مبدئيا وبراغماتياً، محاولة لتناول المحظور وعواقبه.. ومن أجل ليبيا، واستعجال السلم الاهلي، وايقاف النزيف!
اولا، ليس كل اسلامي ديمقراطي، وبالمثل ليس كل علماني ديمقراطي.
قدر ومصيبة شعوب المنطقة وقوعها في حلقة مفرغة ومتوالية، بين مطرقة العلمانيين الغير الديمقراطيين، سواء قوميين او يساريين، وسندان الاسلاميين الغير ديمقراطيين، سواء السلفيين او الحركيين. فهذان الجناحين، وعلى سعة مسافة الخصام بينهما، يتفقان ويزدهران ويكسبان من فرض الصراع وإغراق الشعوب اما في مواجهات التقاتل او ديكتاتورية الارهاب والاكراه، سواء عبر حكم الحزب/الاسرة الواحدة او الاستعانة بالعسكر. والامثلة كثيرة وتتكرر على مدى جغرافية وتاريخ الشعوب الاسلامية المعاصر. هذا الصراع المدمر مكلف وكلف شعوب المنطقة الخسران والهوان الداخلي، والتبعية والنفور من الخارج، والتخلف والنزف الذاتي.
اليوم، ونحن نشاهد بل ندفع ونعيش المعاناة القاسية والمكابدة الجسيمة من ضياع الأرواح وازهاق الدم وذل الحاجة، وجب علينا الوقوف للتفكير العقلاني والموضوعي، لا الانجرار لانفعالات العواطف والاوهام، اذا كنا نريد فعلا الخلاص والنجاة.
بعد فشل موجة الديكتاتورية القومية الشوفينية واليسارية العابثة، وبعد عدم قدرة الموجة الاسلاموية الاممية على نشر وفرض مشروعها ومشروعيتها، مع تجنب لكل التبريرات الغير مجدية في هذا المقام، باعتبارها تتناول التاريخ والماضي، ولم ولن تغير الواقع والمستقبل، اعتقد ان الواقع التاريخي، لا الافتراضي، يقول بضرورة تفعيل التعايش بين التيارين الاسلامي والعلماني في منظومة ديمقراطية تعكس خيارات الاغلبية الشعبية وتحترم خيارات الاقلية الشعبية. وهذا لا يمكن ان يكون إلا بالاتفاق والالتزام بالأرضية والإطار الديمقراطي كمصدر للقوانين والسلطات، عبر تداولية تسير مع خيارات واختيارات الشعوب المرحلية والمتطورة.
ابتعادا عن التجريد واقتراباً من الواقع، فمثال "الاخوان المسلمين" تاريخاً وتجربة جدير باعتبارهم نموذج لتيار الاسلام السياسي. وبدون الخوض في تفاصيل التاريخ، فعمر "الاخوان المسلمين" يقارب تسعة عقود (88 سنة/ 1928)، وبعد مسار وتقلبات وتحديات رحلة طويلة، فدعوة "الاخوان المسلمين" أثرت وانتشرت وكسبت قواعد شعبية في كل العالم الاسلامي- وان اختلفت تسمياتهم المحلية- وبل انهم خرجوا احياناً اقوى بعد اخفاق وإرهاق المواجهات والملاحقات والمضايقات، رغم شراسة وتواصل بعضها لسنوات.
هذا يضعنا امام حقيقة ان الاخوان المسلمين لهم مؤيدين مخلصين وملتزمين، ولن يؤثر في ذلك الواقع نظريات وتفسيرات الغموض والمؤامرة. كما انه من المهم، بيان ان الاخوان بعد مرحلة "قطب" أعلنوا، بياناً وممارسة، قبولهم بالخيار والعملية الديمقراطية. إضافة إلى واقعيتهم وانفتاحهم السياسي والثقافي والاجتماعي الاوسع مع الاختلاف والتنوع، مقارنة ببعض التيارات المتطرفة والمتشددة والعنفية، الاسلاموية والعلمانية.
اليوم، لا يخلو بلد مسلم او بلد فيه مسلمون، من وجود معترف به للإخوان المسلمين، سواء كان البلد في الشرق، الجنوب، الشمال او الغرب. فالاخوان المسلمين كتنظيم دعوي او جناح سياسي متواجدين كشركاء في السلطة التنفيذية او تحت قباب البرلمان، كأحزاب سلطة او معارضة، او كجمعيات مدنية وأهلية، مع استثناءات بعض الدول، لا يتجاوز عددها اصابع اليدين (مصر، السعودية، الإمارات، روسيا، وكازاخستان..) والتي تعتبرها جماعة محظورة او تصنفها كجماعة ارهابية. بل ان حركات سياسية منبثقة عن فكر الاخوان المسلمين قادت او تقود وشاركت او تشارك في الحكم في دول مثل المغرب، تونس، الجزائر، اليمن، تركيا، غزة/فلسطين، السودان، العراق... مع بيان، ان بعض الدول التي تحظر الاخوان المسلمين، تسمح بتواجد ونشاط حركات إسلامية اخرى، كالسلفية.(وقياساً، في دول أوروبية عديدة يوجد بها احزاب مسيحية ديمقراطية).
وهكذا، نقترب من ساحتنا الليبية. فالاخوان المسلمين في ليبيا لهم تاريخهم وحضورهم في ليبيا، قبل ثورة فبراير وبعدها، والذي ليس من مجال هذه السطور تناوله تحليلاً وتقييماً، إلا هناك شكوك وتخوف وعدم ثقة، يصل احياناً لدرجة النفور من الاخوان المسلمين من قبل نخب سياسية وثقافية، والمنعكس على الشارع.
اليوم، في ليبيا، جماعة الاخوان المسلمين وحزب العدالة والبناء لهم حضور وفعل سياسي وأهلي، يترواح بين العضوية والمناصرة والتعاون والقبول والاختلاف وبين الإعراض والتنديد والخلاف والخصام، مع اختلافات جغرافية.
وفي مثلما وضع وظرف فمن المنتظر والمطلوب من الاسلام السياسي الديمقراطي الليبي، ومنهم الاخوان المسلمين تقديم تطمينات للمتخوفين او المتشككين حول الالتزام بالخيار الديمقراطي ضمن المسار الوطني وأولوياته، مع تجديد وتكييف خطابها بما يلائم المعطيات والتحديات في ليبيا. وهذه الشروط والاشتراطات تمتد للتيار الليبرالي الديمقراطي.
وحيث ان الديمقراطية تقوم وتتأسس اشتراطاً على حرية الاختيار والاجتماع والتنظيم، فمن حق كل ليبي ان يختار توجهه السياسي ديمقراطياً، رأيا وممارسة، شريطة احترام وقبول حق الاخرين كذلك.
وحيث اننا نعاني تهديد حقيقي من التيار الاسلاموي المتطرف والمحارب للديمقراطية والرافض للتنوع، وانه من المبادئ الليبرالية والديمقراطية القبول بالتنوع الملتزم بالديمقراطية، فانه من الواجب ان تتكتل التيارات الديمقراطية بتنوعها الاسلامية والليبرالية لمواجهة جماعات الاكراه والتطرف، مع ضرورة احترام الالتزام والانتماء الوطني من الجميع، واحترام ظروف ومعطيات كل دولة لتقرر سياساتها المناسبة لها، وعدم فتح ارض الوطن لصراعات خارجية.
واختصاراً، وبعد كل المعاش، وباعتبار الظرف الليبي وما يحيطه من تحديات وتهديدات، وما يشهده الواقع الليبي من تحارب اهلي، هل لنا ان نفكر بموضوعية في تشييد جسور بيننا على الحفر والخنادق، بدلاً من تقاذف النار والتهم بين الضفاف. مع اعتبار، تجنب المعارك الخاسرة.
هذه السطور منطلقها وطني، موضوعي وواقعي، وهي لن تفلح ولا تريد جدال القراءات العاطفية، مع مراعاة واهمية عدم المراهنة على معطيات داخلية وخارجية متغيرة ومتقلبة، مع ثبات جغرافية هوية الوطن الليبي ببعدها المسلم العميق، وتطلعاته في دولة مدنية ديمقراطية.
معيار الأداء ومقياس التقييم عبر الديمقراطية التداولية وصندوق الانتخابات هما الحل، او الحل البديل، فدوامة الاقصاء الالغائي العنيف ، ليس لآخر رصاصة بل لآخر قطرة.
ابراهيم قراده/ ادرار نفوسه
[email protected]