تصوري للدولة الديموقراطية المسلمة (2/2)!؟
لا علمانية لا اخوانية ولا سلفية!
أمامنا اليوم هناك خمسة خيارات ومشروعات لتشكيل دولتنا الوطنية الليبية الجديدة وفقها كالتالي: (1) دولة علمانية ديكتاتورية، (2) دولة علمانية ديموقراطية. (3) دولة مسلمة ديكتاتورية، (4) دولة مسلمة ديموقراطية. (5) دولة إسلامية (دولة الخلافة) إما بطريقة الإخوان المسلمين حيث ولاية المرشد والمفتي الفقيه في ظل نظام شوروي يتداول فيه الإسلاميون السلطة في ظل مرجعية المرشد والمفتي والفقيه وهو يشبه لمشروع دولة ولاية الفقيه في إيران ولكن بنكهة سنية إخوانية، أو بطريقة حزب التحرير أو بطريقة طالبان والسلفية الجهادية كداعش والقاعدة وأنصار الشريعة.
ومعنى دولة (علمانية) اي انها دولة لا دين لها فهي دولة لا تتبنى اي دين حتى دين المجتمع الوطني الذي تحكمه والبلد الذي تقوم فوقه فهي تظل دولة محايدة دينيا ً!!، ومعنى دولة (مسلمة) اي انها دولة تقر من حيث المبدأ ان (الاسلام هو دين الدولة) كما هو الحال في معظم الدول المسلمة اليوم في العالم العربي الا أن هذه الدول المسلمة تفتقد الى الديموقراطية على الرغم من ان بعضها يتمتع بقدر متفاوت من الليبرالية والديموقراطية، والليبرالية تتضمن في جوهرها أمرين: الاول احترام حقوق وملكيات وخصوصيات الأفراد وعدم التطفل على الحياة الخاصة او التدخل في الحريات الشخصية، سواء من قبل السلطات الحكومية او من قبل الافراد الآخرين، والثاني هو احترام حرية السوق والاقتصاد بحيث لا تتدخل الدولة في حركة السوق التلقائية والطبيعية الا اذا خالف المنتجون والمسوقون والشراة والمتسوقون القوانين العامة التي تحمى حرية السوق، فالدولة وفق هذا التعريف قد تكون دولة ليبرالية بصورة ما دون أن تكون ديموقراطية أو علمانية!.
وصاحب هذه المقالة بعد تجربة ومخاض فكري طويل وعسير ينحاز اليوم بكل ثقة إلى الخيار رقم (4) أي إلى (مشروع الدولة المسلمة) لا (الدولة العلمانية) التي لا دين لها بشرط ان تكون هذه الدولة المسلمة (دولة ديموقراطية) لا دولة ديكتاتورية مسلمة بحكم فردي وعائلي وجبري أو عسكري كما كان عليه الحال في كثير من حقب تاريخنا الاسلامي او كما هو الحال في أغلب الدول المسلمة في عصرنا !، بل يجب أن تكون دولتنا المسلمة المعاصرة (دولة ديموقراطية تحترم هويتها الاسلامية وثوابتها الدينية)، وتسع كافة الاجتهادات الدينية والسياسية والفكرية ولا تحاول ان تكون دولة بوليسية وشمولية أبوية وبابوية بحجة انها تريد تثبيت الايمان في قلوب الناس وحماية الدين.
والدولة تكون ديموقراطية اذا توفر فيها أمران: الاول حرية التعبير، والثاني إمكانية التغيير السياسي للسلطات والتشريعات وفق ارادة جمهور الامة!. لهذا يجب ان تتوفر في الدول المسلمة كي تكون دولا ً ديموقراطية، حرية التعبير الفلسفي والسياسي والفني والفكري والادبي والاعلامي، وايضا تتوفر فيها إمكانية التغيير السياسي للشخصيات الحاكمة والقائدة للدولة والسلطات القائمة من خلال انتخابات شعبية حرة ونزيهة وكذلك إمكانية تغيير القوانين والسياسات العامة وفق إرادة جمهورالأمة مع حق الرافضين للتغيير التعبير عن معارضتهم بكل حرية وأمان، هذا هو المفهوم العملي الملوس للدولة الديموقراطية بعيدا ً عن التعريفات الطوباوية والفلسفية والتاريخية!.
ويجب ان يتمتع الناس في دولتنا الديموقراطية المسلمة، جميع المواطنين، حتى العلمانيين منهم (*)، بالحرية الفكرية والسياسية وحرية التعبير عن معتقداتهم وارائهم في ظل احترام الجميع لمقدسات المجتمع الليبي المسلم ورموزه الدينية وخطوطه الحمراء الوطنية التي لا يجوز لاحد انتهاكها بحجة حرية التعبير وقد كتبت عدة مقالات في هذا السياق من قبل الثورة وذكرت ان هذه الخطوط الحمراء للمجتمع المسلم ودولته الديموقراطية تتمثل في ما يلي:
(1) عدم المساس بمقدسات الشعب الليبي المسلم ورموزه الدينية (الله ورسوله وقرآنه) أو التطاول عليها بسخرية واستهزاء وسب وشتم بحجة حرية التعبيرالاعلامي والفني والأدبي!، فهذا خط احمر في مجتمع مسلم محافظ كالمجتمع الليبي ومن ينتهكه يكون عرضة للملاحقة القضائية من قبل نائب الأمة العام في سلطة الإتهام!.
(2) عدم المساس بالحياء العام والذوق العام للمجتمع الليبي فيما يتعلق بقضايا العورات البدنية والأمور الجنسية وخصوصا ً فيما يتعلق بما تقع عليه العين من المشاهد والرسوم الاباحية !، هذا خط أحمر في المجتمع الليبي المسلم، ولا يجوز عرض العورات والمشاهد الجنسية بدعوى حرية الفن والاعلام وحرية التعبير والنشر!!.
