منذ أكثر من ثلاثين سنة أزيل الدكان من مكانه وبنوا على مساحته عمارة كبيرة لكن رائحته مازالت تفوح ولا أحد يعرف كيف تفوح . هذه المسألة لم تحيرني أنا وحسب بل حيَّرت حتى أهل قريتي الجنوبية الذين ما زلوا يشمونها من وقت لآخر، ولا أحد منهم يعلم أين تختبئ هذه الرائحة . فجدران القرية القديمة التي عاصرت الدكان لم يعد منها شيء ، وأولئك الناس الذين عاصروا أبي في دكانه جلهم أو كلهم ماتوا ودفنوا تحت الأرض، وتلك الأشياء التي كانوا يشترونها من دكاننا ما عادت تجلبها وتبيعها الدكاكين اليوم، لكن رائحة الدكان ما زالت موجودة في أجواء القرية . حتى تلك العادات التي كانوا يمارسونها في زمن الدكان جميعها ذهبت معهم ولم يعد أحد يمارسها ، بل حتى نخيل القرية الذي من المحتمل أن تكون الرائحة قد علقت على عريشه مات ووقع على الأرض بعد أن نزحت مياهه واستنزفتها مواسير النهر. لا أحد في القرية يعلم كيف تعيش هذه الرائحة ولا أين تضرب جذورها ولا من أي حوض تشرب.