يعرف الدكتور سعد الدين إبراهيم المجتمع المدني بأنه: "مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ الفضاء العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الإحترام والتراضي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف". كما يعرفه الدكتور عبدالحميد الأنصاري بأنه: "ذلك المجتمع الذي تتعدد فيه التنظيمات الطوعية، التي تشمل النقابات والاتحادات والروابط والأندية وجماعات المصالح… غير ذلك من الكيانات غير الحكومية، والتي تمثل الحضور الجماهيري، وتعكس حيوية المجتمع، الأمر الذي يؤدي لإيجاد مؤسسات في المجتمع موازية لمؤسسة السلطة تحول دون تفردها بإحتكار مختلف ساحات العمل العام“.
وقد شهدت ليبيا مابعد ثورة 2011 ظهور المئات من جمعيات المجتمع المدني في جميع القطاعات،الأمر الذي لم يكن متاحاً في ظل النظام السابق، حيث كانت سلطة العهد السابق تمنح حق تأسيس الجععيات والنقابات الأهلية بموجب القانون رقم 1972، إلا أن الحكومة كانت تسيطر على المجتمع المدني من خلال المؤسسات الحكومية "الثورية“ المتعددة التي تنتشر في مختلف قطاعات المجتمع الليبي. وحيث لم تسمح لاحقاً أيديولوجية النظام السابق بإطلاق القياد والعنان للمجتمع المدني، وظل مكبلا بما أملته نصوص "الكتاب الأخضر“، والتي تلزم كل الجمعيات والاتحادات والروابط المهنية بالانضواء في إطار المؤتمرات الشعبية الأساسية.
فوفق بنية وهيكلية "سلطة الشعب" يقتصر دورها على الاهتمام بشؤونها ومشاغلها المهنية، حيث يحدد "الكتاب الأخضر” أن أمانات النقابات والاتحادات والروابط المهنية على مستوى ليبيا ككل، وأمناء الاتحادات والروابط المهنية هم أعضاء في مؤتمر الشعب العام، حيث يعبرون عن مصالح فئاتهم المختلفة أمام المؤتمر، ولكن لا يحق لهم التصويت حول قضايا "السياسة العامة“... لذلك أضعفت مؤسسات المجتمع المدني في ليبيا، أو تم الإجهاز عليها، نظراً لسيادة المؤسسات الأمنية وغير الرسمية، وسيطرة وهيمنة حركة "اللجان الثورية" على كل القطاعات، وغياب دستور وطني، ومعاداة المأسسة، وأيضاً لم يتخلص المجتمع الليبي من الهياكل القبلية، رغم الخطاب التحديثي المعلن، وظل المجتمع المدني فاقداً لفعاليته التنظيمية، ولم يؤدي أدواره المجتمعية المألوفة، وأصبح في الغالب مستوعبا من الأجهزة البيروقراطية للدولة (اللجان والمؤتمرات الشعبية)، في حين تحول النصوص التشريعية القائمة دوت إنبثاق تنظيمات المجتمع المدني الحديثة.
واليوم وبعد تغيير مابعد 2011 ومع مخاض تشيكل النظام الجديد أدى العدد المتزايد من منظمات المجتمع المدني دورا مهما ولا يزال في المجالات التالية:
أولاً: في ظل غياب سلطة الدولة، إستطاعت منظمات المجتمع أن تسد الفجوة من خلال ممارسة بعض مسؤوليات الدولة ووظائفها، بعد أن خلق انهيار نظام القذافي فراغاً في السلطة في كل أنحاء ليبيا، حيث ساعدت منظمات المجتمع المدني على استعادة الأمن والنظام في الكثير من المناطق، كحال "مجلس حكماء ليبيا”.
ثانياً: إن عمل مجلس حكماء ليبيا هو دليل على مساهمة منظمات المجتمع المدني، حيث قام بفض الكثير من النزاعات. ورغم ذلك أرى بأنه لم نصل بعد إلى المرحلة التي يكون فيها المجتمع المدني فاعلا ومؤثرا كمايجب له أن يكون نظراً للعوائق التالية:
1- تأزم الوضع الأمني، والذي يتفاقم تعقده نظراً لإنتشار الميليشيات وفي ظل فوضى السلاح، بالاضافة الى خطر الجماعات المتطرفة.
2 - تزايد حدة الانقسامات والاستقطابات السياسية،وهو ما يتعارض مع "الديمقراطية" والتي تنتفي في تنازع السلطات وهي أهم الشروط اللازمة لإحداث مجتمع مدني قوي وفعال.
3- غلبة الولاءات القبلية والجهوية والمناطقية، والتي تتناقض مع مكونات ووظائف المجتمع المدني وأهدافه.
4- أيضاً غياب ثقافة المجتمع المدني، والتي ترتبط بهيمنة الولاءات الاجتماعية الضيقة، وترتبط أيضاًبخبرة عدم وجود المجتمع المدني في السابق.
وتظل الرهانات المعقودة على الدور المنوط بالمجتمع المدني تحقيقه رهانات كبيرة، رغم كل هذه التحديات القائمة، من أجل الوصول إلى مجتمع يسوده الأمن والحرية والرخاء.
د. أبوبكر خليفة أبوبكر
الرباط / المغرب 6-8-2016
[email protected]
المراجع:
1- عبدالحميد الأنصاري، الشورى وأثرها في الديمقراطية، دار الفكرالعربي،بيروت، 1996.
2- بو جنية قوي،المجتمع المدني بليبيا وموريتانيا: صراع القبيلة والدولة، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة،2014.
3- علي عبداللطيف احميدة، دولة مابعد الاستعمار والتحولات الاجتماعية في ليبيا،المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012.
4- محمد زاهي المغيربي،المجتمع المدني: مفهومه وشروطه، منتدى ليبيا للتنمية البشرية والسياسية، 2009.
5- منيرة فخرو،المجتمع المدني والتحول الديمقراطي في البحرين، تقديم:سعد الدين ابراهيم، مركز إبن خلدون، القاهرة، 2009.