مقالات

محمد المبروك مسعود

الإنسان المقهور

أرشيف الكاتب
2023/02/08 على الساعة 20:44

أرسل إلى صديق متميز كتاب بعنوان "التخلف الاجتماع.. مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور" بقلم د. مصطفى حجازي. ذكرني هذا الكتاب بكتاب "تعليم المضطهدين" "Pedagogy of the Oppressed" بقلم المعلم والفيلسوف البرازيلي باولو فريري، والذي قرأته عندما كنت أدرس في كلية التربية بجامعة مانشستر.

كتاب فريري عن التعليم، يشير إلى عملية التلقين التي تستخدم في تعليم الطلاب بالمدارس وأطلق عليها "المفهوم المصرفي للتعليم"، والذي يعني أن التعليم يصبح عملية إيداع، حيث يكون الطلاب هم المستودعات، والمعلم هو المودع، وبدلاً من التواصل، يقوم المعلم بإصدار البيانات، ويقوم بإيداع الإيداعات التي يتلقاها الطلاب بصبر ويحفظونها ويكررونها، وفي وقت الامتحانات تفرغ هذه المستودعات ومن ثم تصبح خاوية. ويرى فريري أن الممارسات التعسفية التي تمارس في الفصل الدراسي تعكس التصرفات التعسفية والمستبدة في المجتمع ككل.

تصفحت كتاب الدكتور حجازي ووجدته ممتعاً ومؤلماً في الوقت نفسه. فكنت أقرأ العناوين والكلمات، وأتصور الصفات والممارسات التي جعلت مجتمعاتنا العربية تتأخر، ونتيجة لذلك أصبح الإنسان العربي فيها مقهوراُ. فمن مظاهر التخلف أو التأخر التي أوردها هي انحطاط التعليم، وانخفاض متوسط الفرد، وانتشار الأمية، وسوء الخدمات الصحية، وسوء استغلال الثروات أو عدم استغلالها، وعدم استثمارها للنهوض بالمجتمع. والشيء المهم هو الارتزاق وليس الإنتاج، وهذا يفتح باب تعيين الأقارب والوساطات في مؤسسات الدولة، ولا يُلتفت إلى الكفاءة. 

وفي وصفه للبيئة الاجتماعية للتخلف، يرى بأن العادات والتقليد بالسلوك هي التي تتحكم بإدارة علاقات الناس وليس القانون. والنظام الاجتماعي فيها يحدد مكانة الأفراد بناءُ على قبيلتهم وليس بناءً على كفاءتهم. كما أن الإدارة الفاسدة هي التي تتحكم في أمور الدولة وهي تخدم القلة وتتجاهل الكثرة، وينتشر في هذه البيئة القمع وانتهاكات حقوق الإنسان والحريات العامة، ولا يوجد فيها قضاء عادل.

ويرى مؤلف الكتاب بأن الإنسان المتخلف هو إنسان مقهور من قبل القوى المسيطرة عليه كالحاكم المستبد أو المالك أو مدير العمل أو المستعمر الذي يفرض احتلاله. لذا فقيمته مهدورة، وهو فاقد للإنسانية، ولا توجد لديه قيم، ويمارس الكذب، وسرقة المال العام، ولا ينهى عن منكر ولا يأمر بمعروف، ولا يثور على الظلم، ولا ينتصر للحق. وفي هذه البيئة المقهورة، يقع على المرأة ظلم وقهر، وما تتعرض له من تسلط يفرض عليها الرضوخ والتبعية، وإنكار وجودها. وتتبنى المرأة قيم سلوكية تتمشى مع القهر الذي فرض عليها، وتبرره جاعلةً منه جزء من طبيعة المجتمع. وبذلك فهي تقاوم تحررها، ومن خلالها ينتقل هذا الرضوخ إلى أبنائها وبناتها.

وأشار الدكتور حجازي إلى تأثير سياسة التعليم في تخلف الذهنية، ويرى أن تفشي الأمية هي السبب في سيطرة الذهنية غير العلمية وسيطرة التفكير والشعوذة على تفكير الناس بمن فيهم الحائزين على درجات علمية عالية. كما أن التعليم التلقيني، " المصيبة المزمنة"، تهدم شخصية الفرد، وتجعله مدجناً، وتقتل فيه روح المبادرة والابتكار، وهذا ما نرى نتائجه في مخرجات التعليم وعلى جميع المستويات. ناهيك عن التسليم بسلطة المعلم، وأنه على الطالب أن يسمع ويطيع، ولو ضربوه بالسياط على ظهره، تشير إلى أن نظام التعليم الذي نرزح تحت سطوته هو المسؤول عن استمرار الذهنية المتخلفة. والإنسان المقهور هو من يقوم بتصرفات التزلف، لذا فهو تابع وذليل، وهو يبالغ في تعظيم السيد الحاكم، أو المالك أو مدير العمل أو المستعمر، وذلك اتقاءً لشره وطمعاً في رضاه وينظر السيد المتسلط إلى الإنسان المقهور على أنه كائن مستباح لممارسة الغبن والاعتداء والتسلط والاستغلال.

أما الشعوب المقهورة فهي لا تستطيع أن تحكم نفسها، ولا تستحق إمكانياتها وثرواتها، وتعيش فترات طويلة تجتر خلالها المعاناة والقهر والظلم، لذا فهي تعتقد بأنه لابد من حاكم متسلط يدير أمورها. وفي الواقع المعاش نجد أن كثيراً من الناس يقولون بأن الديمقراطية لا تصلح لنا، ونحن شعب يريد " العصا".

وأجاب مؤلف الكتاب عن سؤال بديهي قد يسأله كل ذي عقل، وهو: "هل يصل الشعب المتخلف والمقهور يوماً ما إلى مرحلة التمرد والمجابهة؟". الإجابة واضحة، فهو يرى بأن هذا أمر متوقع في نهاية مرحلة الإذلال والحرمان، ولكنه لا يعبر عن تمرده وحقوقه بطريقة ديمقراطية، وإنما يلجأ إلى العنف لتحقيق ذاته ولنيل حقوقه، وهنا يحدث نوعاً من تبادل الأدوار، فيصبح المقهورُ قاهراً، ويصبح القاهرُ مقهوراً، وقد يحمل المقهور السلاح، وذلك دون ثقافة سياسية واعية ودون وازع ديني قوي، وتثقيف كافٍ، ويتصرف بذهنية المتسلط القديم، يقهر الآخرين، وينتهج العمل المسلح بذهنية عشائرية، ويتمسك بالانتماء العشائري في تعامله مع الآخرين.

ختاما، الدكتور حجازي في كتابه يتحدث عن الإنسان المتخلف والمقهور أينما كان، فهل كلماته ووصفه وتحليلاته تنطبق على الشعوب العربية؟ 

محمد المبروك مسعود

لا تعليقات على هذا الموضوع
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل
جميع المقالات والأراء التي تنشر في هذا الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع