![]() |
في صباح يوم 13 مايو 1984 كنت في مدرسة المشاة والتعبية (وليس التعبئة) – بنغازي جالسا أمام بهو ضباط الصف أتأمل الرائحين والغادين من العسكريين فوقف خلفي رئيس عرفاء/ زين الدين الاحرش من طرابلس متسائلا: سمعت شنو صار أمس في طرابلس؟ فقلت له وأنا متفاجئ من صراحته في مثل هذا الموضوع الخطير: آه سمعت كلام طراطيش، شنو صار بالضبط؟ فذكر لي كيف أن البطل/ مجدي الشويهدي وقف فوق عمارة تطل على الساحة الخضراء وخطب في الناس بمكبر بضرورة الخروج على الطاغية وبكلام آخر قبل أن يستهدفه قناص برصاصة قتلته على الفور وكيف أن الناس في طرابلس يشعرون بالفخر والزهو بعد هذه البطولات فشكرته على صراحته وصار صديقا موثوقا لي مذ ذاك وكرد على الجميل الذي شعرت به تجاه مصارحتي كنت حريصا قبل انفكاكه أن اقضي معه كامل الصباح ونحن نتجول في بنغازي بسيارتي لقضاء حوائجه فيها وللأسف الشديد لم نلتقي مذ ذاك الا مرة واحدة في عام 2000 أو بعده عندما كنت راجعا من مهمة رسمية في بريطانيا وكنت أحمل أشياء كنت أخاف من مصادرتها ومحاسبتي عليها في الجمرك لا أذكرها الآن وقد تكون كتبا ممنوعة في حقيبة السفر الكبيرة وما أن وضعت الحقيبة على الدكة المقابلة لاحد ضباط الجمارك وناولته جواز سفري فقال لي: قيسك ما عادش تعرف الناس؟ عند ذاك فقط رفعت رأسي ونظرت اليه مليا فتذكرته فصحت فرحا: أووه زين الدين! وتصافحنا وتبادلنا التحية ولم يفتح الحقيبة مشيرا على بأخذها ووضعتها على الكروسة وخرجت من المطار وأنا في غاية الاستغراب من هذه المصادفة التي لم تتكرر بعدها على الرغم من أنني سافرت كثيرا وكنت أتفرس في جميع وجوه رجال الجمارك عسى أن يكون منهم الا أنني لم ألتقيه مذ ذاك.
أسرد هذه الذكريات كتوطئة ليوم 08/مايو/1984 ذلك اليوم المشهود الذي لن يمحى من ذاكرة الليبيين، ذلك اليوم الذي شعرنا فيه بالعز وبعودة الكرامة المفقودة، أسرد هذه الذكريات ليدرك جميع الليبيين بأننا شعب واحد من أمساعد لرأس جدير وأننا تشاركنا في السراء والضراء من قديم الزمن وليس من يوم الاستقلال فقط.
لقد تابعت في شهر نوفمبر/2012 حلقات من لقاء قناة ليبيا الحرة مع الفدائي / كمال الشامي قمت بتلخيص ما جاء في الحلقة الثانية منها والتي تم بثها يوم الأحد الموافق 18/11/2012 كالتالي:
يوم 07 مايو 1984: إستشهاد أحمد أحواس في زوارة برفقة كل من / أيمن الحصائري وعلي حمودة إثر إشتباك مسلح مع أعوان القذافي (بتاريخ 30/01/2013 ذكر لي صديق في لندن أن السيد / علي حمودة حي يرزق وهو موجود في مصراته)
يوم 08 مايو 1984: أحضر أعوان القذافي الشهيد خالد علي يحي معمر منهكا وباديا عليه آثار التعذيب المبرح الى العمارة والذي قام بمحاولة (لم يعرف الغرض منها) بعد أن وصل مع مرافقيه الى باب الشقة فى الدور الرابع من العمارة فتم إطلاق الرصاص عليه بكثافة وخرج الأعوان من العمارة وفتح الفدائيون باب الشقة وأدخلوه وهو يتلفظ بالشهادة وعلى إثرها بدأت المعركة.
المتواجدون فى العمارة:
خارج العمارة
الشهداء الذين تم إعدامهم لعملهم المساند للعملية
آخرون
عبد اللطيف المانى أستشهد فى السجن تحت وطأة التعذيب.
أسرد هذه الذكريات وفي القلب حسرة على موقف الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا قيادة وأعضاء مما جرى ويجري في ليبيا منذ يوم إقرار مرتبات أعضاء المؤتمر الوطني العام البائس في أغسطس 2012 وإلى يومنا هذا وكيف أستطاعوا خيانة هؤلأ الابطال وغيرهم من المئات الذين تم تعذيبهم وسجنهم ونفيهم وتشريدهم والتضييق عليهم في معيشتهم وحياتهم (صيغة المذكر تشمل المؤنث) ليس لعضويتهم في الجبهة فقط بل حتى للاشتباه في تعاطفهم معها منذ ذلك اليوم المشهود إلى يوم التحرير في 20/أكتوبر/2011 م. دع عنك خيانة تطلعات الشعب الليبي في الكرامة وسيادة دولة القانون، ألا تدرك الجبهة أنها صارت مكروهة لدى جموع الليبيين مثلها مثل حركة اللجان الثورية سابقا؟ الا تدرك المدى من الحضيض الذي وصلت اليه بعد تضحيات هؤلأ الأبطال وغيرهم؟ كيف لعاقل أن يبيع تاريخه ونضاله الطويل من أجل حفنة من الدولارات المنهوبة من قوت الشعب الليبي الذي يقف في طوابير أمام المصارف لأيام للحصول على جزء يسير من مرتب لا يسد الرمق وليس ضروريات الحياة الكريمة من مأكل ومشرب وملبس ومركوب؟ دع عنك المشردين والمهجرين والنازحين الذين يحلمون بسقف يقيهم حر الصيف وبرد الشتاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
محمد حسن البشاري
بنغازي 07/05/2022
الهوامش:
[أ] كل البيانات من رقم 6 والى آخر المقالة أخذت من موقع ليبيا المستقبل على الرابط التالي.
[ب] فى اللقاء ذكره بأسم: صبحي بوغرارة.
* في لقاء يوم 25/11/2012 ذكر كمال أنه أستشهد في العمارة، أي أنه عاد الى العمارة فى التاريخ المذكور [ت] لأستشهاده.
- راجع: في ذكرى معركة باب العزيزية