(3) عدم المساس بأعراض الناس وخصوصيات الافراد وأسرار العوائل والبيوت بدعوى حرية التعبير، فهذا كثيراً ما يقع تحت تهمة القذف او التشهير، فهذا الخط الأحمر الثالث.
وماعدا هذه الخطوط الحمراء الثلاثة التي يجب ان تكون موضع اتفاق يمكن التساهل والتغاضي عن بعض ما يمكن ان يزعجنا ولا يعجبنا من انتقادات واراء صادمة قد تطال بعض ما قد يعتبره البعض انه من اصول الدين او ثوابت المسلمين او الشخصيات التاريخية المعتبرة خصوصاً فيما يتعلق بنقد تراثنا وتاريخنا الاسلامي، فيجب ان تتسع صدرونا لكافة الاراء والانتقادات كما يجب ان تتسع صدورنا وصدر دولتنا حتى لبعض المواطنين المتشككين في وجود الخالق وصحة الاديان او حتى الملحدين منهم مع حقنا في الرد على مناقشاتهم وأفكارهم المتشككة والملحدة، بعيدا ً عن السخرية والاستهزاء بالرموز الدينية المقدسة للشعب الليبي صاحب السلطة وصاحب الدولة!، بل الجدال يكون في هكذا موضوعات (بالغة الحساسية) بالحجة والبرهان وحسن البيان وبالجدال بالتي هي أحسن، فدولتنا الديموقراطية المسلمة لا يصح ان تكون دولة بوليسية شمولية أحادية ولا حتى دولة شعبوية تنجر وراء غرائز ومخاوف الغوغاء وعواطف الجماهير الشعبية والقادة الديموغواجيين بل لابد أن تتحلى ديموقراطيتنا في دولتنا المسلمة بقدر كبير من الرشد السياسي والعقلاني وبقدر كبير التسامح والليبرالية والتعايش مع التعددية الدينية والمذهبية والسياسية والثقافية والفكرية وتترك مساحات واسعة للجدال العقلاني والسياسي والفكري والعقائدى داخل المجتمع الديموقراطي المسلم، فالحوار وحده هو ما ينمي العقول وينقح ويصحح الافكار ويساهم في نضوج العقول ورقي وتقدم المجتمعات وتعديل المسار، هذا هو تصوري للدولة الوطنية الديموقراطية المسلمة المعاصرة والراشدة بشكل عام وستأتي التفاصيل في مقالات اخرى ان شاء الله، والله خير مرشد وهو خير معين.
سليم الرقعي
28 شوال 1437هـ - 2 أغسطس 2016م
- راجع الجزء الأول من هذه المقالة.
(*) العلمانيون في المجتمع المسلم قسمان: قسم ملحد ومعادي للدين وربما كان من بقايا الشيوعيين يحاول التستر بالعلمانية والليبرالية لمحاربة الدين الإسلامي بطريقة غير مباشرة، وقسم علماني وليبرالي مسلم مؤمن بالله واليوم الآخر كحال جميع المسلمين محب للدين ولكنه متخوف من الإسلاميين أصحاب مشروع الإسلام دين ودولة، فهو ممن يؤمنون بأن الإسلام دين لا دولة وأن دولة النبي والصحابة كانت لها ظروفها التاريخية الخاصة والإستثنائية إذ كانت في تلك الظروف ضرورة واقعية وحتمية لحماية الدين وجماعة المسلمين التي يحيط بها الاعداء من كل جانب للفتك بهم ومحو دينهم بقوة السلاح كما أنها كانت ضرورة واقعية في ظروف دولية تقوم على الغزو والفتوحات العسكرية وغياب الحريات الدينية فكان لزاما ً، والحال تلك، أن تكون للمسلمين دولة قوية تحمي دينهم وتوفر حاجات دنياهم بل وتغزو الدول المجاورة بالسيف لنشر الإسلام من خلال تحطيم السلطات الطغيانية القائمة ثم تحرير الناس وتخييرهم بين الدخول في ظل (سلطان دولة الإسلام) مع البقاء على إيمانهم بدينهم مقابل ضريبة مالية (الجزية) كعلامة للولاء والطاعة للدولة الجديدة من جهة وكرسوم توفير الحماية الكاملة لهم ولمعابدهم من جهة أخرى أو الدخول في دين الإسلام بالإيمان به، أما اليوم فالوضع الدولي مختلف تماما ً وحماية الدين متوفرة والحرية الدينية محمية بالعرف الدولي والإسلام ينتشر بالدعوة والتبليغ في كل أصقاع الدنيا دون حاجة لدولة إسلامية تغزو العالم لنشره، لهذا يعتقد هؤلاء العلمانيون وأغلبهم من الليبراليين من العرب والمسلمين بعدم الحاجة لدولة ذات وظائف دينية، والدولة يجب أن تكون مدنية علمانية لا دين لها أو لا وظائف دينيه لها مع مراعاة ما يتعلق بالأحوال العائلية والشخصية في قوانين الدولة حسب العرف والشرع المتبع في المجتمع الأهلي، فالإسلام دين لا دولة عندهم أي عند العلمانيين والليبراليين المسلمين والعرب والليبيين بينما هو دين ودولة عند الإسلاميين، وعندنا، نحن أصحاب مشروع الدولة الديموقراطية المسلمة، هو دين الدولة وأن هذه الدولة يجب أن تكون مع هويتها الإسلامية دولة ديموقراطية تتمتع بقدر كبير من الليبرالية في ظل احترام ثوابتنا وقدساتنا الدينية!.