السيد الناقد المحترم... مع كل الاحترام والتقدير لحضرتك... لقد بدأت مقالتك بخطأ جسيم وبعبارات غير أكاديمية لا تمت للواقع بصلة. وكأنك تحاول أن تقول أن من صاغ (مشروع الدستور) هم ليسوا ليبيين، كما لم يتم صياغته في ليبيا، بل وربما وكأنك تحاول وضعهم في خانة أخرى...!!
في رأيي الخاص، أنك لم تكن أكاديميا يقارن بين وجهتي نظر، بل كنت منحازا لرؤية معينة دون دراية بالرؤية الأخرى. وهذه هي المشكلة التي تغلّبنا عليها ولله الحمد في الهيئة التأسيسية من خلال ترجيح مصلحة الوطن على أي مصلحة أو رؤية أخرى بالرغم من تمسّك البعض بها، وتم التوافق على مشروع الدستور وإقراره يوم 19/ 4/ 2016.
أولاً: ما تم صياغته ليست "مسودة"، من الواجب استخدام المصطلحات الصحيحة وعلينا ألا نحاول تضليل الآخرين. ما تم صياغته هو "مشروع الدستور الليبي الدائم"، من الهيئة التأسيسية المنتخبة من الشعب الليبي والمكلّفة بصياغته لطرحه للاستفتاء وممارسة الشعب الليبي حقه الدستوري في تقرير مصيره، وقول كلمته فيه إما بــ(نعم) ليكون دستورا نافذا، أو (لا) ليعود للهيئة التأسيسية لإجراء التعديلات اللازمة وإعادة طرحه للاستفتاء مرة أخرى.
ثانياً: ما تم صياغته لم يكن وليد اللحظة كما تحاول أن تقول ولم يأت فجأة، بل كان نتاج مجهودات مضنية بذلت من أعضاء الهيئة التأسيسية على مدى (24 شهرا)، وذلك منذ مباشرة الهيئة التأسيسية أعمالها يوم 21/4/2014م وحتى إقرار مشروع الدستور يوم 19/4/2016م بمقرّ الهيئة التأسيسية بمدينة البيضاء العريقة.
ثالثاً: النقد السليم والبنّاء يقوم على معطيات سليمة وصحيحة..!! وهذه المعطيات قد تكون غائبة عن حضرتك، وأرجو ألا تكون هذه المعطيات قد تم تغييبها قصداً...!!... وهذه المعطيات هي:
1) الهيئة التأسيسية ومنذ الأشهر الأولى؛ تم تشكيلها إلى لجان نوعية وتواصلت مع (الشعب الليبي داخل ليبيا وخارجها)، إما مباشرة أو عن طريق المكاتبات ووسائل الاتصالات الحديثة، وتم استلام آلاف المقترحات المكتوبة من مختلف الليبيين والليبيات. كما تم استقبال شرائح مختلفة من الليبيين والليبيات بمقر الهيئة التأسيسية بمدينة البيضاء. كما تم إجراء ورش عمل مع مؤسسات دولية وخبراء دوليين لكثير من أعضاء الهيئة التأسيسية داخل ليبيا وخارجها وعلى سبيل المثال بعضهم حضر ورش عمل في عدّة دول منها (تونس، مصر، لبنان، تركيا، سويسرا، الدانمارك، وغيرها).
2) كانت أول مخرجات للجان النوعية وعددها (8 لجان) بتاريخ 24 ديسمبر 2014. وتم توزيعها على كافة الأعضاء ونشرها للشعب الليبي لاستلام أي ملاحظات ومقترحات.
3) كانت المخرجات الثانية للجان النوعية يوم 26 فبراير 2015 وذلك بعد استلام المقترحات الاضافية العديدة، سواء من خلال الملتقيات التي أجراها أعضاء الهيئة التأسيسية بدوائرهم الانتخابية من خلال جولات التواصل المجتمعي، أو من خلال المراسلات والملتقيات داخل مقر الهيئة التأسيسية مع مختلف قطاعات وشرائح المجتمع الليبي، أو من خلال المراسلات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والبريد الالكتروني ومواقع الهيئة والتواصل مع الأعضاء.
4) خلال شهر 6/2015م، تم توافق الهيئة التأسيسية على تشكيل (لجنة عمل) تكون مهمتها تجميع مخرجات اللجان النوعية الثمانية وتنسيقها في وثيقة واحدة هي (مسودة لجنة العمل)، وباشرت لجنة العمل مهامها شهر 6/2015م، وجاءت (مسودة لجنة العمل رقم 1) يوم (8 أكتوبر 2015 بمدينة غدامس)، وتم توزيعها على الأعضاء وطرحها للشعب الليبي لاستلام أي مقترحات جديدة، وكانت شبه مقبولة من كثير من الأعضاء (المقاطعين والذين من بينهم أعضاء في لجنة العمل وأعضاء في لجنة الصياغة بلجنة العمل ذاتها).
5) تم إضافة مقترحات جديدة لمسودة العمل رقم 1، وقامت لجنة العمل بدراسة كل المقترحات الجديدة، ثم أقرت (مسودة لجنة العمل رقم2 ) يوم 2 فبراير 2016م بأغلبية معززة من اعضاء لجنة العمل، حيث كان عدد الموافقين (10 أعضاء من أصل 12 عضو هم عدد أعضاء لجنة العمل).
6) استلمت رئاسة الهيئة (مسودة لجنة العمل رقم 2) رسمياً من لجنة العمل، وأصبحت هذه المسودة مملوكة للهيئة التأسيسية، وتم توزيعها على أعضاء الهيئة التأسيسية بالكامل، كما تم نشرها للشعب الليبي لمعاينتها وإضافة أي مقترحات جديدة قد يرونها مناسبة.
7) فجأة ونتيجة للأحداث المتسارعة في ليبيا عموما وفي (طرابلس) خصوصاً، يخرج بعض الأعضاء على وسائل الإعلام ويصرّحون برفضهم لكل (ما كان مقبولا بالأمس)، ورفضهم لمسوّدة (لجنة العمل رقم 2) جملة وتفصيلا ويقولون في وسائل الإعلام أن هذه المسودة مرفوضة ويجب رميها وتجاهلها ولنبدأ من جديد.
8) إن ما تم التوافق عليه داخل الهيئة التأسيسية هو (أن مسودة لجنة العمل رقم 2 هي الآن ملك للهيئة التأسيسية ويجب مناقشتها داخل مقر الهيئة التأسيسية ولن يكون هناك أي شيء ملزم للهيئة، وللهيئة مجتمعة الموافقة عليها أو تعديلها أو حتى رفضها بالكامل... ولكن القرار يتم اتخاذه داخل مقر الهيئة التأسيسية بمدينة البيضاء وليس عبر وسائل الإعلام).
9) في محاولة من الهيئة التأسيسية لتوحيد كلمة الأعضاء، تم مخاطبة السادة والسيدات الرافضين وجلّهم من المنطقة الانتخابية الغربية، وتم إرسال وفود إلى طرابلس لإقناعهم بالحضور إلى مقر الهيئة التأسيسية لمناقشة كل الأمور، ولكن كان شرطهم للحضور والمشاركة هو الإعلان رسميا ومسبقاً عن إلغاء مسودة العمل رقم 2. ورغم محاولة اقناعهم أن هذا الأمر متروك للهيئة مجتمعة ولا يملك أحد في الهيئة أن يصرّح به منفردا (لا رئاسة ولا غير ذلك). والحل الصحيح هو الحضور إلى مقر الهيئة وأن يتم مناقشة الموضوع جماعيا تحت قبة مقر الهيئة التأسيسية.
10) قامت الهيئة التأسيسية بمحاولة لم شمل الهيئة، واقترحت كل السبل الممكنة سواء داخل ليبيا أو خارجها، وكل ذلك من أجل أن تقوم الهيئة بإنهاء مهمتها الموكلة إليها من الشعب الليبي بصياغة مشروع دستور توافقي يطرح على الشعب للاستفتاء عليه، وليقول كلمته الفاصلة فيه إما بالقبول أو الرفض.
11) في إطار محاولات الهيئة التأسيسية للخروج بوثيقة توافقية جامعة، كان هناك لقاءات تشاورية داخل البلاد وفي تونس بحضور عدد من الحكماء والمشايخ والأعيان والأكاديميين، وفي عمان كانت استجابة لإخوتنا ممثلي المكونات الثقافية واللغوية الممثلين في الهيئة وهم (الطوارق والتبو)، وبحضور عدد من الخبراء والمختصين، وكل ذلك من أجل الخروج بوثيقة توافقية تجمع الليبيين والليبيات على كلمة سواء هي بناء ليبيا وحقن دماء الليبيين وضمان عودة المشرّدين والمهجرين داخل ليبيا وخارجها، وعودة الاستقرار والأمن، وانهاء مفترة الصراع المسلّح على السّلطة إلى مرحلة استقرار يسود فيها القانون والعدالة ومبدأ التداول السلمي على السلطة وضمان الحقوق والحريات واستقلال القضاء وبناء المؤسسات كل ذلك في اطار دولة ليبيا الجديدة والتي تخضع فيها كل السلطات العامة لحكم القانون.
12) بعون الله تعالى وايماننا به، تم التوصل لتوافقات مناسبة جدا ومعقولة، رضي بها إخوتنا (الطوارق) ولكن للأسف (لم تقابل بالرضى الكامل من إخوتنا التبو)، وأرجو أن يرجّحوا مصلحة الوطن فوق كل مصلحة وينضمّوا للمشروع.
13) بعد العودة إلى ليبيا، تم دعوة كل الأعضاء للاجتماع ولعقد جلسة عامة رسمية بمقر الهيئة التأسيسية، ولم يحضر البعض وهم ما أطلقوا على انفسهم بــ(المقاطعين)، في حين أنه وفقا للقانون رقم 17 لسنة 2013 بشأن انتخاب الهيئة التأسيسية لا يوجد هذا المصطلح، بل أنه ينص على (التفرّغ التام لأعمال الهيئة التأسيسية)، ونص المادة (47) كالآتي: "يكون عمل أعضاء الهيئة التأسيسية على سبيل التفرّغ التام بموجب أحكام هذا القانون ولا يحق لهم ممارسة أي نشاط آخر خلال فترة عضويتهم". إن مفهوم التفرّغ التام الوارد في النص القانوني واضح جدا، ويعني تواجد كل الأعضاء بمقرّ الهيئة التأسيسية، وحضور الجلسات، ومن ثمّ ممارسة حق التصويت، للخروج بمشروع دستور يكون للشعب الليبي فيه كلمة الفصل.
14) قامت الهيئة بناء على طلب مقدّم وموقّع من عدد من الأعضاء، بإجراء التعديلات اللازمة على اللائحة الداخلية، وهو عمل أصيل للهيئة وذلك وفقاً لنص المادة (46) من قانون 17 لسنة 2013 بشأن انتخاب الهيئة التأسيسية والتي جاء فيها: "تتولّى الهيئة التأسيسية دون غيرها وضع لائحتها الداخلية التي تنظم آلية عملها.....". إن هذا النص هو إعلان صريح بأن "الهيئة التأسيسية هي المختصة وحدها دون غيرها بوضع واصدار اللائحة الداخلية". ومن خلال هذا النص، يكون للهيئة بموجب اختصاصها الأصيل أن تجري على اللائحة أي تعديلات تراها الهيئة مناسبة وضرورية لإنجاز مهمتها المؤتمنة عليها من الشعب الليبي وذلك في إطار النص الدستوري.
15) قامت الهيئة التأسيسية بكل ما هي مؤمنة به ايمانا راسخا بأنه لصالح الشعب الليبي، وتم توزيع كل التوافقات التي تم التوصّل إليها داخل وخارج البلاد على كل الأعضاء الحاضرين، وتم تضمين التوافقات المقبولة من الأعضاء في وثيقة واحدة هي مشروع الدستور الليبي والذي طرح للتصويت عليه وتحصّل على موافقة الأغلبية المعززة، وتم إقرار مشروع الدستور الليبي ليتم طرحه على الشعب الليبي لممارسة حقه الدستوري وتقرير مصيره من خلال الاستفتاء عليه وقول كلمته الفاصلة إما بــ(نعم) ليكون دستورا نافذا حيث تقوم الانتخابات النيابية والرئاسية وفقاً لأحكامه، وإما تكون الكلمة بــ(لا) حيث يتم إعادته إلى الهيئة التأسيسية لإجراء التعديلات اللازمة وطرحه مرة أخرى للاستفتاء.
16) هذا المشروع الآن تم إقراره وقبوله من أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور والذين تجاوز عددهم (37 عضوا وعضوة). والسبيل مفتوح أمام كل الزملاء للانضمام للهيئة التأسيسية والمشاركة الفعلية مع زملائهم في هذه الوثيقة المهمة لحقن دماء الليبيين، والتي لا يزال أمامها الشعب الليبي ليقول كلمته.
17) إن ايماننا بالله عزّ وجلّ، وارادتنا المستمدّة من إرادة شعبنا الليبي الأبي، واعتقادنا الراسخ بأن ما نقوم به هو من أجل ليبيا ومن أجل كل الليبيين والليبيات داخل ليبيا وخارجها، وايماننا العميق بأننا مسؤولون أمام الله عز وجل وأمام الشعب الليبي عن كل ما نتوافق عليه، لهو أهم دافع لنا للدفاع عن "مشروع الدستور الذي أصبح ملكا خالصاً للشعب الليبي"، ولن يثنينا شيء عن النضال من أجل ايصال هذا المشروع للشعب الليبي ليقول كلمته الفاصلة فيه بالقبول أو الرضى، لأن الشعب الليبي هو الفيصل وهو مصدر السلطات ولا وصاية على الشعب الليبي ولا مصادرة لحقه الدستوري في تقرير مصيره وقول كلمته في مشروع الدستور الذي أقرّته الهيئة التي انتخبها ومنحها ثقته.
رابعاً: جاء في المقالة: " في الحقيقة هناك الكثير والكثير جدا من المثالب والاخطاء الجسيمة الموجودة في المسودة والتي سيكون لها اثار سلبية كبيرة علي جوانب مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية .... من الصعب جدا تبيان كل تلك المثالب والاخطاء الجسيمة التي ستلحق ضررا كبيرا علي جوانب مختلفة علي حياة الليبيين...".
رغم ما يشوب هذا الكلام من دقة وتفصيل ووضوح في طرح الآراء العلمية البنّاءة.. ورغم ما تضمنّه من محاولة فرض وصاية على إرادة الشعب الليبي ومصادرة حقه في التعبير عن رأيه وتوجيهه من خلال التلويح (بالأخطار الجسيمة والضرر الكبير)، وهذا كله كلام مرسل لا أساس له ولا دليل عليه ولا حجة ولا برهان، اللهم إلا ما اعتمر في ذهن الكاتب وما تم استنتاجه دون دراسة حقيقة لمشروع الدستور، ودون معرفة بالرؤى المختلفة والتوجهات السائدة والتوافقات الحقيقية التي تم بموجبها ترجيح مصلحة ليبيا فوق كل مصلحة أخرى، والتي كلها صاحبت صياغة مشروع الدستور منذ مباشرة العمل وحتى الانتهاء منه وإقراره يوم 19 / 4 / 2016.، إلا انني سأتناول ما تم التعليق عليه مباشرة وهو نظام الحكم والذي تم تصنيفه بأنه (شبه رئاسي)، وتم نعته بأنه يرسّخ لدكتاتورية مطلقة.
وهذا ما جاء في المقالة: "وقد اشارت المسودة بشكل واضح إلى اعطاء رئيس الجمهورية حق الغاء المجالس التشريعية والدعوة الى انتخابات جديدة وهو أمر خطير ويشكل تهديدا حقيقيا علي مستقبل العملية الديمقراطية والتحول الديمقراطي والاستقرار السياسي واستقرار النظام السياسي بل ايضا تعزز احتمالية وقوع حرب اهلية جديدة.....".
السيد الفاضل/ لا أدري إن تم الاطلاع بالكامل على "مشروع الدستور"، لأنه لم يرد على الإطلاق ما جاء ذكره في المقالة وهو "حق الرئيس بإلغاء المجالس التشريعية"، ولكنني أجد نفسي مضطراً لأن أبين وأوضح هنا بعض النصوص الواردة في مشروع الدستور والتي تؤكد بما يزيل كل شكّ على (حظر جمع السلطتين التشريعية والتنفيذية بيد واحدة). وهذا هو مربط الفرس كما يقولون. لأن مفهوم الدكتاتورية يقوم عندما تجتمع السلطتين التشريعية والتنفيذية بيد واحدة، وهذه هي أخطر أنواع الدكتاتوريات الأنظمة الدستورية المقارنة.
إن النصوص التي سأوردها يتضمنها "مشروع الدستور" من (الديباجة وحتى باب الحكام العامة، مرورا بالباب الأول وهو شكل الدولة ومقوماتها الأساسية، إلى الباب الثاني وهو الحقوق والحريات، إلى الباب الثالث وهو نظام الحكم، إلى باب الأحكام العامة )، ويتم سردها وتوضيحها كالآتي:
باب الأحكام العامة
المادة 216: الوحدة العضوية لأحكام الدستور: (الدستور بديباجته ونصوصه وحدة واحدة لا تتجزأ. وتفسر أحكامه ويؤول بحسبانها وحدة عضوية متماسكة).
التوضيح: هذه مادة حاكمة عامة تؤكد على وحدة الدستور وأن الأحكام الواردة فيه وحدة متماسكة.
الديباجة: تنص الديباجة على (... التحرّر من الظلم والاستبداد....القطيعة التامة مع حكم الفرد... ومن أجل بناء دولة القانون وتحقيق النمو الاجتماعي والاقتصادي وتأسيس مجتمع قائم على المواطنة واحترام كرامة الانسان والتداول السلمي على السلطة والحكم الرشيد والتكافل والعدالة وضمان الحقوق والحريات العامة وتحقيق المساواة بين الليبيين،...).
التوضيح: هذا النص يؤكد على ضمان دولة قانونية بامتياز والقطيعة مع الدكتاتورية والاستبداد بكل أشكالها.
الباب الأول ( شكل الدولة ومقوماتها الأساسية):
المادة 10: النظام السياسي: (يقوم النظام السياسي على مبادئ التعددية السياسية والتداول السلمي على السلطة والفصل بين السلطات والتوازن والرقابة بينها على أساس الحكم الرشيد القائم على الشفافية والمراقبة والمساءلة).
التوضيح: هذا ينص يؤكد على التوازن بين السلطات والتداول السلمي والمساءلة.
الباب الثاني (الحقوق والحريات):
المادة 75: بناء السياسات التشريعية والتنفيذية: (تبنى كافة السياسات التشريعية والتنفيذية وبرامج التنمية والتطوير على حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وتخضع الدولة تشريعاتها وسياساتها في هذا المجال للتقييم الدوري، على أن تنشر أسس ونتائج التقييم في الجريدة الرسمية).
التوضيح: هذا النص يؤكد على اخضاع السلطتين التشريعية والتنفيذية في سياساتها المتعلقة بالتنمية والتطوير لما يكفل حماية حقوق الانسان، وبكل تأكيد فإن التأكيد على حماية حقوق الانسان هو رفض لكل أشكال الدكتاتورية.
الباب الثالث (نظام الحكم):
المادة 76: مجلس الشورى: (يتكون مجلس الشورى من غرفتين: مجلس النواب ومجلس الشيوخ. ويتولى سلطة سن القوانين وإقرار السياسة العامة للدولة و الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية. وذلك على النحو المبين في الدستور).
التوضيح: هذا النص يؤكد على مبدأ التوازن والرقابة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. وهذا يعني بكل وضوح وجلاء (عدم السماح بجمع سلطتي التشريع والتنفيذ بيد واحدة، وذلك كما نعرف جميعا هو أصل وجوهر الدكتاتورية).
المادة 83: إصدار القوانين ونشرها: (إذا أقر مجلس النواب مشروع أو مقترح القانون يحال في مدة أقصاها سبعة أيام إلي رئيس الجمهورية لإصداره والأمر بنشره في الجريدة الرسمية خلال مدة لا تجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ إقراره. وإذا لم يقم رئيس الجمهورية بذلك، فعلى رئيس مجلس النواب إصداره ونشره بتوقيعه. ويعمل بالقانون بعد يومين من تاريخ نشره ما لم ينص فيه على خلاف ذلك. ولرئيس الجمهورية رد القانون الذي تم إقراره من مجلس النواب بتعديلات، وللمجلس خلال أربعة عشر يوما من تاريخ فتح المداولة إقراره بتعديلاته أو بدونها بالأغلبية المطلقة للأعضاء المنتخبين. ولا يجوز لرئيس الجمهورية ردّ أي قانون تم إقراره من مجلس الشيوخ).
التوضيح: هذه المادة تؤكد تقييد (رئيس الجمهورية) بآلية دستورية محدّدة، ولا يمكن له خرق الدستور أو تجاوز اختصاصاته والا تعرض للاتهام النيابي والعزل المنصوص عليه في المادة (122- اتهام الرئيس). كما تبين وجوب اصدار القوانين المحالة من مجلس النواب في غضون مدة محددة وإلا يقوم رئيس مجلس النواب بإصدارها وجوبيا بحكم الدستور. كما لا يجوز لرئيس الجمهورية ردّ أي قانون تم إقراره من مجلس الشيوخ. وهي القوانين المتعلقة بمواضيع محصورة في المادة (90).
المادة 120: مراسيم بقوة القانون: (لرئيس الجمهورية في حال عدم انعقاد المجلسين، أوحل مجلس النواب، إصدار مراسيم بقوة القانون في حالة الضرورة والاستعجال وفق ما ينظمه القانون. على أن يتم عرضها مسببة خلال سبعة أيام من تاريخ انعقاد الدورة التالية لمجلس النواب لإقرارها أو إلغائها. ولا يجوز إصدار أي مراسيم تتعلق بمسائل من اختصاص مجلس الشيوخ).
التوضيح: هذا نص يقيد سلطات رئيس الجمهورية في حالة الضرورة، كما تكون سلطات الرئيس مقيدة وفقاً للأحكام الواردة في باب الأحكام العامة ( المادة 210: القيود في حالة الطوارئ والأحكام العرفية).
المادة 121: إجراءات حل السلطة التشريعية: (لرئيس الجمهورية، بناء على أسباب وجيهة تتعلق بعرقلة السياسة العامة للدولة أو خطة التنمية أو تعطيل الموازنة دون مبررات حقيقية، عرض حل مجلس النواب أو مجلس الشيوخ في استفتاء عام. وذلك وفق الآتي:
1/ يتعين على رئيس الدولة إحالة الأسباب والمبرّرات للمحكمة الدستورية لإعطاء رأيها الاستشاري بشأن مدى جدية وملاءمة الأسباب على وجه الاستعجال.
2/ إذا قدرت المحكمة بأن الأسباب جدية ولجأ الرئيس للاستفتاء العام وجاءت نتيجته بحل أحد المجلسين، يصدر الرئيس قراره بالحل. وإذا جاءت نتيجة الاستفتاء بــ(لا) يشكل الرئيس حكومة جديدة.
3/ إذا قدرت المحكمة عدم جدية أو ملاءمة الأسباب، ولجأ الرئيس للاستفتاء وجاءت نتيجته بالرفض يقدم الرئيس استقالته.
وفي جميع الأحوال، لا يجوز حل أي من المجلسين خلال السنة الأولى لانعقاده، أو خلال حالة الطوارئ، أو إعلان الأحكام العرفية، أو في الستة أشهر الأخيرة لولاية رئيس الجمهورية).
التوضيح: هذا النص هدفه هو ضمان سير عمل المؤسسات العامة وفق الدستور. وهو ينص يتعلق بإجراءات دستورية محدّدة ملزمة لرئيس الجمهورية للقيام بها في حالات محددة حصريا في النص الدستوري. وهي حالات (عرقلة السياسة العامة أو خطة التنمية أو تعطيل الموازنة دون مبررات حقيقية). وهي ليست سلطة مطلقة بيد رئيس الجمهورية (لإلغاء السلطة التشريعية) كما استنتجتها انت يا سيد/ هيبة، ولكن ما يملكه رئيس الجمهورية هو: (أولا: عرض أسبابه على المحكمة الدستورية. ثانيا: أذا قدّرت المحكمة جدّية الأسباب، يلجأ الرئيس للاستفتاء وتكون الكلمة (للشعب الليبي). ثالثاً: إذا قرّر الشعب حل المجلس النيابي فما الضير من ذلك، الشعب هو الذي ينتخب المجلس وله سلطة حلّه. رابعاً: إذا رفض الشعب حلّ المجلس فعلى الرئيس إقالة حكومته، أو (تقديم استقالته حسب الحالة). ومن الشروط الدستورية الحاكمة: (عدم جواز حل المجلسين معا، ولا حل أي مجلس خلال السنة الأولى، ولا في حالة الطوارئ أو إعلان الأحكام العرفية، ولا في الستة أشهر الأخيرة لولاية رئيس الجمهورية). ومن أهم المواد الواردة بخصوص عدم جمع السلطتين التشريعية والتنفيذية بيد واحدة، ما جاء في المادة(106) - أيلولة اختصاصات أحد المجلسين للآخر: (إذا حل أحد المجلسين، تؤول إلى المجلس القائم المهام الموكلة للمجلس المنحل وفق المادتين ( 102، 103)، إلى حين انتخاب مجلس بديل). وهذا نص صريح وواضح ويؤكد على القطيعة الدستورية التامة مع الدكتاتورية بأي شكل من أشكالها، والتي أساسها أحادية السلطة المتمثلة في ( جمع السلطتين التشريعية والتنفيذية بيد واحدة)، سواء كانت يد فرد أو جماعة.
الخلاصة: مع كل احترامي وتقديري، ولكن أرجو أن تعيد النظر فيما تم طرحه في مقالتك من خلال المعطيات الحقيقية التي تم سردها، وهي تحدّيات كانت ولا تزال ماثلة أمام الهيئة التأسيسية، إضافة إلى فهم الواقع الليبي في أنحاء ليبيا سواء من حيث الاقتتال والصراع المسلّح على السلطة، إلى التشريد والتهجير داخل ليبيا وخارجها والتي لا تخفى على أحد.
أنا لن أتكلم عن مقارنة أنظمة الحكم في العالم سواء كانت برلمانية أو رئاسية أو مختلطة، ولدي دراسة كاملة حول ذلك تم نشرها خلال سنة 2015، والحقيقة أن هناك أكثر من 180 دستور في العالم قديم وحديث، وكل منها يتبنى نظام حكم يتوافق مع ظروف الدولة وخصوصياتها وليس بالضرورة أن يكون هناك نظام حكم مثالي يمكن وصفه لكل دول العالم، لأنه ليس هناك في العالم نظام حكم مثالي واحد.
إن ما تم التوافق عليه في مشروع الدستور ليس نظاما كاملاً فالكمال لله تعالى عزّ وجلّ، ما تم التوافق عليه هو نظام حكم مناسب وممكن لعلاج الواقع الليبي وبناء مستقبل أفضل للخروج بالبلاد من مرحلة الصراع المسلح على السلطة إلى مرحلة التداول السلمي على السلطة. وهو قابل للتعديل مستقبلاً بعد (5 سنوات) كمرحلة استقرار ومتابعة ودراسة لما يمكن تعديله مستقبلا وذلك كله وفق أحكام الدستور... هذا مشروع شارك فيه الشعب الليبي بداية بانتخاب الهيئة التأسيسية والمشاركة من خلال تقديم المقترحات والمشاركة من خلال الاستفتاء العام. هذا الدستور هو من صنع الشعب الليبي... وذلك تحقيقاً لمبدأ (الشعب يصنع دستوره). حفظ الله ليبيا.
أ. عمر النعاس (عضو الهيئة التأسيسية)
18/8/2016