مقالات

صالح الحاراتى

"مهمة استطلاع"!

أرشيف الكاتب
2022/06/15 على الساعة 14:11

كثيرة هى الحكايات الشعبية التى سمعتها فى طفولتي، وغالبا ما تكون هناك حكمة من وراء تلك الحكايات، منها ما هو ظاهر ومنها ما هو خفي بحيث يقوم الراوى نفسه بتوضيح ذلك بعد نهاية سرده للحكاية.

من تلك الحكايات حكاية القط الذى قرر الحج والتوبة وعدم اكل الفئران، استدعى ذلك أن قام أحد الفئران بمهمة استطلاع شجاعة لكى تتأكد الجماعة من صحة توبة القط!.. ورغم النمط الساخر للحكاية ولكنها تشير فى نهايتها إلى حكمة بالغة.

فى السطور التالية سيناريو للأحداث فى تلك الحكاية…

كان يوما مشهودا ولا شك.. فقد قامت العشيرة بتزيين مدخل المغارة بالورود والزهور التى تم جلبها من البستان المجاور، وفرشوا مدخل المغارة بحبوب القمح والذرة التى تحصلوا عليها خلسة من مزرعة جارهم البخيل! 

الحدث جلل ويستحق كل تلك الاستعدادات ..إنه موعد وصول بطل جماعة الفئران والفدائى الشجاع الذى تولى مهمة استطلاع مباشر للتأكد من نوايا العدو مما يدخل فى خطة وإجراءات تأمين سلامة الجماعة.

تعالت صيحات التهليل وانطلقت أصوات تشبه الزغاريد عندما ظهر البطل من على بعد.. تقدم شيخ الجماعة للترحيب واستمر التهليل والصياح والتصفيق. بعد العناق وكلمات الإشادة ببطولته والتهانى على سلامته، تقدم البطل مع شيخ الجماعة إلى داخل المغارة حيث كان مجلس الحكماء فى انتظاره.. أخذ الجميع أماكنهم وبدأت جلسة الاستماع.

بدأ شيخ الجماعة بالحديث قائلا: منذ أن سمعنا بذهاب القط الشرس للحج ونحن فى حيرة من أمرنا ولم نصدق ذلك الخبر.. كان هناك من يؤكد توبته وهناك من هو غير مطمئن ومتشكك فى تلك التوبة، ونحن يا بطلنا المقدام لن ننسي فضلك علينا عندما تقدمت كفدائى مغوار وعرضت علينا أن تقوم بزيارته فى مهمة استطلاع شجاعة لكى تتحقق من توبته، ورغم حرصنا الشديد على حياتك ولكن حالة الرعب والقلق جعلتنا فى امس الحاجة للاطمئنان على مستقبل الجماعة ومصيرها، وبينما كنا نتداول الامر فيما بيننا  كان قرارك الشجاع بالذهاب والقيام بتلك المهمة الخطيرة.. لقد تطوعت انت للقيام بهذه المهمة الجليلة وذهبت لتبارك له ولكى ترى مصداقية توبته.. لا نخفيك أننا كنا قلقين على مصيرك، واصابنا القلق والتوتر ولم نتوقف لحظة عن الدعاء لك فى غيابك حتى ظهرتَ علينا من بعيد، وهانحن الان نشعر بالغبطة ويغمرنا السرور لسلامتك، وكلنا اذان صاغية لتحكى لنا ما الذى حدث معك.

اطلق البطل بصوته حشرجات تشبه الكحة وكأنه يعد حنجرته للكلام بينما الوجوم يسيطر على الجلسة. بعد أن حمد الله وشكره على  نعمة السلامة بعد زيارته المحفوفة بالمخاطر اردف قائلا: لقد كانت لحظات صعبة ولم استبعد ان يصيبنى مكروه ويكون ما اقدمت عليه تهورا وليس بشجاعة وترددت قبل الولوج إلى مجلسه ولا اخفيكم أنه راودنى احساس من الندم لما أقدمت عليه ووسوس لى الشيطان بأنكم ستنسونى بعد أيام قليلة لو حدث لى مكروه، ولكن تغلبت على تلك الوساوس واقنعت نفسي بسمو وعظمة التضحية من أجلكم أهلى وعشيرتى.. فتقدمت ووجدت القط الحاج جالسا فى هدوء وليس معه أحد فهو فى قيلولته ليرتاح بعدد انتهاء مراسم استقباله .. بادرته بتحية السلام عليكم،  فكان رده وعليكم السلام  فاطمأن قلبى .. وبدأت اتيقن انه من ناحية الحج فهو قد حج وتوبته تبدو مؤكدة، باركت له توبته وابلغته تحياتكم ثم بدأت الاستعداد للمغادرة، لان هناك امر يجب الانتباه اليه والتحذير منه وهو ان "شناباته ما زالوا يرفّوا والقمزة ما زالت فيه". 

لم انتظر كثيرا شكرته على حسن الاستقبال وباركت له توبته وانطلقت راجعا، وهانذا بينكم والحمد لله…

التصفيق يعم المكان.

يؤكد الراوى بعد الانتهاء من سرد الحكاية على أن "الطبع يغلب التطبع" وينبه إلى اهمية الاحتياط والحذر مستحضرا بيت الشعر الذى يقول: ”اذا رأيت نيوب الليث بارزة.. فلا تظنن أن الليث يبتسم“.

صالح الحاراتي

 

لا تعليقات على هذا الموضوع
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل
جميع المقالات والأراء التي تنشر في هذا الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع