لقـد أمست الكتابة عن المأزق الليبي ضربا من السريالية التي لا نعـرف نقطة بدايتها ولا تداخلات خطوطها ولا حقيقة دلالاتها.
كل الدول لها مشاكلها في بنيتها الداخلية وهناك ما يهددها من أخطار خارجية. وهذه جميعا تفرض عليها مواقف وسياسات حذرة. وربما وهمية.
ليبيا محاطة بثمان دول ملاصقة، لكل منها مصالحها التي تتطلب مشاركة ليبيا في حلها. وتتربص بليبيا دول إقليمية هي جزء من شبكة عالمية منها ما يريد حصته في النفط والغاز الذي تحت أقدامنا لكي لا تتوقف مصانعهم ولا يعانون البرد. وليس تصادم ليبيا مع أمريكا وأوروبا بالجديد بل يعود إلى أيام يوسف باشا القرمللي قبل 200 سنة ويمكن أن يتكرر ودون استشارتنا كما حدث في الحرب العالمية الثانية أو بئرائع واهية. علينا إذن الانتباه إلى خطورة التعنت في مواجهة الدول الكبرى.
داخليا تعاني ليبيا من أزمات كما كانت دائما فلم تستطع حل معضلة التكاثر السكاني (التي تفاقمت خلال نصف القـرن الماضي) واستمرار تدني الخدمات وعدم الاستقرار الغذائي والعطش. والآن تستـقـوي مدن وجهات معينة بدول الجوار والإقليم وقد يكون هذا المنحى باهض الثمن. كما تعاني ليبيا من الفساد الذي استشرى وتعاظم ضرره لغياب المساءلة القانونية.
لكن المعادلات الدولية في تغير مستمر خاصة في هذه الأيام الحرجة التي تهدد بتفجير عدة حـروب، جزئيا لتجديد ترسانات السلاح المختزنة وضخ المليارات في اقتصاديات الدول الصناعية . وهكذا تـقـف ليبيا اليوم مشدودة بين طموحات تركيا وقلق مصر وبين رغبات إيطاليا ومعاناة فزان.
ادبيبه نشط ولا شك. لكنه قادر على استـفـزاز سخرية البعض. الأهم أن اللوبي الداعم له يعرف ما يريد كتطويع الدولة الليبية العميقة وترسيخ وجود عسكري أجنبي على الأقل في غرب البلاد، وكسب الوقت بوعـود مستحيلة كالاستفتاء على الدستور وسحب سلاح الميليشيات. فالحالة الراهنة أساسها التراشق بالوعــود دون التحرك إلى الأمام.
في مناخ الإحباط هذا لم يعد رجل الشارع مستعدا حتى للتظاهـر احتجاجا على تضخم الأسعار الأساسية. بل ويعزف عن المشاركة في تصويت انتخابي كما نرى في تونس. مواطن ما بعد "الربيع" فـقـد ثـقـته في الدولة ولم يعد يهمه سوى لقمة العيش.
وإضافة لما تقدم ثــمة سُحب قاتمة تلوح في الأفق الليبي والعربي والعالمي. وفي هذا المناخ يبقى ادبيبة أشبه بلاعب السرك الممتطي ظهر أســد فلا تعرف من الأكثر خوفا: الراكب أم المتـفـرج. الأكيد أنه سيترجل ذات يوم.
كيف إذن التعامل مع هذه الحالة الوبائية: الصبر أولا والمراهنة على عنصر الزمن، ومعالجة المشكلة عند جذورها بتوطين المسلحين في مناطقهم والتركيز على دور البلديات بمنحها الصلاحيات والمشاريع التنموية.
القوارشة، بنغازي، 1 فبـراير 2023