفبرايرين الحجة وليكسب المقامرون والمجرمون والمغرضون، وبل ليسطوا ويسيطروا على البلاد والعباد، مما استدعى الغرباء للتدخل والتحريض، اما باستدعاء بعضنا لنصرتهم او استباحة لنا.
فهل هذه هي فبراير الموعودة؟ فمبادئ واهداف فبراير الغير مكتوبة والمحفوظة في الضمير الشعبي ليست هي المحصلة لحد الان. وهذا يستوجب على محبي فبراير، الذين ضحوا ولا زالوا يضحون بارواحهم وجهودهم وأعصابهم، ان يعودوا لتلك المباديء والاهداف، وهي التي لا يمكن الوفاء بها وتحقيقها إلا عبر تذكر ما يعانيه الليبيون اليوم من ضيق وغيض وخوف، وما يخشاه الليبيون من غد صعب وقاسي يهين معيشتهم ويهدد أجيالهم ويدمر مستقبلهم.
لا توجد وسيلة ولا طريق إلا العودة لروح فبراير، فبراير الوطن الواحد وللجميع، فبراير المحبة والوئام والتضامن والوفاق، وذلك لا يمكن تحقيقه إلا بالتنازل لبعضنا البعض بدلا من الاستمرار في مسار تدمير الاخر، الذي هو تدمير "نحن" جميعا، ولا نستطيع ذلك إلا ببناء الدولة المدنية الديمقراطية وصيانة أعطابها وتصحيح انحرافاتها وتجاوز خلافاتنا، وايضاً بالتصدي لخطابات التنفير والاقصاء. وتلك هي الاجابة الوحيدة لسؤال هل هناك طريق غير ذلك.
رسالة إلى حاملي السلاح
إلى حاملي السلاح، سواء كانوا نظاميين او ثوار او اعضاء جماعات مسلحة اجتماعية او سياسية، وباعتبار انتشار السلاح لدى جميعكم، السؤال إليكم: هل بإمكان مجموعة واحدة فقط منكم فرض السيطرة الكاملة على كل الوطن؟ واذا كان بالاستطاعة ذلك، فكم من الأرواح والمال والوقت يستغرق ذلك، وكم تدوم تلك السيطرة؟ الاجابة لدى التاريخ والتجربة الانسانية على عمق مداها الزمني وسعة مداها الجغرافي، بأنه لا تقوم الاوطان ولا تتأسس الدول إلا باحتكار الدولة للسلاح واستخدامه، غير ذلك هو حرب اهلية متواصلة واقتتال اهلي مستمر لما لا نهاية، حتى تقوم الدولة عاجلا ام اجلا. ولذلك، فطالما ان تلك هي الاجابة الوحيدة، فلماذا الموت والخراب من غير معنى، إلا اذا كانت الدوافع مختلة.
احتكار الدولة للسلاح واستخدامه، تحكمه قواعد وشروط معروفة ومتعارف عليها، وفق عقيدة عسكرية وأمنية تلتزم بالسلطة السياسية العليا، سواء كانت هذه السلطة السياسية العليا ديمقراطية او ديكتاتورية، مدنية او عسكرية او بوليسية.
وحيث ان الواقع الليبي الحالي معروف، وهو نتاج ومخاض الولادة الصعبة والخروج القاسي من ديكتاتورية رهيبة، وان ليبيا واسعة الجغرافيا وقبلية التكوين، وان السلاح منتشر ويمكن الحصول عليه من الداخل المتربص والمتشنج والخارج المستعد والمرحب، فمن المؤكد ان السلاح لوحدة لن يحسم ولن يحقق إلا استمرار قتلنا لبعضنا.
وبالتالي، إليكم، هل هناك حل غير دولة مدنية ديمقراطية، تنتخب فيها السلطة السياسية العليا عبر صناديق الانتخابات المعبرة عن إرادة توجهات ومطالب الشعب، والذي يستوجب ويتضمن وينعكس على تبعية وطاعة السلاح، المنظم والمنتظم في الجيش والشرطة، للسلطة السياسية العليا.
رسالة إلى القبليين والمكونيين:
هل تستطيع ويمكن لقبيلة واحدة او مكون واحد او مجموعة مكونات وقبائل معينة احتكار كل الوطن والدولة لها فقط دون غيرها، مع استبعاد باقي القبائل؟ انه سؤال القدرة المرتبط بالاستطاعة والإمكانية.
قد تستطيع قبيلة او مجموعة قبائل فعل ذلك الان في ليبيا، بحكم سطوة السلاح ونفوذ المال ومناورات السياسة، ولكن لا يمكن ابداً ان تحافظ على ديمومة ذلك في ضوء تربص القبائل الاخرى، والتي وان كانت ضعيفة او مهمشة اليوم، إلا انها لن تسكت ولن تستكين- وجرب القذافي ذلك، والنتيجة ظاهرة وباهرة. وهكذا سيستمر الصراع، الذي لن يكون فيه طرف كاسب بل الكل خاسر.
رسالة إلى الاسلاميين والعلمانيين معاً
الطيف السياسي (الشعبي، الثقافي، المؤطر، او المؤدلج) يترواح نوعاً ودرجةً وكما بين التشدد العلماني والتطرف الاسلاموي. وباستثناء الطرفين الحديين في التيارين القائمين والمتشبثين باحتكار الصوابية واقصاء المختلف والغاء الاخر بكل سبل التحقير والتخوين والتكفير، وكافة وسائل الإخراج والنفي والملاحقة والقتل، هناك تيار علماني ديمقراطي (ليبرالي) وتيار اسلامي ديمقراطي، وهما معاً يشكلان الاغلبية الكبرى في الطيف السياسي.
السؤال المعضلة لهذين التيارين الديمقراطيين تحديدا، والمتمثل في حفرة الحلقة الجهنمية المغلقة، هل بالقدرة، استطاعة وامكاناً الغاء الاخر فكرياً وسياسياً؟ الاجابة ان عالم وواقع السياسة يقول بالاستحالة المطلقة ان يدوم ذلك، إلا ان الاشكالية لدى هذين التيارين، هي أنهما لا يستطيعان الفكاك وطلاق الانغلاق الايديولوجي، فيجدان نفسهما منجرين ومقيدين ومقبورين في خندق الإلغائية المتشدد والمتطرف، سواء كان اسلاموي او علماني، والذي يعني واقعياً الانتحار الجماعي.
الاجابة، هي الدولة المدنية الديمقراطية، التي توفر مساحات ممارسة الحرية الفكرية والسياسية والتنظيمية، التي تمنح المجال لاختبار وتطور الأفكار والبرامج، التي تختارها وتقييمها وتصححها الشعوب بالآلية الديمقراطية. القصور، انه هذين التيارين يتجنبان مواجهة خندق الموت، رغم تحقق الموت المحقق. وفي الجغرافية السياسية الراهنة اجابة شافية.
سؤال اخير، إلى جماعات الارهاب وعصابات الاجرام وشبكات الفساد:
هل ليبيا هي لكم وطن، وهل الليبيون لكم اهل؟ والاجابة المؤكدة انه مهما امعنتم وتماديتم وتجاوزتم في الارهاب والاجرام والطغيان فلن ولن تنتصروا، وان قدرتم واستطاعتم وتمكنتم، لجزء من التاريخ وجزء في الجغرافيا، فالحكم النهائي هو عدالة الارض الاجلة عند تقوم الدولة المدنية الديمقرطية، وعدالة الشعوب العاجلة التي لا تمحي لعناتها التوبة، وعدالة السماء المطلقة يوم الحساب.
سؤال الأسئلة:
هل لنا القدرة والاستطاعة والإمكانية، ان نعيش معاً وجميعا، واختياراً وراحةً، في وطن بدون دولة مدنية ديمقراطية؟ غير ذلك يبقى الحال متدهورا.
ابراهيم قراده (ادرار نفوسه)
[email protected]

كلمات مفاتيح : مقالات ليبيا المستقبل،
الورفللي | 23/08/2016 على الساعة 13:55
الرؤية البعيدة
هذه هي الرؤية البعيدة التي يجب أن يملكها كل مثقف، بل كل مواطن في ليبيا. لقد أثبتت دروس التاريخ أن الايدولوجيات ساقطة عاجلا أو أجلا مهما بدأت أنها قوية، ولا سبيل لليبيين لبناء دولة محترمة إلا بالتفاهم والتوافق واحترام الاختلاف.. شكرا جزيلا للكاتب المحترم.
عبدالله الفورتيه | 22/08/2016 على الساعة 11:32
ان اردنا الديموقراطيه علينا القبول بنتائجها
الانقسامات التي يتحدث عنها الكاتب هي وحسب وجهة نضري نتيجة اداء المؤتمر الوطني العام وحكومانه ..والذي جاء الي السلطه عبر انتخابات حره ونزيه ... وتحميل نتائج هذا الاداء علي اهل فبراير هو بمثابة اللوم عليهم بالتوجه المبكر الي نهج الديمقراطيه .... اهل فبراير كانوا عند وعدهم وتركوا لكل ليبي حرية الاختيار .. فلا تلوموهم علي نتائج الاختيار ..حفظ الله ليبيا دولة مدنيه ديموقراطيه
berkawe | 21/08/2016 على الساعة 06:40
Libya
No Sir, we can Not have tranquilized Life unless the sorry human behind of Tribalism and Religion Loyalties be resolved, till that time Lots and Lots of People will SUFFER...
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل
جميع المقالات والأراء التي تنشر في هذا الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع