مقالات

محمد نجيب عبد الكافي

خواطر خاطرة.. لا جنس للشعر

أرشيف الكاتب
2023/01/29 على الساعة 18:03

وجدت في ملف خاص بالمذكرات التي أنوي الكتابة عنها، رأيا حكيما، وفكرة صائبة عن الشعر، جاءت على لسان قلم الشاعر والناقد الدكتور نور الدين الورفلي قال فيها: "لا يوجد شعر نسوي وآخر رجالي، هذا تجنيس خاطئ، فالشعر هو الشعر". تصحيح منطقي، وجيه، واقعي، حكيم، مفيد، يذكرنا النقاش البيزنطي عن الملائكة إن هم ذكور أم إناث، بينما الله سبحانه حسم المشكل وأسند إليهم ضمير جمع المذكر بقوله عز وعلا: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ. وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.

ثم إن الشعر يحتاج، قبل تذكيره أو تأنيثه، تعريفه ورسم صورة له، ولو خيالية، حتى يتيسر إبداء الرأي وإصدار الحكم. فما هو الشعر؟

عُرّف الشعر بأنه كلام موزون مقفىّ (للشعر العربي)، دالٌ على معنى، ويكون أكثر من بيت، ويشمل هذا التعريف النظم. وقال بعضهم: هو الكلام الذي قصد إلى وزنه وتقفيته قصداً أولياً، فأما ما جاء عفو الخاطر من كلام لم يقصد به الشعر فلا يقال له شعر، وإن كان موزونا. أما معلمنا الخالد الذكر عبد الرحمن بن خلدون فقد عرفه بأنه: "الكلام البليغ المبني على الاستعارة والأوصاف، المفصل بأجزاء متفقة في الوزن والروي، مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده، الجاري على أساليب العرب المخصوصة به".

الشعر هو شكل من أشكال الفن الأدبي في اللغة التي تستخدم الجمالية والصفات بالإضافة إلى، أو بدلا من، معنى الموضوع الواضح. مما يعرف به لدى الإسبان "هو أنه تحرير أدبي يؤخذ على أنه تعبير فني عن الجمال من خلال أو بواسطة الكلمة، خاصة تلك التي تُخضع إلى وزن وقافية البيت الشعري".

هذا في نظرنا تعريف علمي -إن صح التعبير- لذا لا يصدر من ينبوع شعري فها نحن نأخذ ما قاله الشعراء الفطاحل عن الشعر، وكيف عرفوه، وهم منه وإليه، فتعريفهم إياه أقرب إلى الحقيقة والواقع، حسب رأينا على الأقل.

فأبو تمام يقول:

ولو كان يفنى الشعر أفناه ما قرت

حياضك منه في العصور الذواهب

ولكنه فيض العقول إذا انجلت

سحائب منه أعقبت بسحائب

وقال أيضًا:

ولولا خلال سنها الشعر ما درى

بغاة المعالي كيف تبنى المكارم

أما ابن الرومي فهو يقول:

أرى الشعر يحيي الناس والمجد بالذي

تبقيه أرواح له عطرات

وما المجد لولا الشعر إلا مجاهد

وما الناس إلا أعظم نخرات

وقال المتنبي:

ولا تبال بشعر بعد شاعره

قد أفسد القول حتى أحمد الصمم

وقال صفي الدين الحلي:

ليس البلاغة معنى

فيه الكلام يطول

بل صوغ معنى كثير

يحويه لفظ قليل

فالفضل في حسن لفظ

يقل فيه الفضول

يظنه الناس سهلا

وما إليه سبيل

والعي معنى قصير

يحويه لفظ طويل

أما أحمد شوقي، أقرب الشعراء إلينا تاريخيا فهو يقول:

هذا الأديم كتاب لا كفاء له

رث الصحائف باق منه عنوان

الدين والوحي والأخلاق طائفة

منه وسائره دنيا وبهتان

والشعر ما لم يكن ذكرى وعاطفة

أو حكمة فهو تقطيع وأوزان

ونحن في الشرق والفصحى بنو رحم

ونحن في الجرح والآلام إخوان

هكذا عرف الشعراء ما يوحى إليهم فيكتبون. هل عرّفوا حقا الشعر وهو أشبه بالهواء يُحسّ ولا يرى وكالحلم يُعاش ولا يوجد. فما هو الشعر؟

محمد نجيب عبد الكافي

مدريد في 4-1-2023

كلمات مفاتيح : شعر وشعراء،
لا تعليقات على هذا الموضوع
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل
جميع المقالات والأراء التي تنشر في هذا الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع