مقالات

عطية صالح الأوجلي

زمن الإنسحاب …!!!

أرشيف الكاتب
2022/03/15 على الساعة 21:48

في بدايات نضاله من اجل استقلال شعبه، قدم غاندي نصيحة من ذهب لبريطانيا ”العظمي" التي كانت تحتل الهند وتعتبرها ملكا خالصا لها.. إذ قال للبريطانيين: “انسحبوا من بلادي.. انسحبوا وانتم سادة“..!!!

بالطبع.. سخرت بريطانيا من دعوة هذا الرجل النحيل الحافي.. كانت انذآك في اوج قوتها ومجدها.. إمبراطورية مترامية الأطراف لا تغرب عنها الشمس.. كما كان يقال.

دار الزمان دورته.. وخسرت بريطانيا ليس فقط وجودها في الهند وانما ايضا هيبتها.. توالت الانتفاضات والثورات عليها في اماكن كثيرة من العالم.. حتى تقلصت وعادت الى نقطة بداياتها.. مجرد جزيرة تعاني من الازمات.. وتتنامى داخلها النزعات الانفصالية.

ماذا لو سمعت بريطانيا ما قاله غاندي.. وانسحبت مبكرا.. واعادت صياغة علاقتها مع الهند في ضوء الواقع الجديد الذي افرزته الحرب العالمية الثانية.. عجزت بريطانيا عن فهم وإدراك الواقع.. اعمت بصيرتها "أوهام القوة" فخسرت.

ما حدث مع بريطانيا تكرر -ليس فقط مع الإمبراطوريات والقوى المهيمنة- وانما ايضا مع الحكام والساسة حينما عجزوا عن إدراك الوقت المناسب للخروج فأذلوا انفسهم وخربوا أوطانهم.

فالسياسي الحكيم ليس فقط ذاك الذي يعرف متى يحكم.. وانما أيضا يعرف متى يستقيل ومتى يخرج من الحكم.

في عام 1968 أجرى الجنرال ديجول بفرنسا إستفتاء على سياساته واشترط حصول الاستفتاء على نسبة معينة ليواصل البقاء في الحكم.. وعندما اتت النتيجة بأقل مما اشترط لم يتردد في الاستقالة والخروج من الحكم.. هذا ديجول الذي انقذ بلاده مرتين.. الاولى بعد سقوط فرنسا في ايدي الاحتلال النازي حيث تزعم حركة المقاومة والتحرير.. والثانية عام 1958 حين تقدم للحكم وانقذها من الفوضى السياسية العارمة.. ديجول لم يتردد في الخروج من الحكم عندما ادرك أن البلاد قد تغيرت ولم تعد بحاجة إليه.. فانقذها للمرة الثالثة.. وحفظ مكانته في التاريخ.. وفي قلوب الفرنسيين.

الخلاصة... ان الواقع دائم التغيير.. وأن ما يصح في زمن معين قد لا يصح في أخر.. وان السياسي المحنك هو الذي يجيد قراءة التاريخ ويستجيب لرغبات الناس حتى وان خالفت هواه.. فيجنب بلاده المهالك ويحفظ لنفسه مكانا بارزا في تاريخها وذاكرة ناسها.

عطية صالح الأوجلي

لا تعليقات على هذا الموضوع
آخر الأخبار
إستفتاء
ما التقييم الذي تسنده لـ"السقيفة الليبية" (بوابة ليبيا المستقبل الثقافية)
جيد جدا
جيد
متوسط
دون المتوسط
ضعيف
كود التحقق :
+
إعادة
لمتابعة ليبيا المستقبل
جميع المقالات والأراء التي تنشر في هذا الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع