مقالات

عطية صالح الأوجلي

اليمن و"قهوة" الحاج علي...!!

أرشيف الكاتب
2016/08/11 على الساعة 19:24

(1)
في السادس والعشرين من سبتمبر عام   1962 وقع انقلاب عسكري باليمن بقيادة العقيد عبدالله السلال. الانقلاب كان كلاسيكيا حيث قامت القوات بالسيطرة على الاذاعة وإصدار البيان رقم واحد... وأستولت على قيادة الاركان ومعسكرات القوات المسلحة وقصفت قصر إمام اليمن... مرت عدة ايام قبل ان يكتشف الضباط ان صنعاء ليست دمشق او بغداد او القاهرة... فالإستيلاء على العاصمة لا يؤدي بالضرورة الى السيطرة على بقية البلاد... فالحكومة المركزية لم تكن تسيطر على القبائل المتواجدة خارج العاصمة... والتي رفضت تأييد الانقلاب وتمسكت بحكم الإمام... وللخلاص من هذا المأزق، اتجهت قيادة الانقلابيين الى مصر عبدالناصر... طالبة العون والتدخل والمساعدة العسكرية... ترددت مصر بعض الشيء غير انها حزمت امرها... وبدأت بارسال القوات للتدريب ثم للقتال... الى جانب قوات السلال الذي منح نفسه رتبة المشير... انقسم العالم العربي الى غالبية تؤيد التدخل المصري وترى فيه مساندة لثورة شقيقة... وأقلية كانت ترى فيه اما محاولة للهيمنة او مغامرة كان الشعب المصري في غناء عنها... امتد هذا الانقسام بطول الشارع السياسي العربي... فوصل شارعنا وتحديدا مقهى الحاج علي... الذي تجتمع فيه اطراف الجدل كل مساء "للعلب الكارطة" وشرب الشاي والقهوة واحيانا السحلب.

(2)
كان الحاج علي رحمه الله شخصية استثنائية... وتختلف عن الغالبية الساحقة من الليبيين آنذاك... كان كتلة من المزاح والمرح والنشاط... فهو احد الكبار القلائل الذين يمزحون معنا نحن الصغار... كان دائم الصنع للمقالب خصوصا ل'اصحاب الدكاكين'... المشهورين بالافراط في الجدية والعبوس... لم يكن مقهاه يختلف كثيرا عن بقية المقاهي 'العربية' بالمدينة... دكان متوسط الحجم تم تغييره باضافة حوض وقطعة من المرمر... وموقد نار ومجموعة طاولات وكراسي خشبية... في شهور الشتاء كانت تحل بالقهي طنجرة السحلب... وهو التغيير الوحيد الذي يطرأ على روتين المقهى... لم تكن هناك ثلاجة... فكانت القازوزة توضع قي صندوق به 'اسطنبة' ثلج ملفوفة بقطع الخيش... كان الحاج علي يؤدي جميع المهام بالمقهي... فهو الطاهي وعامل النظافة والمحاسب وصاحب المشروع... اما الطلبات الخارجية فقد كان ينقلها شاب ترجع اصوله... الى منطقة العجيلات فكان من الطبيعي جداً ان يناديه الجميع... بالعجيلي.
(3)
كانوا رواد المقهي في غالبيتهم من سكان الحي... وكانوا يختلفون في اوصولهم واعمارهم وحرفهم... لكنهم يجتمعوا في أمرين أثنين، الأول الوله بلعبة الرومينو والثاني إدمان التحليل السياسي... احيانا كانت احاديثهم تنتقل الى شأن اخر كمباراة لكرة القدم بين الأهلي والنجمة..أو الهلال والتحدي ... أو الحديث عن اختراع جديد أو سلعة نزلت بالاسواق ولكنه سرعان ما يعود للسياسة... وينقسم الحاضرون الى فريقين أحدهما "مع" والأخر "ضد"... كان النقاش في السياسة امتدادا للنقاش حول القضايا الأخرى... محاولة لاسكات الخصم بكل ما يمتلكه المرء من مهارات وحيل.... فمن فنون رفع الصوت والغمز واللمز إلى الاهانة والتجريح و"التركيب"... وكان الاستاذ خليفة في مقدمة من اتقنوا هذا الفن... الذي تحول فيما بعد الى تراث... تبنته وباخلاص شديد كل التيارات الفكرية والسياسية والرياضية في بلادنا...!! .. كان الاستاذ خليفة مغرماً بالنقاش ويتباهى بقدرته على الدخول في أي جدل... ومناصرة أي جانب أو أي قضية وكسب المعركة... غير انه في معركة "ثورة اليمن" اخطأ الحساب... فالشخص الذي تناقش معه كان وافدا جديدا على المقهي... وكان أحد رياضي نادي التحدى وفي رياضة الملاكمة تحديدا... فبعد دقائق من النقاش الساخن شهدت "قهوة سيدي علي"... أول معركة دامية في تاريخها... وكانت للأسف من طرف واحد... سالت الدماء من انف الاستاذ خليفة واتسخت بدلته الوحيدة... وبعد ان تدخل اهل الخير تم إخراج المعتدي ومنعه من التردد على المقهي... كما تم منع جميع النقاشات السياسية بالمقهي... وهكذا ساهمت ثورة اليمن في احداث تغيير جذري في مقهى الحاج على... وفي سمعة الأستاذ خليفة.....!!
عطية صالح الأوجلي

كلمات مفاتيح : مقالات ليبيا المستقبل،
البهلول | 12/08/2016 على الساعة 10:16
ديمومة التغير
الاجيال تتعاقب جيلاً من بعد جيل ، وعجلة الايام تدور دورتها في دواليب الزمن عبر ديمومة الاستمرارية الابدية التى لاتتوقف عند حد منذ ان اودع الله هذا الكون قوانينه ونواميسه التي لايدرك حكمتها الا هو والراسخون في العلم ..هكذا هو حال الدنيا ، ومن ضمن قوانين التغير مرت اليمن وبلاد العرب من حال الى حال ومرت المقاهي من مقهى على رحمه الله الى مقهى مفتاح الى مقهى العجيلات الى مقهى جنة العريف الى فلادلفيا وهكذا مرت اجيال من الناس ضمن سنن التغير والسياسة مر رجالاتها بهرم ابن خلدون وكذلك الدول قامت وازدهرت ثم انهارت الدوام لله لايوجد في الكون ثبات انه متغير في يمومة ابدية والشعب الليبي مر بمراحل عدة وتغيرت فيها حياته وافكاره وثقافته ونظرته للحياة واليوم يعيش في مرحلة عسيرة تتطلب من الجميع ان يطوا الماضي بكل مآسيه واالآمه وان نرنوا جميعا الى افاق المستقبل بقلوب مؤنة بالله الواحد القهار وبهذا الوطن الذي بات يحتاج منا إلى بذل المزيد من الجهد والعرق حتى نخرجه من دائرة التخلف إلى افاق أكثر أزدهارا وامنا وسلاماً ، تحية لاستاذ عطيو الاوجلي على هذا المقال المعبر بقوة بيانه عن تعاقب الاجيال .
berkawe | 12/08/2016 على الساعة 06:03
L:ibya
Those kind of articles would be very enjoyable if the Libyan people have their own control of their destination, but they don't for so many centuries. How about investing your research to find the way out of this Sorry Human Behind Situation and the Libyan people will be very Grateful to you... .
محسن | 12/08/2016 على الساعة 02:16
الله يرحم...
الله يرحم أيام زمان، أيام التركيب واللبس في أخفها أو الدفان والبوني في أشدها. تو أقلها البهدلة ومسح الكرامة لين الواحد يمرض بروحه بروحه، وأعلاها... والله تو ما ليها سقف...
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل
جميع المقالات والأراء التي تنشر في هذا الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع