(1) الدولة العلمانية سواء اكانت دولة رأسمالية وليبرالية وديموقراطية او دولة شمولية وديكتاتورية واشتراكية هي دولة لا تتبنى أي دين وتحصر دور الدين في المعابد او الحياة الخاصة اما الدولة بمؤسساتها وتشريعاتها وقوانينها فلا تحتكم للدين ولا تلتزم به الا في بعض الاحيان فيما يتعلق بالأحوال الشخصية والعائلية والزوجية كالزواج والطلاق والميراث واحيانا ترفض الالتزام بدين في هذه الاحوال العائلية ايضا اذا اعتقدت ان التعاليم الدينية بالخصوص تتصادم مع مبادئ الحرية والعدالة والمساواة التامة بين الرجال والنساء كما هو الحال في بعض التشريعات الاسلامية التي يعتقد بعض العلمانيين والليبراليين واليساريين انها غير عادلة!!.
(2) اما الدولة الدينية والتي يطلق عليها اسم (الدولة الثيوقراطية) فهي دولة يتحكم فيها رجال وشيوخ الدين وتخضع لتوجيهاتهم وتعليماتهم باعتبارهم المرجع الديني حتى لو حكمها ملوك فهم يحكمون الناس باسم الله ووفق توجيهات السلطة الدينية، وفوق هذا فالدولة الدينية دولة شمولية بوليسية تفتش عن عقائد ودين الناس وتراقبهم للتأكد من صحة عقيدتهم والتزامهم بالدين الحق كما في توجيهات وتفسيرات السلطة الدينية المتمثلة في رجال الدين ودور الفتوى، فمثلا يحق للدولة مراقبة السكان للتأكد من أدائهم للفروض الدينية على الوجه الصحيح، هل يصلون الصلوات الخمس والجمعات في المساجد والجماعات أم يتخلفون عنها!؟ هل يلتزمون بالمواصفات الشرعية للملابس في الأماكن العامة!؟ هل النساء متحجبات ومحتشمات كما ينبغي! ؟، كذلك الحال فيما يتعلق بحرية النشر والاعلام فالدولة الدينية تحدد ما هي الكتب المسموح بنشرها وتداولها وما هي القنوات المرئية المسموح بمشاهدتها والاخرى الممنوعة وفق توجيهات رجال الدين والمشيخة الدينية! ؟، كما قد تتدخل الدولة في تحديد ما يجب دراسته من العلوم الطبيعية والانسانية وما يمنع دراسته بدعوى انه مخالف للدين! !، وهكذا فالدولة الدينية تقع تحت سيطرة السلطة الدينية ورجال وشيوخ الدين وهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تؤطر الناس اطرا للالتزام بالدين، والا فالسوط والعصا لمن عصى!.
(3) أما الدولة المدنية المسلمة فهي كحال اغلب الدول المسلمة اليوم فهي ليست علمانية ولا هي دول دينية كما في ليبيا ومصر والمغرب والاردن والخليج، بل وكحال اغلب الدول المسلمة عبر التاريخ الاسلامي كله، فهي في حقيقتها دولة مدنية يحكمها سلاطين ورجال دولة وخلفاء لا فقهاء ورجال دين حتى لو كانت هويتها العامة انها دولة مسلمة وان الشريعة هي المرجع الاساسي في التقنين والحكم بين الناس، فالدولة المسلمة حاليا وعبر التاريخ هي دولة مدنية لا دينية حتى وإن كانت هويتها اسلامية وتمنع في قانونها واحكامها السلطانية تناول المحرمات المعروفة للقاصي والداني وتمنع ارتكاب الفواحش في الاماكن العامة وتمنع تداول الخمر ولحم الخنزير الا اذا كان بعض سكانها ورعاياها من غير المسلمين فتسمح لهم بذلك في حدود خصوصياتهم ومن دون رعاياها من المسلمين، فهي دولة مسلمة ولكنها مدنية ولا تحاول ان تفرض على المواطنين نوعا معينا من التدين بل تترك امور الالتزام الديني بيد الافراد انفسهم او عوائلهم ولا تتدخل في مثل هذه الامور ولا تفرض على الرجال الصلاة في المساجد غصبا عنهم مع أن الصلاة هي عمود الدين وأهم مظاهر العبادة او تراقبهم وتتجسس عليهم للتأكد انهم يصلون ويصومون ويحجون ام لا!؟، لا تتدخل الدولة في مثل هذه الشؤون، ربما ما عدا الزكاة فهي حق الفقراء في مال الاغنياء قد تتدخل وتعاقب من يتخلف عن دفعها سنويا لصندوق الزكاة وفق قانون خاص يشبه للعقوبات المخصصة للمتخلفين عن دفع الضرائب! ، ففي مثل هذه الدولة المدنية المسلمة، وفي الغالب كما كان العالم القديم هي دول ديكتاتورية، عاش المسلمون كل القرون التي خلت، منهم المتدين شديد التدين ومنهم ضعيف التدين ومنهم المقتصد والمقصر ومنهم السابق بالخيرات ومنهم اصحاب اللهو والشهوات بل ومنهم الملاحدة والمنافقون ممن يظهرون الاسلام ويبطنون الكفر لا خوفا من الدولة بل خوفا من ذويهم وعوائلهم ورفاقهم ومجتمعاتهم المحلية!، فاغلب الشريعة لا يقع تطبيق احكامه على عاتق الدولة بل على عاتق الافراد والعوائل والمجتمعات المحلية والأهلية.
فهذه الدولة المسلمة المدنية الموجودة اليوم والتي تتمتع ببعض الصفات الليبرالية مع بعض الصفات الديكتاتورية، نحن لا نحتاج الى علمنتها ولا تحويلها الى دولة دينية تخضع لسلطان رجال الدين ودار الافتاء بتوجهاتهم الدينية والمذهبية المختلفة فهذه مشروعات محكوم عليها بالفشل سلفا خصوصا في دولة كدولة ليبيا بل نحتاج الى (دمقرطة) هذه الدولة بحيث يحكمها قادة سياسيون منتخبون من قبل جمهور الامة كما نحتاج الى توسيع دائرة حرية التفكير و التعبير فيها في ظل ثوابت الهوية الاسلامية العامة للمجتمع والدولة، ونترك التدين فكرا واخلاقا وسلوكا ينمو بشكل طبيعي حر وعميق وسليم داخل المجتمع بعيدا عن الضغوطات والتوجيهات والاراء والأهواء والايديولوجيات السياسية للحكم والمعارضة، فقد أثبتت التجارب ان التدين الذي يتكون بتأثير قوة وضغوطات سلطان الدولة هو تدين، في الغالب، سطحي مخلوط بالنفاق الاجتماعي والسياسي!، كما اثبتت التجارب ايضا أن التدين الذي ينمو في ظل البطش البوليسي والقمع السياسي وفي ظل الجماعات السرية والمعتقلات والضغوطات السياسية هو تدين، في الغالب، مشوه ومريض مخلوط بالحقد ومشبع بالكراهية والعنف وحب التشفي والانتقام!، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي!.
سليم الرقعي